«حفتر» ينبش القبور.. قواته تبرر والأمم المتحدة تدعو للتحقيق ومصر تطالبه بالاعتذار

الأربعاء 22 مارس 2017 04:03 ص

دعت الأمم المتحدة، إلى تحقيق عاجل، في قيام مقاتلي اللواء المتقاعد «خليفة حفتر» بنبش القبور في بنغازي، في وقت تتدفق فيه صور ومقاطع تظهر الممارسات البشعة لما يقع في منطقة قنفودة ببنغازي شرق ليبيا، وسط إدانة دولية واسعة.

ونقل الصور والمشاهد الصادمة التي توثق ما حدث في مدينة بنغازي الليبية، جزءا من المشهد القاتم والدامي الذي عاشته منطقة قنفودة السبت، عقب سيطرة مقاتلي اللواء المتقاعد «خليفة حفتر» عليها.

وقد قام المقاتلون التابعون لـ«حفتر»، بدخول منطقة قنفودة غرب بنغازي، حيث كان يتحصن مقاتلو مجلس شورى ثوار بنغازي في آخر مواقعهم مع مدنيين عالقين، ونبشوا القبور ومثلوا بالجثث.

ولعل أبرز حادثة شهدتها بنغازي، هي نبش قبر جثة القائد العسكري البارز بمجلس الثوار «جلال المخزوم» الذي دفن منذ نحو 6 أيام بعد وفاته متأثرا بجراحه.

ووضعت جثة «المخزوم» على سيارة وتجول بها مسلحو قوات «حفتر» في بنغازي، وسط حالة من هستيريا الفرح، وإطلاق الرصاص والصراخ والسب والشتم والبصاق عليها.

كما قام مقاتلو «حفتر»، عقب التجول بالجثة في أرجاء واسعة من بنغازي بشنقها أمام معسكر قوات الصاعقة تشفيا في صاحبها الذي قام منذ قرابة الثلاثة أعوام مع قادة عسكريين ومقاتلين في مجلس شورى ثوار بنغازي بإطلاق عملية عسكرية سميت وقتها «ادخلوا عليهم الباب»، تمكن فيها مقاتلو المجلس من اقتحام معسكرات لقوات «حفتر» وهدمها وقتل من واجهوهم في هذه المعسكرات بالسلاح.

وليست جثة «المخزوم» وحدها التي تعرضت للسحل والتمثيل بها وشنقها، بل هناك جثث أخرى أخرجت من قبورها ومثل بها، لكن الحادثة الأبرز والأهم هي التي تتعلق بـ«المخزوم» اعتبار مكانته العسكرية البارزة في مجلس شورى ثوار بنغازي.

دعوة أممية

وعلى إثر ذلك، دعا المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة «فرحان حق»، إلى إجراء تحقيق فيما شهدته المدينة الليبية.

وعبـّر «حق»، عن إدانة المنظمة لأعمال التشويه والتمثيل بجثث الموتى التي تم الإبلاغ عنها، بحسب «الجزيرة نت».

وقال إن «بعثة الأمم المتحدة في ليبيا على إطلاع بالتقارير المذكورة»، مضيفا: «من الواضح أننا ندين أي تشويه للجثث من النوع الذي تم الإبلاغ عنه، ونود أن يتم التحقيق في هذا الأمر».

من جهته، حذر رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا «مارتن كوبلر»، من «التصعيد الخطير» الناتج عن تدهور الأوضاع الأمنية في بنغازي ومصراتة والعاصمة طرابلس.

وقال «كوبلر» في بيان إن «العنف وخطاب الكراهية والتنكيل بالجثث في ليبيا، أمر غير مقبول على الإطلاق»، داعيا إلى استعادة الهدوء فورا، واحترام الهيئات المنتخبة، وحماية حرية التعبير، بحسب «وكالات».

وناشد المبعوث الأممي المؤسسات الليبية بدفع اتفاق الصخيرات السياسي إلى الأمام، والإسراع في تنفيذ الترتيبات الأمنية، التي تنص على انسحاب الجماعات المسلحة من العاصمة، ونشر قوات تابعة للجيش والشرطة.

من جانبه، أعلن المجلس الأعلى للدولة، ومقره العاصمة الليبية طرابلس، أنه بصدد مخاطبة محكمة الجنايات الدولية، ومجلس الأمن، وبعثة الأمم المتحدة، وكذلك اللجنة الرباعية المتمثلة في الجامعة العربية، والاتحادين الأوروبي والأفريقي، وبعثة الأمم المتحدة لدعم في ليبيا، لفتح تحقيق في الجرائم التي ارتكبت على يد قوات «حفتر».

كما أن «المهدي البرغثي» وزير الدفاع بحكومة الوفاق الوطني أعلن في كلمة متلفزة أن ما حدث من انتهاكات إنسانية في بنغازي هو شيء «يندى له جبين البشرية»، وما هو إلا «نتيجة للحكم العسكري البغيض».

