الحراك الانفصالي الجنوبي: النار الكامنة تحت رماد الصراع في اليمن

الاثنين 20 مارس 2017 11:03 ص

جددت غارة للعمليات الخاصة في 29 يناير/كانون الثاني في مدينة البيضاء في اليمن أدت إلى وفاة أجنبي وعدد من المدنيين اليمنيين، الانتباه إلى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية والحرب مع الحوثيين في اليمن. ومع ذلك، فإن جميع وسائل الإعلام قد نسيت الانفصاليين الجنوبيين، من يسمون بـ«الحراك الجنوبي»، وهي الحركة التي ستكون محورية لتحقيق سلام دائم في اليمن عندما تنتهي الأعمال العدائية في نهاية المطاف.

ويشار إلى أن المقاومة في الجنوب تتألف من عدة فصائل مجزأة عقائديا وسياسيا ولكن لديها رغبة مشتركة لاستقلال الجنوب، إما عن طريق إنشاء المنطقة الفيدرالية الجنوبية أو الانفصال التام. وتشترك في بعض نفس المظالم التي قادت الحوثيين للاستيلاء على صنعاء في عام 2014، ولكن الحرب الأهلية التي عصفت منذ ذلك الحين أججت رغبتهم في الاستقلال عن الشمال.

خلقت الحروب الأهلية تحالفات غير عادية. وقد كان الحراك قوة هادئة تقف وراء الحكومة اليمنية وقوات التحالف السعودي دون قيد أو شرط في الجنوب، ولكن نفي التحالف العسكري معهم من الرئيس «عبد ربه منصور هادي» والسعودية لا ينذر بالانتقال السلس عندما تنتهي الحرب.

تظهر السعودية، التي شجعتها مؤشرات دعم من إدارة «ترامب»، حرصا على تأمين نصر عسكري بدلا من السعي إلى حل سياسي مع الحوثيين. ومع ذلك، ففي نهاية المطاف سيجلس الحوثيون و السعودية على طاولة المفاوضات لإنهاء القتال ووضع شروط الحكومة الانتقالية اليمنية. وحتى يأتي ذلك الوقت، فإن الضغوط التي فرضت على الحراك عقد تحالف مع «هادي» تتبدد شيئا فشيئا. يجب على الولايات المتحدة و السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي تجنب تكرار نفس الأخطاء التي ارتكبت في اتفاق مؤتمر الحوار الوطني الذي جاء بعد انتفاضة الربيع العربي في اليمن في عام 2011.

مظالم مشتركة و مقاربات مختلفة

شكل القادة العسكريون والسياسيون الجنوبيون الحراك في عدن في عام 2007. وكانت حركة الاحتجاج السلمية تهدف إلى لفت الانتباه إلى السياسات الإقصائية من النخب الشمالية التي استولت على العديد من المراكز الحكومية الرئيسية والمراكز العسكرية بعد توحيد اليمن في عام 1990 وبعد الحرب الأهلية في عام 1994.

وتنتشر الحركة من شرق عدن إلى المهرة وتعمل على معالجة المظالم الجنوبية الكبيرة مثل الاستيلاء على الأراضي والموارد. وقد ساعدت هذه المظالم على بناء المشاعر الانفصالية في الجنوب. ومع ذلك، فإن المشاعر الانفصالية لا تزال أكثر شعبية في عدن والمدن الجنوبية الغربية، حيث يحتفظ السكان بذكريات من الجمهورية الديمقراطية الشعبية الاشتراكية في اليمن. وتشكك محافظة حضرموت القبلية بالميول الاشتراكية وبفكرة الانفصال، لكن لديها رغبة مشتركة لمزيد من الاستقلال عن الشمال.

وكان الحوثيون والجنوبيون على حد سواء يشعرون بالتهميش سياسيا واقتصاديا في نفوسهم من قبل الرئيس السابق «علي عبد الله صالح»، الذي سعى للحد من قوة أولئك الذين قد يشكلون خطرا على المؤتمر الشعبي العام الحاكم. وقد شدد «صالح» الخناق على الحوثيين بسبب الدعوة من أجل التقاليد الدينية والنقد الصريح للعلاقة بين اليمن والولايات المتحدة. وتم تهميش الحراك بسبب انعدام ثقة «صالح» بالمسؤولين العسكريين الجنوبيين وبسبب الموارد الوفيرة في المنطقة، والتي تم استغلالها لصالح خزائن النظام. وكلاهما واجه الحملات العسكرية العنيفة، ولكن مواجهات الحراك  تعد بسيطة بالمقارنة مع حروب ست في صعدة بين الحوثيين والجيش اليمني بين عامي 2004 و 2009.

