لماذا يستمر التصادم بين تركيا وإيران؟

الاثنين 27 فبراير 2017 02:02 ص

لمئات الأعوام، ومنذ معاهدة قصر شيرين عام 1639، حافظت تركيا وإيران على تعايشٍ سلميٍ ممتاز، ولم يسمحا للمشاحنات السياسية التي ظهرت بين الحين والآخر والتنافس الإقليمي أن يؤثّر على علاقاتهما الاقتصادية. وقد أصبح الجانبان متمرّسين في عدم وطء العتبات الحرجة بينهما. لكنّ التوتّرات السياسية الناجمة عن الحرب الأهلية السورية قد نقضت هذا النسق، والعلاقات الاقتصادية مهدّدة الآن.

في بعض الأحيان، تبدو تركيا ببساطة وكأنّها لا تستطيع مساعدة نفسها، وتبدو هفواتها الدبلوماسية غير مقصودة. وقد قام الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» ووزير خارجيته «مولود جاويش أوغلو» مؤخّرًا بتوجيه الإهانات لإيران على مستوىً غير مسبوق، الأمر الذي أدّى إلى أضرارٍ اقتصادية كبيرة.

وفي تصريحٍ له الأسبوع الماضي بالبحرين، اتّهم «أردوغان» إيران بالسعي لتقسيم العراق وسوريا عن طريق العودة للقومية الفارسية، وهو ما قال أنّه يجب منعه. وتحدّث «جاويش أوغلو» يوم 19 فبراير/شباط في مؤتمر ميونيخ قائلًا: «تحاول إيران خلق دولتين شيعيتين في سوريا والعراق. وهذا خطير جدًا. يجب إيقاف ذلك».

ليس من المستغرب أنّ إيران كانت غاضبة. وقد ردّ المتحدّث باسم وزارة الخارجية الإيرانية «بهرام قاسمي» بشدّة، قائلًا أنّ هؤلاء الذين يدعمون المنظّمات الإرهابية، والذين يسفكون الدماء، والذين قادوا الطريق للتوتّرات وعدم الاستقرار في المنطقة، لا يمكنهم الهرب من مسؤوليتهم باتّهام الآخرين. وأضاف: «نحن نتعامل بالصّبر، لكن لذلك حدود. وإذا كرّر أصدقاؤنا الأتراك هذه النوعية من التصريحات، سنضطر للرد».

ويلقي التوتّر بظلاله على منتدى الأعمال بين تركيا وإيران والذي كان مقررا في 25 فبراير/شباط في طهران. وكان من شأن تركيا أن تمثّل في وزير الاقتصاد «نهاد زيبكجي»، وتمثّل إيران بوزير الصناعة والتعدين والتجارة «محمد رضا نعمت زاده». ونظرًا للجدل القائم بين البلدين، ألغى «زيبكجي» الزيارة. ومن ثمّ تأجّل المنتدى. ومن غير المعروف إذا ما كانت هناك تواريخ جديدة ستحدّد للمنتدى.

كان هذا أمرًا جللًا. فقد كان مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي قد رتّب لحضور تنفيذيين من حوالي 100 شركة تركية. وكان المسؤولون قد خطّطوا أيضًا لتدشين مركز التجارة التركي في طهران.

كان رجال الأعمال الأتراك ينتظرون مثل هذا المنتدى، على أمل العثور على فرصٍ مربحة في قطاعات الطاقة والبتروكيماويات والتعدين والإنشاءات وتجارة التجزئة والخدمات اللوجستية والسياحة بعد رفع بعض العقوبات عن إيران. وأصدر مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي بيانًا قال فيه أنّه كان يتوقّع أن يساعد المنتدى على الوصول للهدف المنشود بزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 30 مليار دولار في غضون عامين.

والشركات التركية التي لم تتجهّز بالفعل للذهاب إلى طهران في وقت مبكر بعد رفع العقوبات عن إيران ليست واثقة من إمكانية إدارة مشاريعها في إيران. لم ينسحب أيٌّ منها، لكنّها تأخذ وقتها قبل المشاركة، نتيجة القلق من أنّ العمل في إيران لن يكون سهلًا كما كان من قبل. وعلى سبيل المثال، فقد قامت هيئة الطيران المدني بتأخير تصريحات الرحلات من إيران إلى تركيا، وكان ذلك قبل نشوء هذا التوتّر، لكنّه يساهم في عدم الاستقرار الاقتصادي وتسبّب في العديد من الإحباطات في قطاع السياحة التركي الذي يستقبل سنويًا بين 1.5 و2 مليون إيراني.