وقال إن المؤسسة العسكرية لا يمكن اختزالها في شخص «المدعو خليفة حفتر» بحسب قوله، وإن «العودة لحكم العسكر سيكون أول نتاجها الوخيمة من ظلم وذل هو الضابط والجندي قبل المواطن».

وقد لقيت حادثة إخراج الجثث من القبور والتمثيل بها استهجانا كبيرا وواسعا على مستوى البلاد، حيث امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بتدوينات التنديد واستنكار ما حدث.

واعتبر عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي من الليبيين أن ما حدث همجية مخالفة للشريعة الإسلامية ولا تليق بالمسلمين وتضرب بعرض الحائط كل معايير حقوق الإنسان.

صور وفيديوهات

وخلال الأيام الماضية، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بكثرة صور ولقطات مصورة توثق جرائم حرب مروّعة ارتكبتها قوات اللواء «حفتر»، وتكشف مشاهد نبش القبور والتنكيل بجثث الموتى والاعتداء على الأسرى بالضرب والإهانة في بنغازي شمال شرقي ليبيا.

ونشر مسلحون تابعون لعملية «الكرامة» الموالية لـ«حفتر»، صور «سيلفي» لهم، وهم ينبشون قبورا لجثث مدنيين ونساء ومقاتلين من مجلس شورى ثوار بنغازي، في منطقة قنفودة شمال غرب بنغازي، ويمثلون بها.

كما أظهر مقطع مصور، قيام النقيب «محمود الورفلي» القائد العسكري البارز في القوات التابعة لـ«حفتر» بإعدام ثلاثة أشخاص مقيدي الأيدي في بنغازي.

وسمع في الفيديو صوت أحد الأشخاص وهو يوجه أمر تنفيذ الإعدام بالمعتقلين الثلاثة، وأطلق «الورفلي» بعد ذلك وابلا من الرصاص على رؤوس الضحايا.

وفي منطقة قنفودة غربي بنغازي، أظهر مقطع آخر إعدام مجموعة من مسلحي قوات «حفتر» مقاتلا من مجلس شورى ثوار بنغازي.

وأظهر الفيديو أيضا تعرض هذا الشخص لإطلاق رصاص جماعي من مسلحي قوات حفتر بعد جره وضربه ورميه وسط مكب للقمامة.

كما أن أحد مقاطع الفيديو التي صورها بشكل واضح مقاتلو «حفتر»، أظهرت جريمة حرق عدد من المدنيين، وعلى ما يبدو من مشاهد جثثهم المحروقة أنهم كانوا أحياء وقتها، يصاحب المشهد عبارات سباب وشتائم وتشفٍّ.

صور ولقطات أخرى أظهرت مدنيين آخرين تم قتلهم بواسطة الرصاص، ضمن جثث أخرى يبدو أنها استخرجت من قبورها، فضلا عن ظهور جثة امرأة من بين القتلى، بالإضافة لرجل لحيته بيضاء، مما يشير إلى تقدمه في السن.

مقطع آخر عرضته صفحات موالية لـ«حفتر»، أظهر فتاتين كان يحاورهما أحد جنود «حفتر»، والذي لم يستطع منع الفتاة من القول إنها كانت تُضرب وأمها من قبل زملائه، وربما أكثر من ذلك، ورغم شهرة التسجيل وما لقي من استهجان شديدين، إلا أن مصير الفتاتين لا يزال مجهولا حتى الآن.

ورغم إعلان قيادة قوات «حفتر» أنها تمكنت من إجلاء سبع أسر من العمارات، إلا أن موقع «المنارة للإعلام» الليبي، قال إن سبع أسر تمت تصفيتها، ويتبين أن من بين هذه الأسر 20 امرأة، وطفل عمره عام ونصف.

وأثبتت تسجيلات وصور أخرى، أن الحادث جزء من سلوك إجرامي، بات على ما يبدو نهجاً طبيعيا في أوساط مقاتلي قوات «حفتر».

وحصلت «العربي الجديد» على صورة لأحد مقاتلي «حفتر» يقف مزهوا على جثة شخص لا يرتدي ملابس عسكرية، تم دهسه بواسطة دبابة، وهي صورة يعتقد أنها كانت أثناء الاقتحام الأخير لمنطقة الهلال النفطي، من قبل قوات «حفتر» التي نفذت خلالها حملات اعتقال واسعة بحق أهالي المنطقة، المعارضين لحراك حفتر العسكري.

تبرير

من جانبها، بررت القوات الخاصة التابعة لعملية «الكرامة»، ما قاموا به بأن المقاتلين «خوارج».

وقال الناطق باسم القوات الخاصة «ميلود الزوي» في بيان له، إن «جنوده فعلوا ذلك كرد فعل على ما ارتكبه الخوارج من جرائم في حق الجيش الليبي من قتل وحرق للجثث، وقطع للروؤس، وكان أبرزها ما فعلوه بجثة آمر القوات الخاصة الأسبق عبد الفتاح يونس»، بحسب قوله.