وقد أدت الحقائق السياسية المحلية، ومظالم الحراك وازدراءهم للنخبة الحاكمة إلى إيجاد قضية مشتركة مع الحوثيين خلال الربيع العربي، وفي المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني. وكان من بين أكبر أهداف المؤتمر مراوغة هو إنشاء هيكل دولة جديد من شأنه التوفيق بين حل التوتر مع الحوثيين في صعدة وإشباع رغبة الحراك لاستقلال الجنوب. ووافقت اللجنة التي تضم ثمانية ممثلين عن الشمال وثمانية من الجنوب على تحويل اليمن إلى كيان اتحادي في ديسمبر/كانون الأول 2013 لكنها لم تتفق على حدود وعدد المناطق الفيدرالية.

ودون استشارة لجنة 8 + 8، قسمت لجنة مختلفة معينة من قبل «هادي» ستة أقاليم فدرالية جديدة هي: سبأ، آزال، الجند، تهامة وعدن وحضرموت، وقد أرسلت اللجنة المقترح إلى لجنة صياغة الدستور لقبوله في المؤتمر.

وهكذا، على الرغم من أن مؤتمر الحوار الوطني قدم تمثيلا أكبر للشباب والنساء في اليمن، فإنه لا يزال متهما بأنه يفضل مصالح الولايات المتحدة ودول الخليج. ونتيجة لذلك، كان ينظر إليه من قبل العديد من اليمنيين، وليس أقلهم الحوثيين والحراك بأنه يسعى إلى تسريح المجموعات التي شاركت في انتفاضات الربيع العربي. وقد تركت الهياكل السياسية والبيروقراطية الراسخة التي حارب اليمنيون بجد لتفكيكها عمدا سليمة بموجب اتفاق برعاية سعودية، التي فضلت الإبقاء على الوضع الراهن على العدالة الاجتماعية، وخلق ديمقراطية تقدمية.

رفض الحراك والحوثيون النتائج على الفور. في حين نظم مظاهرات عبر جنوب اليمن، وسار الحوثيون نحو صنعاء، حيث سيطروا عليها.

ومع ذلك، توترت علاقة الحوثيين مع الحراك بسبب فرض حصار على المدن الجنوبية في أثناء السعي للإطاحة بـ«هادي»، الذي استقال من منصبه في 22 يناير/كانون الثاني عام 2015، قبل أن يلوذ بالفرار إلى عدن في فبراير/ شباط. وقد نهب الحوثيون أراض من الجنوب بشكل يشبه جدا الأعمال العدائية السابقة للشمال، وقد دفعتهم هذه الأعمال إلى علاقة غير سهلة مع «هادي» والسعودية وقوات التحالف.

حلفاء عسكريون وخصوم سياسيون

تصور وسائل الإعلام القوات التي تقاتل لطرد الحوثيين والقوات المتحالفة معها من الجنوب بأنهم موالون لـ«هادي» في اليمن، لكن الوضع على الأرض مختلف حيث هناك نسبة كبيرة من قوات الحراك و الناشطين الذين يحملون المسؤولة لـ«هادي» جزئيا عن تهميش الجنوب في عهد «صالح». ومع تلقي الحراك الدعم المادي والتدريب من حكومة «هادي» في المنفى ومن السعودية فإن دوافع   الحراك لمحاربة الحوثيين متجذرة في الرغبة في الدفاع عن الجنوب ضد نوع آخر من العدوان، وليس رغبة في العودة إلى سلطة «هادي». وهم يستخدمون التحالف مع السعودية لوضع أنفسهم في موضع أفضل سياسيا يحول دون تقديم تنازلات في مرحلة ما بعد الصراع مع كسب الموارد الحيوية والتدريب في هذه العملية.

