استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عودة إلى جنيف: لماذا لا توحد موسكو منصاتها «المعارضة»؟

الخميس 23 مارس 2017 02:03 ص

مع استئناف المفاوضات السورية في جنيف، يحتمل أن تطرح مجددا مسألة تعديل وفد المعارضة. إذا لم تعاود موسكو إثارتها فقد تكلف المبعوث الأممي بذلك، وإذا لم يفعلا فإن وفد النظام سيستغل الأمر للتشكيك في تمثيل الوفد الآخر للمعارضة، من قبيل إضاعة الوقت أو كسبه، وبالأخص للهرب من استحقاق التفاوض نفسه حتى بعدما بذل ستيفان دي ميستورا أقصى جهده لتمييع هدف «الانتقال السياسي»، وكأن مهمته ليست تنفيذ القرار 2254 بل إرضاء الروس والنظام، الذين لا يعترفون فعليا بأي انتقال سياسي، وعملوا على تفريخ «المنصات» لئلا يعترفوا بوجود معارضة.

والسؤال هنا لماذا لا تسعى موسكو إلى توحيد منصات موسكو والقاهرة وآستانة وحميميم طالما أنها تحرص على تمثيلها، ولماذا ترفض ممثلين عن منصتي موسكو والقاهرة ضمتهم «الهيئة العليا للمفاوضات» ويشكلون ثلث وفدها المفاوض وربع بعثتها، لتصر على إقحام أشخاص محددين؟

أما الجواب فأصبح مكشوفا، وهو أن موسكو (والنظام) كانت تريد إبقاء المعارضة كيانات مفتتة يسهل التلاعب بها، وبعدما وحدت صفوفها استعدادا للتفاوض يراد اختراق وفدها وتلغيمه.

في أي حال، كما لم يفلح نظام بشار الأسد وحلفاؤه الإيرانيون في إلغاء المعارضة، كذلك لم تتوصل ضغوط روسيا على رغم استشراسها في تغيير المعادلة العسكرية إلى شطب المعارضة من المعادلة السياسية، فلا حل سياسيا من دونها.

ثمة مفارقة غريبة تكمن في أن الروس يريدون هذا الحـل ويريدونه سريعا، لكنهم يبادرون إليه بتكتيكات مستندة فقط إلى القوة، مظهرين بوضوح أن ليست لديهم رؤية سياسية، وإذا كانوا يعتقدون أن «مسودة الدستور» التي طرحوها يمكن أن تشكل تلك الرؤية فلا شك أنهم أخطأوا شكلا وموضوعا ومضمونا.

وفيما لم يبدوا أي اهتمام بالخطة المتكاملة التي عـــرضتها المعارضة للانتقال السياسي وفقا للقرارات الدولية، ولم يطلبوا من حليفهم نظام الأسد أي خطة مشابهة بل يستخدمون ثقلـــهــم الدولي لترويج أفكار سبق للأسد أن طرحها في خطبه منذ 2011 ولم تكسبه أي صدقية «إصلاحية»، بالتالي لم يكن لها أي تأثير في مجرى الأحداث.

ولو لم يكن هناك «بيان جنيف» والقرار 2118 لما أمكن الأمم المتحدة أن تدعو إلى مفاوضات جنيف التي أخفقت في 2014، ولو لم يكن التدخل الروســـي ومشاورات «مجموعة الدعم الدولي لسورية» ثم القرار 2254 لما استطــــاعت الأمم المتحدة أن تدعو إلى جولة جديدة من التفاوض أخفقت العام الماضي وتبذل محاولات لإنجاحها هذه السنة.

كانت جولة «جنيف 4» الأخيرة هي الأولى التي تجرى في غياب أمريكي يريد أن يؤكد أن واشنطن لم تعد «راعية» للمفاوضات، وأنها تعتبر العملية الحالية «شأنا روسيا»، تراقبه ولا تتدخل فيه. لذلك ضغطت موسكو عبر موفدها إلى جنيف، نائب وزير الخارجية غينادي غاتيلوف، لئلا تنتهي تلك الجولة بفشل معلن.

وقد استند دي ميستورا إلى مسعى غاتيلوف ليعلن إضافة مسار رابع (أو سلة رابعة) وافقت فيه المعارضة على مناقشة قضية الإرهاب من كل جوانبها، في مقابل موافقة مبهمة على البحث في «الانتقال السياسي» لم يعلنها وفد النظام رسميا، لكن كان غاتيلوف من لمح إليها.

وهكذا أغلقت جولة «جنيف 4» على خدعة مكشوفة، لتبدأ الجولة التالية في حقل ألغام، فكل مسار فيها قابل للتفجر سريعا. إذ تقبل المعارضة على التفاوض انطلاقا من المفاهيم التي تعتقد أن القرارات الدولية كرستها نظريا وأن المطلوب إيجاد آليات لتنفيذها، وهي وفقا لهذا المنظور ترى أن التوافق على مبدأ «الانتقال السياسي» خطوة مفتاحية لأي اتفاق محتمل.

