استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الأردن والعراق.. نحو تسويات تاريخية

الثلاثاء 28 فبراير 2017 12:02 م

ينظر صانع القرار الأردني إلى العلاقة مع العراق، اليوم، بوصفها أفقاً استراتيجياً، يمكن أن تمثّل نافذة حقيقية كبيرة للمساهمة في حلّ مشكلات الأردن الاقتصادية. وهناك توجّه جدي أردني لتحسين هذه العلاقات وتطويرها، لكن هناك أيضا عوائق جديّة في سبيل تحقيق ذلك.

التركيز الإعلامي والرسمي يذهب نحو العوائق الفنية؛ مثل تأمين طريق عمّان-بغداد، لتنشيط قطاع النقل وتدشين مشروع أنبوب النفط. وهو عائق حقيقي، بخاصة بعد الهجوم الأخير لتنظيم "داعش" بالقرب من معبر طريبيل الحدودي، قبل أيام، ليذكّرنا بأنّ التنظيم حتى وإن كان يخسر عسكرياً، فإنّه ما يزال يمتلك نفوذاً وحضوراً وخلايا.

بالرغم من ذلك، فإنّ العوائق الأكثر أهمية تتمثل بالجانب السياسي، على أكثر من صعيد؛ الوضع السياسي العراقي نفسه المتوتر والمشحون بالمسألة الطائفية، وبسؤال النفوذ الإيراني، والأزمة السنية، أولاً. كما "الصورة النمطية" السلبية المتبادلة بين الأردن والعراق، منذ الاحتلال الأميركي في العام 2003، ثانياً.

حتى الفترة الراهنة، نأى الأردن بنفسه عن الأزمة العراقية الداخلية بصورة مباشرة، بالرغم من علاقاته الجيدة بالسُنّة العراقيين، وبالرغم كذلك من إشارات من قبل الحكومة العراقية وقوى سياسية شيعية للانفتاح على الأردن في مواجهة قوى أخرى، مثل تيار رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي اتخذ مواقف عدائية واضحة، برزت في التصريحات الأخيرة لأعضاء في التيار ضد الاتفاقات الاقتصادية الموقعة بين الأردن والعراق.

في ضوء هذا الواقع السياسي العراقي الداخلي أولاً، وتلك التشويشات الجوهرية على العلاقات الأردنية-العراقية ثانياً، والقناعة الجديدة لدى "مطبخي القرار" في عمان وبغداد ثالثاً، ما المطلوب أردنياً في التعامل مع الملف العراقي؟

مثل هذه الرؤية لن تبدأ من الصفر؛ فهناك اليوم مشروع مهم يجري العمل في العراق على إنضاجه، يمكن أن يساهم الأردن فيه، ويهدف إلى تحقيق "تسوية تاريخية" في العراق، برعاية الأمم المتحدة، وبمبادرة من شخصيات سنّية عراقية فاعلة؛ من خلال إعادة تشخيص الصراع الحالي بوصفه صراعاً سياسياً طائفياً بين السنة والشيعة، ذي أبعاد سياسية واقتصادية وثقافية.

قدّمت مبادرة التحالف الوطني الشيعي ورقتها إلى بعثة الأمم المتحدة، وهناك مسودة ستجري مناقشتها خلال الأيام القليلة المقبلة في عمّان من قبل القوى السنية المشاركة في العملية السياسية، وبعد الاتفاق عليها، سيتم تقديمها للبعثة الدولية التي ستعرضها على القوى السنية غير المشاركة في العملية السياسية (هيئة علماء المسلمين، حزب البعث، قوى المقاومة، مثقفين). ثم بعد الانتهاء من الورقة الأخيرة، ستكون هناك ورقتان؛ سنية وشيعية، وسيتم تشكيل لجنة مشتركة لبحث مواقف الطرفين، والتفاوض على نقاط الاختلاف.

الخلافات في الورقتين كبيرة، والواقع معقد، والطريق ليست سهلة. لكن البديل حرب أهلية طائفية ممتدة، بينما السير نحو التسوية التاريخية العراقية ومحاولة الوصول إلى تفاهمات سياسية بضمانات دولية وإقليمية، من قبل الأمم المتحدة ودول الجوار، هو الخيار الوحيد نحو المستقبل.

أهمية البدء بعملية التسوية التاريخية كبيرة جداً؛ ليس على صعيد وقف المأساة العراقية فقط، بل على صعيد المنطقة بأسرها. فالعراق كان بمثابة "صندوق باندورا" الذي أطلق الشرور الطائفية على المنطقة، وامتدت إلى سورية والخليج واليمن، وإن نجح بناء تفاهمات وإعادة هيكلة النظام السياسي فسيكون نموذجاً معاكساً، ومقدمة ليس فقط لتسوية تاريخية على مستوى العراق، بل على مستوى المنطقة بأسرها في التعامل مع آفة الصدام الطائفي.