إن «هادي» غير مدرك لمخاطر تعزيز شعور الحراك بتهميش دورهم في إعادة تأسيس النظام السياسي وهو يقوم بمحاولة لتحقيق التوازن من خلال تعيين الشخصيات الجنوبية البارزة في مناصب السلطة، مثل محافظ عدن، في حين يتم إعطاء وعود غامضة حول التنازلات المستقبلية. وقد ساعدت هذه التعيينات في الحفاظ على هذه العلاقة الواهية، ولكن أعلام الجمهورية الديمقراطية الشعبية السابقة في اليمن يرون أن التطلعات من أجل تقرير مصير الجنوب لا تزال بعيدة عن إخمادها.

وقد لا يكون الحراك أبدا حركة متماسكة مثل الحوثيين. فالحراك يتألف من فصائل مجزأة فكريا وسياسيا تتنازع في كثير من الأحيان على الخيار الأفضل بين الانفصال التام أو منطقة فيدرالية مستقلة في الجنوب. ومع ذلك، فإن المظاهرات العديدة التي حدثت منذ عام 2014، بما في ذلك الحشد الضخم في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2016 لإحياء ذكرى استقلال جنوب اليمن عن الحكم البريطاني، كانت بمثابة دليل على أن اليمنيين الجنوبيين، رغم الشقاقات الداخلية في الحراك متحدون عبر ماض مشترك وعبر رؤية للمستقبل. وهناك أيضا إجماع بين الجماعات المتباينة أن مؤتمر الحوار الوطني لم يعد قابلا للتطبيق، وكذلك رؤية «هادي» والسعودية.

كلما احتدمت الحرب، فإن التحالف بين هادي والحراك يصبح أكثر هشاشة. وسيحاول «هادي» دعم التحالف عن طريق استرضاء الشخصيات الجنوبية البارزة. وحتى لو فشل الحراك في توحيد الفصائل المختلفة على طريقة حكم المنطقة التي مزقتها الحرب، فإن الرغبة الجماعية من أجل تقرير المصير لا تزال موجودة، وسوف تثبت أنها حجر عثرة إذا لم تعالج مفاوضات السلام المستقبلية المظالم الجنوبية تماما.

الدروس وانعكاساتها المستقبلية

قد لا يخرج الحراك من الصراع كوحدة سياسية موحدة، إلا أن الآثار المدمرة للحرب تذكي فقط رغبة الجنوبيين من أجل الاستقلال. وإذا كان هادي والتحالف السعودي قادرين على منع الانفصال، فإن الجنوبيين لن يتخلو عن رؤية استقلال الجنوب في اتفاق يجعل الهياكل السياسية الشمالية سليمة ويمنح الجنوبيين تنازلات ضئيلة.

في جميع محادثات السلام التي جرت في الكويت في عام 2016، أكد «هادي» والسعودية أنهم عازمون على التمسك بمبادرة مجلس التعاون الخليجي عام 2011، ونتائج مؤتمر الحوار الوطني، والقرارات التابعة للأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الذي يدعو الحوثيين لنزع السلاح.

ومن خلال ترك الحراك خارج المحادثات في الكويت أرسل «هادي» والتحالف رسالة مفادها أن تسوية الأمور مع الحوثيين سوف تلقي بظلالها على المظالم الجنوبية المستمرة منذ فترة طويلة. وكلما استمر الصراع، فإن تركيز «هادي» والتحالف السعودي سيصبح أكثر على المصالحة مع الحوثيين وأقل اهتماما بمعالجة مظالم حلفائهم. ومن الفشل إغفال المفاوضات للمخاطر المستقبلية للاضطرابات في المستقبل بسبب هذا، وتحديدا مع وجود مقاومة قتالية عالية في الجنوب.

قد يعالج التوصل الى اتفاق مع الحوثيين بعض مظالم الحراك بشأن فعالية مؤتمر الحوار الوطني، وأن أية تسوية سياسية مستقبلية في حاجة للذهاب إلى أبعد من اتفاق سريع لإنهاء الحرب. ومن الضروري أن تتناول تسوية ما بعد الصراع مظالم جنوب اليمن ولابد أن يقودها شخص على استعداد لتلبية احتياجات كل اليمنيين وإلا سينجر البلد على الأرجح إلى صراع إقليمي آخر.

المصدر | وور أون ذا روكس

  كلمات مفتاحية

اليمن السعودية هادي الحوثيين الحراك الجنوبي