«ميدل إيست آي»: لماذا يعد استفتاء الدستور مهما لـ«أردوغان»؟

الاثنين 20 مارس 2017 09:03 ص

نشرت صحيفة حرييت التركية في يوم 25 فبراير/شباط مقالا مثيرا للجدل تحت عنوان «عدم ارتياح في المقرات العسكرية»، مما يعني وجود حالة من عدم الرضا بين القوات المسلحة للبلاد. وقد لمحت هذه المادة، أن الجيش يشعر بالانزعاج بسبب سياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ محاولة انقلاب يوليو/تموز الماضي، وهم أيضا غير راضين عن قرار اتخذ مؤخرا يسمح للموظفات بارتداء الحجاب.

وقد أغضب المقال الحكومة والرئيس «أردوغان» الذي انتقد المقال واصفه إياه بأنه «وقح». وقال: «أعلم أن هذا من العادات القديمة لكم لكن عليكم أن تعلموا أن هذا قد أصبح جزءا من الماضي».

قام «أردوغان» خلال الفترة الماضية بمواجهة تلك النخبة العلمانية في الجيش، الذين يرون أن دورهم هو خدمة هوية تركيا العلمانية وتحجيم الرئيس الذي يعتبرونه يريد إنشاء إمبراطورية عثمانية جديدة. و من الواضح أن «أردوغان» باصطحاب رئيس الأركان في جولاته الأخيرة يريد أن يجعل من الطبيعي تماما بالنسبة لرئيس الجيش مرافقة الرئيس في الخارج.

وبعد وعد «أردوغان» بمقاضاة الصحيفة مباشرة لنشر المقال، تم إقالة «سدات أرجين»، المحرر العام لصحيفة حرييت، المملوكة لقطب الإعلام «أيدين دوغان» واستبداله برئيس التحرير السابق لصحيفة ميليت التركية اليومية، «فكرت بيلا».

العادات القديمة

سواء كان المقال وقحا أم لا، هناك اعتقاد سائد أن الصحيفة تتحدث عن تدخل وشيك للجيش في الحياة السياسية التركية. إن صحيفة «حرييت»، المملوكة من قبل «مجموعة دوغان»، تتبنى موقف العلمانيين والليبراليين حول معظم القضايا السياسية في تركيا، وكانت سياستها حرجة للغاية بالنسبة إلى «أردوغان».

بالطبع، إنها ليست المرة الأولى التي تنشر فيها مقالا أو عنوانا مثيرا للجدل: في عام 2015، كان مانشيت الصحيفة عن حكم عقوبة إعدام الرئيس المصري المخلوع «محمد مرسي» مع صورة لـ«أردوغان» تحت العنوان: «لقد فاز في الانتخابات بنسبة 52 % والتي حكمت عليه بالإعدام»، في إشارة إلى انتخاب «أردوغان» رئيسا للبلاد في عام 2014 بنسبة 52% من الأصوات.

توجد قناعة راسخة بأن القوات المسلحة التركية تقدم نفسها على أنها راعية للفكر الكمالي للدولة. ومع ذلك، قد تضاءل تأثيرها على الوسط السياسي التركي بسبب فشلها في إدارة البلاد بعد الانقلابات المتكررة. فمنذ عام 1960، قام الجيش بأربعة انقلابات (1960، 1971، 1980 و 1997) من أجل إزالة الحكومات المنتخبة.

وتشهد بنية الجيش التركي عملية إعادة هيكلة واسعة النطاق. وكان التغيير الأبرز في زيادة سيطرة الحكومة على القوات المسلحة. فعلى سبيل المثال، انتهت سلطة هيئة الأركان العامة على المدارس العسكرية، ونقلها إلى مسؤولية وزارة التربية والتعليم. وقد منحت السيطرة الكاملة على الدرك إلى وزارة الداخلية ونقلت السلطة على الجيش بأكمله لتصبح تحت سيطرة وزارة الدفاع.

إعادة عقارب الساعة

سيتم تعزيز جميع هذه التغييرات بالمزيد إذا أقر الاستفتاء على الدستور بنسبة تزيد على 50% من الناخبين الأتراك في 16 ابريل/ نيسان. إن الإصلاحات المقترحة ستعمل على إعادة ضبط ساعة النظام السياسي التركي بأكمله.

إن الرئاسة بشكل قانوني ستتحول تماما من مجرد وظيفة شكلية إلى منصب تنفيذي أكثر قوة حيث يصبح الرئيس هو رئيس الدولة والحكومة والحزب الحاكم. ويأتي هذا الاقتراح في أعقاب محاولة الانقلاب العنيفة التي كانت على وشك الإطاحة بـ«أردوغان»، وأيضا في وقت تشن تركيا حربا على ثلاثة جبهات ضد جماعة غولن وضد حزب العمال الكردستاني والدولة الإسلامية.