واستنكر الناطق باسم القوات الخاصة، صمت وسائل الإعلام «على هذه الجرائم»، واصفا مقاتلي مجلس شورى ثوار بنغازي بـ«الخوارج والكفار، وأنهم هم من بدأ بالاعتداء، وينطبق بشأنهم قول الله تعالى (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)».

وذكر «الزوي» أن إعدام النقيب محمود الورفلي من القوات الخاصة، لثلاثة وصفهم بـ«الخوارج» مبرر، كونه قبض عليهم في الميدان، أثناء قتال وعمليات عسكرية.

وأوضح الناطق باسم الصاعقة الموالية لـ«حفتر»، أن نبش القبور كان بهدف البحث عن جثث لجنود وضباط القوات الخاصة، وأن منطقة الاشتباك في قنفودة شمال غرب بنغازي، ليست مقبرة لدفن الموتى، وعاجلا أو آجلا ستنبش المقبرة، حسب البيان.

من جانبه، أصدر «حفتر» أمرا، لقادة محاور القتال في بنغازي شرق ليبيا التابعين له، بإحالة كل من ظهر في التسجيلات المصورة يمثل بالجثث وينبش القبور، إلى جهاز الشرطة العسكرية للتحقيق أمام لجنة مشكله لهذا الغرض.

وأضاف «حفتر» في تعميم، أن من قام بهذه الأعمال، لا يمثل «القوات المسلحة العربية الليبية» وأنها تصرفات فردية، يتحمل كل من ارتكبها، مسؤوليته.

مطالبة بالاعتذار

ويبدو أن التصرف الاخير لـ«حفتر» جاء بعد تواصل مصري، حيث نقلت صحيفة «القدس العربي»، أن رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق «محمود حجازي»، طلب من «حفتر»، الاعتذار والتبرؤ من عمليات نبش القبور التي اتهم بها جيشه في بني غازي.

وقال «حجازي» في تصريحات لإحدى الفضائيات المصرية الخاصة، وهي الفضائية نفسها التي استضافت «حفتر» في حوار شامل منذ أيام، إنهم تناقشوا بشكل مطول الجنرال الليبي على مدار يومين لأجل إقناعه بضرورة الاعتذار والتبرؤ من عمليات نبش القبور التي قام بها تابعون للجيش في بنغازي.

وأضاف: «أخبرنا حفتر بأن عدم التبرؤ من الفاعلين سيجعله في موقف ضعف وسيسيء لصورة الجيش داخليا، وسيقلل من وزنه في الحوار الليبي، كما سيظهر أن الجيش مشابه للتنظيمات الإرهابية التي يسوق بأنه يحاربها».

وتابع: «المجتمع الدولي يتابع ما يحدث باستياء، وعدم التبرؤ من تلك الأفعال سيضيع من فرصة حصول الجيش الليبي على أي مكاسب في المستقبل».

وكشف أن «دولا غربية كثيرة، منها بريطانيا، تواصلت مع مصر فور تسريب الصور ومقاطع الفيديو إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وأبدى مسؤولو هذه الدول غضبهم الشديد من تفاخر قيادة الجيش الليبي وقنواته الفضائية بما حصل من تنكيل وحرق وتعد على النساء»، مؤكدا أن «حفتر بدأ أخيرا بالتجاوب وفهم عواقب تلك الأمور».

وتشهد مدينة بنغازي معارك مسلحة منذ أكثر من عامين بين قوات جيش مجلس النواب (طبرق) بقيادة «خليفة حفتر» من جهة، وبين تنظيم «أنصار الشريعة» و«مجلس شورى الثوار» فيما أفضت تلك المعارك إلي سيطرة الأولى على معظم المدينة باستثناء حيي الصابري وسوق الحوت (وسط المدينة)، بعد أن أعلنت سيطرتها قبل يومين على منطقة العمارات 12 أخر معاقل التنظيم غرب المدينة.

ولا تزال ليبيا تعيش مرحلة من الانقسام السياسي والتوتر العسكري، تمخض عنها وجود حكومتين وبرلمانين وجيشين متنافسين في طرابلس غربا ومدينتي طبرق والبيضاء شرقا.

ورغم توقيع اتفاق الصخيرات برعاية أممية وانبثاق حكومة وحدة وطنية عنه باشرت مهامها من طرابلس أواخر مارس/آذار الماضي، فإن هذه الحكومة لا تزال تواجه رفضا من الحكومة والبرلمان اللذين يعملان في شرق البلاد.

  كلمات مفتاحية

حفتر بني غازي نبش القبول ثوار انتهاكات جرائم حرب الأمم المتحدة

فيديو.. قيادي موال لـ«حفتر» يسلم نفسه للجنائية الدولية