لكن ما تكرر في مواقف معلنة لرئيس النظام ووزير خارجية النظام ونائبه ورئيس وفده يؤكد المؤكد وهو أن الأسد لم يعترف بـ «بيان جنيف» (2012) ولا بأي من القرارات الدولية لكنه يتعامل معها شكليا، بالتنسيق مع روسيا (وإيران)، بغية الالتفاف على الأهداف التي تتوخاها وإدخال المفاوضات في متاهة التفاصيل ليتعذر الاتفاق في أي مسار.

وهو ما دعمه دي ميستورا بقوله «لا اتفاق على شيء قبل الاتفاق على كل شيء» عملا بشرط فرضه الإسرائيليون على المفاوضات مع الفلسطينيين. وبديهي أنه يستحيل التقدم في مسارات الدستور والانتخابات ومحاربة الإرهاب من دون اتفاق واضح في مسار «الانتقال السياسي».

لا تجهل موسكو ولا سواها أن ألف باء التفاوض على إنهاء أزمة، أصلها سياسي وتحولت صراعا مسلحا، تقتضي أولا هدنة أو تجميدا للعمليات العسكرية للمساعدة في بناء أجواء ثقة بين المتفاوضين، وبالأخص لاختبار جدية الأطراف في السعي إلى حلول سلمية وسياسية.

غير أن سلوك روسيا منذ أنجزت تفاهمها مع تركيا، وبنت عليه وقف إطلاق النار، لم يظهر في أي يوم أنها ألزمت النظام وإيران احترام الهدنة، أو أوقفت دعم خطط سابقة لهما لمواصلة توسيع سيطرتهما، بل إن طيرانها ارتكب مجازر عدة خلال مؤازرته هجمات قواتهما، كما أشرف الروس أكثر من مرة على عمليات تهجير جديدة في وادي بردى وحي الوعر (حمص) ويضغطون لإجراء مزيد منها في الغوطة الشرقية.. 

وبعدما فقدت اجتماعات آستانة مبرر انعقادها، إذ فشلت في تثبيت وقف النار، ظلت موسكو مصرة على تلك الاجتماعات، متجاهلة اعتراضات تركيا على تحويلها إلى مسار تفاوضي مواز لمناقشة «مسودة الدستور». وبالنسبة إلى فصائل المعارضة انتهت عمليا المراهنة على أي تعهدات روسية بدعم وقف النار كوسيلة لتفعيل المفاوضات السياسية.

يقول سوريون غير منضوين في المعارضة ومواكبون للاتصالات الروسية أو مشاركون فيها، إن موسكو بلورت منذ معركة حلب مجموعة كبيرة من الفرص التي أوحت لهم بأنها تعتزم وقف الحرب وتحضير بيئة مناسبة للتفاوض، بل وجدوها في مرحلة ما مصممة ومندفعة، لكنهم فوجئوا أخيرا بتراجع وتغيير ما لبثا أن فوتا تلك الفرص، وأهمها بحث متقدم في إنشاء مجلس عسكري بهدف إعادة دمج عسكريين منشقين والتهيئة لإصلاح هيكلية مؤسستي الجيش والأمن.

ويشير هؤلاء أيضا إلى فرص أخرى قد تكون بددت، ومنها وقف النار الذي عرف دوليا بأنه «مشروع روسي» أولا وأخيرا لكن فشله دل إلى أن للهيبة الروسية حدودا، ثم أنه حال دون انطلاقة جدية لمفاوضات جنيف.

ولا شك أن فرصة أخرى كبيرة ضاعت أيضا وتمثلت بانكشاف التناقضات الروسية - الإيرانية وضرورة البدء بتحجيم النفوذ الإيراني كوسيلة حتمية لإنهاء الصراع في سورية. إذ يبدو أن مقاربة موسكو لمآلات الأزمة عادت بها إلى المربع الأول، فبعدما تأكد لها أن التقارب مع إدارة دونالد ترامب قد تأجل، رأت أن تتعايش مجددا مع الدور الإيراني لأنها ستحتاج إليه في أي مساومة لاحقة مع أمريكا.

نتيجة لذلك استعادت التغطية الجوية الروسية لعمليات النظام وإيران نشاطها، وبعد الاشتعال الخطير للجبهات على أطراف دمشق لا بد أن يمضي الحلفاء الثلاثة إلى ما يشبه «سيناريو حلب» لانتزاع السيطرة على الغوطة الشرقية، مع إدراكهم أنه أصعب وسيكون بالتأكيد أكثر كلفة بشرية.

ورغم أن روسيا صارت معنية بترتيب مكوثها المديد في سورية فإنها ترى ضرورة الآن لتجميد غير معلن لخطط إنهاء الصراع ريثما تتضح أمامها معالم الاستراتيجية الأمريكية.

وفي الانتظار تدخل موسكو في ضبط التنافس التركي - الأسدي - الإيراني على مناطق الشمال، سواء تلك التي تستعاد من تنظيم «داعش» أو تلك التي يفترض أن يخليها الكرد. لكنها تدعم في الوقت نفسه إخلاء مدن الغوطة الشرقية من أي وجود مسلح للمعارضة، منسجمة مع أطروحات الأسد بأن من ينتصر عسكريا هو من يملي شروطه السياسية.

* عبدالوهاب بدرخان - كاتب صحفي لبناني

المصدر | الحياة

  كلمات مفتاحية

سوريا مؤتمر جنيف روسيا المعارضة نظام الأسد