ويرى مؤيدو الاستفتاء، أن «أردوغان» كرئيس قوي مع سلطة كاملة، سيكون قادرا على التصدي بفاعلية لهذه المجموعة الواسعة من التهديدات الأمنية الداخلية والخارجية. ومع ذلك، يرى المعارضون أن الإصلاحات المقترحة ستضع كثيرا من السلطة في يد الرجل الذي أثبت تدريجيا نزعاته الاستبدادية. ويقول النقاد أيضا أن إجراء الاستفتاء خلال حالة الطوارئ تمنع أحزاب المعارضة من تنفيذ الحملة بحرية ضد التغييرات.

 ومن المفارقات،أنه يجري بالفعل انتقاد «أردوغان» لأسلوبه في استخدام السلطة في حملات مكافحة الإرهاب ضد حزب العمال الكردستاني وفروعه في سورية وهو حزب إرهابي، ولكن هذه هي أفعال من رئيس منتخب ديمقراطيا لحماية الأمن القومي لبلاده، واتخاذ التدابير التي لن يتردد أي رئيس آخر في اتخاذها في ظل الظروف نفسها.

عزل الانقلاب

أنا لست من مؤيدي نظرية المؤامرة، ولكن أنا حقا أجد صعوبة في فهم كيف أن الروس والأميركيين، والنظام السوري والميليشيات الكردية يمكنهم التوحد ضد تركيا في منبج. والمثير للصدمة، أن رئيس الوزراء التركي ب«ينالي يلديريم» قال مؤخرا أنه «ليس هناك من معنى للشروع في هجوم في منبج دون التعاون مع روسيا والولايات المتحدة».

وعلى النقيض جاءت تصريحات وزير الخارجية التركي، «مولود تشاويش أوغلو» الذي قال إن الجيش التركي لن يتردد في قصف قوات سورية الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة في منبج إذا لم تنسحب إلى الشرق.

الأسبوع الماضي، وفي أعقاب تصريحات تشاوش أوغلو، اجتمع كبار الجنرالات في الجيوش التركية والروسية والأمريكية في مدينة أنطاليا التركية لبحث الخطوات المقبلة في مكافحة تنظيم الدولة في سوريا.

إن مجرد التفكير للحظة واحدة في حال أصرت تركيا أن يذهب كل في طريقه في منبج هي مشكلة كبيرة. حيث ستجد نفسها تحارب الميليشيات الكردية وقوات الأسد الذي تمكن مؤخرا من الحصول على بصمة قوية في المدينة بعد أن سلمته قوات سورية الديمقراطية أجزاء من المدينة. وكان تسليم هذه القوات أراض للحكومة السورية مؤامرة خبيثة دون شك لتوريط تركيا في مستنقع قذر قبل الاستفتاء المصيري.

كما تزايدت التوترات الدبلوماسية أيضا بين تركيا وإيران بعد تبادل الدولتين انتقادات لاذعة على دورهم في الحرب السورية والشرق الأوسط. وعلى جبهة ثالثة، بدأت الحرب الكلامية بين الدبلوماسيين الأتراك وأوروبا (ألمانيا وهولندا) على مدار الأسابيع الماضية.

إن وضع كل من هذه القطع معا تخدم هدفا واحدا: إن تخسر تركيا في أوروبا وفي المنطقة في محاولة لتمهيد الطريق ليس بالضرورة لانقلاب عسكري، وإنما لانقلاب ناعم إذا جاء تصويت الأتراك ضد مشروع الرئاسة القوية في أبريل/نيسان.

يجد «أردوغان» نفسه أمام معضلة. فإما أن يظهر التسامح والتساهل مع الإرهابيين والمتآمرين ضد بلاده من أجل استرضاء أعدائه والحد من الأعمال العدائية، أو يقوم قانونيا وشرعيا بقبضة من حديد بتحصين النظام الرئاسي بالاستفتاء، وإقليميا، بالمشاركة الفاعلة في الحلول السياسية للاضطرابات في البلدان المجاورة. عن طريق القيام بالخيار الأخير، فإن «أردوغان» يتأكد إن فرص الانقلابات لن كون معلقة أو أن توابع الانقلابات ستكون محدودة.

في الوقت الحالي، وطالما لا يزال «أردوغان» يمارس سياسة إقليمية نشطة في سوريا، مع بحثه عن بدائل اقتصادية عن الاتحاد الأوروبي في آسيا وأفريقيا ومع مشاركته في التحالفات الإقليمية والدولية البديلة، فإنه سوف يستمر في المشي في حقل ألغام.

المصدر | ميدل إيست آي

  كلمات مفتاحية

تركيا أردوغان انقلاب تركيا الدستور التركي