وقد شعر المنظّمون أنّ منتدى الأعمال بين تركيا وإيران قد يقطع شوطًا كبيرًا في تسهيل التجارة.

خلفيات التوتر

ومن المهم فهم خلفية التوتّرات بين أنقرة وطهران. وبلا شك، تحاول تركيا إيجاد شخصٌ ما تلقي عليه باللوم عن الكارثة التي حلّت في سوريا وفقدان أنقرة لتأثيرها في العراق. ويحاول المسؤولون الأتراك تفسير موقفهم بقول أنّهم كان ليكون النجاح حليفهم لولا التدخّل الإيراني. لكن هناك 3 عوامل أخرى مهمّة.

الأول هو أنّ تركيا في حاجة ماسّة للأموال الساخنة من الخليج لتخفيف نقص السيولة المالية في السوق. وتأمل أنقرة بتبنّيها موقفًا معاديًا لإيران أنها ستحسن بذلك علاقاتها مع السعودية والدول الخليجية الأخرى لتصبح مربحة أكثر.

والثاني، في حين تبحث عن أسواق لصناعة الدفاع الهامة لديها، لاحظت تركيا أنّ الدول الخليجية تنفق بسخاء على التسلّح. وتحاول العقول السياسية في أنقرة تأجيج الشعور المبالغ فيه حول «تهديد إيران» لتشجيع دول الخليج على شراء الأسلحة التركية.

وقد ظهرت عناوين صحفية في الجريدة اليومية الموالية للإسلاميين، والمعادية بشكلٍ كبير لإيران، يني شفق مثل «قبل أن تضرب الصواريخ مكّة» و «قبل أن تبدأ حرب مكّة»، «قبل أن تحيط الدبّابات الكعبة» وهو ما يعكس دوافع الحكومة التركية.

وكتب «إبراهيم كاراغول»، رئيس تحرير الصحيفة، يوم 16 فبراير/شباط: «على الرغم من أنّ الولايات المتّحدة وأوروبا تزوّدان المنطقة بشكلٍ كبير باحتياجاتها الدفاعية، وأنّ صفقات بمليارات الدولارات تتم مع هذه البلاد»، ستشهد صناعة الدفاع التركية فرصًا جديدة، في جزءٍ منها بسبب تصاعد التهديدات الأمنية.

وأضاف: «لم يعد الأمر تخمينًا بأنّ الأموال الخليجية التي كانت موجّهة ناحية قطاعات مختلفة حتّى الآن تسير إلى خلق موجة جديدة في علاقات تركيا مع المنطقة». واتّفاقيات الدفاع المشترك أيضًا تولّد علاقة، على الرغم من أنّ «الوضع يتعدّى الاقتصاد بالنّسبة للسعودية ودول خليجية مثل قطر والبحرين، فهذه البلاد تتعرّض لتهديدٍ خطير».

وأضاف: «يوجد تخوّف حول توسّعٍ إيراني قد يستهدف العالم العربي بأكمله، الأمر الذي لا يحتاج لأن نخفيه، مع خطط بالاستيلاء على مكّة. وقد كشفت الصواريخ التي أطلقت من اليمن نحو جدّة والرياض عن نوايا طهران».

والعامل الثالث هو الرغبة في تحقيق اقتناص الشراكة مع الإدارة الأمريكية الجديدة. والدول الخليجية مسرورة بأنّ الرئيس «دونالد ترامب» قد جعل إيران هدفًا مرّة أخرى. وهذا هو المفهوم الذي يضع «أردوغان» عينه عليه.

  كلمات مفتاحية

تركيا إيران ترامب سوريا العلاقات التركية الإيرانية

تركيا وإيران .. توتر «مكتوم» يطفو على السطح في الوقت «غير المناسب»

«جورج فريدمان»: المشكلات الكامنة في تحالف كل من تركيا وإيران مع روسيا