في ضوء هذه المعادلة، مرّة أخرى، ما هو الدور الأردني المطلوب؟

 

إذابــة الجـليـد

يمتلك الأردن القناعة بأهمية تحسين العلاقات مع العراق، لكن ليست لديه الرؤية العملية لكيفية تحقيق ذلك، وليست لديه خريطة طريق ناضجة للمرحلة المقبلة.

ساعد الأردن الأشقاء العراقيين السُنّة، سابقاً، في إقامة مؤتمر لهم في عمان (قبل قرابة 3 أعوام)، على أمل أن يتوحّدوا في مواقف سياسية ناضجة، ليجلسوا على الطاولة كطرف متماسك قوي. لكنّ تلك المحاولة بقيت يتيمة، ولم تكن مكتملة، لأنّ الدور الأردني اقتصر فقط على ترتيبات إدارية لعقد المؤتمر، من دون العمل على تطوير الرؤية السُنية المطلوبة، رغم مما تمتلكه مؤسسات الدولة (هنا) من علاقات وثيقة بقيادات سنية عراقية وبشيوخ عشائر وبرجال أعمال عراقيين لهم نفوذ مقيمين في عمان.

الآن، من الواضح أنّ هناك نوايا جدّية لدى الأردن للقيام بدور حيوي في محاولة المساعدة في حل الأزمة العراقية، بخاصة خلال العام الذي سنترأس فيه القمّة العربية. ويمكن استثمار هذه البوابة –أي رئاسة الجامعة العربية- لتشكيل "فريق سياسي أردني" من مؤسسات مختلفة من الدولة يتولى إدارة ملف العلاقة مع العراق، وترسيم الدور الأردني المتوقع في التسوية العراقية التاريخية من جهة، وفي بناء تصوّر ناضج عميق لكيفية تطوير العلاقات الأردنية-العراقية في المستقبل، واستعادة الفترة الذهبية في التعاون الاقتصادي بين البلدين وإعادة المياه الدافئة إلى القنوات.

بالإضافة إلى العلاقات الجيّدة مع الأطراف السُنية عموماً، تحسّنت خلال الفترة الماضية كثيراً علاقة الأردن بقوى سياسية شيعية عراقية. وقام عمّار الحكيم مؤخراً بزيارة إلى الأردن، لقيت استحساناً من المسؤولين الأردنيين، فيما أبدت الحكومة العراقية موافقتها (عبر القنوات الخاصة) على قيام الأردن بدور رئيس مع السُنة العراقيين لدعم التسوية السياسية الداخلية.

ليس المطلوب أن يقنع الأردن السنة العراقيين بالدخول في العملية السياسية بأيّ ثمن، بل أن يمارس عبر "القوة الناعمة"، وما يمتلكه من علاقات مع القوى العراقية، دوراً إيجابياً في التسوية الداخلية، وأن يعمل على "إذابة طبقة الجليد" عن العلاقات الأردنية-العراقية، وكسر الصورة النمطية التي ترسخت لدى قوى سياسية شيعية عن المواقف الأردنية وتوجهاتنا نحو العراق.

المشكلة الحقيقية إلى الآن تتمثّل في غياب الأردن عن القراءة القريبة للمشهد العراقي الداخلي بتفاصيله الدقيقة، ولا أقول من الزاوية الأمنية فقط، والتي قد تكون متوافرة، بل من الزوايا الأخرى، بما يعطينا القدرة على الدخول الصحيح والتعامل الذكي مع موازين القوة والأبواب الممكنة لتحسين العلاقات الأردنية-العراقية، وتكسير الصورة النمطية السلبية عن الأردن. فدعم الأردن للسُنّة العراقيين وعلاقاته بهم وبالعشائر العراقية والسورية في الجوار لا يأتي لاعتبارات طائفية، بل استراتيجية وسياسية؛ فهو ليس موجّهاً ضد الشيعة، بل لإيجاد التوازنات المطلوبة من أجل التسويات الوطنية والتاريخية في هاتين الدولتين؛ العراق وسورية، وفي مواجهة الشروط التي يتغذّى عليها تنظيم "داعش" والمتطرفون على الجهتين على حد سواء!

هل بإمكان الأردن التحرّك، والقيام بمثل هذه الأدوار؟ أزعم أنّ الجواب ليس فقط نعم، بل من الضروري أن نفكّر بهذه الطريقة؛ إذ لا يمكن في نهاية اليوم أن ننأى بأنفسنا تماماً عن الحرائق المحيطة بنا، بل لا بد أن نمتلك تصوراً استراتيجياً لدور مبادر وإيجابي، بما نملك من إمكانات سياسية لا يجوز التقليل من شأنها!

* د. محمد سليمان ابورمان باحث بـ"مركز الدراسات الاستراتيجية" بالجامعة الأردنية. 

المصدر | الغد الأردنية

  كلمات مفتاحية

العراق الأردن مطبخ القرار الأردني العلاقات الأردنية العراقية الصورة النمطية هيكلة النظام العراقي تسويات تاريخية