تقرير سري للغاية: العلماء السوفييت أخفوا كارثة ذرية أسوأ من تشيرنوبل

السبت 25 مارس 2017 08:03 ص

كانت هذه كارثة نووية أسوأ بأربع مرات من تشيرنوبل، من ناحية عدد الحالات المصابة بمرض الإشعاع الحاد، لكن تواطؤ موسكو في التستر على آثارها على صحة الناس ما يزال سراً حتى الآن.

نحن نعرف أنه في أغسطس/آب 1956، حدث أن غباراً ذرياً منبعثاً من اختبار سوفيتي على الأسلحة الذرية في سيميبالاتينسك في كازاخستان، اجتاح مدينة كازاخستان الصناعية أوست-كامينوغورسك، ووضع بسببه 600 شخص في المستشفى مصابين بداء الإشعاع، لكن التفاصيل حول ذلك بقيت مبهمة.

تقرير سريّ للغاية ينكشف

بعد أن اطلع موقع New Scientist»» على تقرير تم كشفه حديثاً، فإنه عرف أنه كانت هناك بعثة علمية من موسكو كشفت التلوث الإشعاعي المتفشي وذلك في أعقاب الكارثة التي تم التكتم عليها، وقد تتبعوا العواقب في الوقت ذاته الذي استمرت فيه الاختبارات النووية، دون أن يخبروا الأشخاص الذين تأثروا بها أو يخبروا العالم الخارجي.

التقرير السري للعلماء الذين جاؤوا من معهد الفيزياء الحيوية في موسكو، تم إيجاده في أرشيف معهد الطب الإشعاعي والبيئة في سيمي بكازاخستان، وقد قال مدير المعهد، السيد «كازبيك أبساليكوف»، الذي وجد التقرير: «لقد بقي سراً لعدة سنوات».

حدث المزيد من الاختبارات على القنابل النووية في سيميبالاتينسك أكثر من أي مكان آخر في العالم من الخمسينات وحتى الستينيات، وقد تحدث صحفيون غربيون منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عن الآثار الصحية الواضحة على القرويين الموجودين في اتجاه الريح القادمة من أماكن الاختبارات، وبعض الدراسات الحديثة قدرت جرعات الإشعاع التي تعرض لها الناس باستخدام طرق مثل قياس النشاط الإشعاعي في المينا بالأسنان.

التقرير الذي كشف حديثاً، والذي يتناول «نتائج الدراسة الإشعاعية لمنطقة سيميبالاتينسك»، وتم وسمه بأنه «سري للغاية»، أظهر للمرة الأولى مدى معرفة العلماء السوفيتيين بالكارثة الإنسانية آنذاك وتسترهم عليها.

شبح يتجول في القرى ليقتل

في منتصف سبتمبر/أيلول 1956، أي بعد شهر من من انبعاث الغبار الذري، كانت مستويات الجرعات الإشعاعية في أوست-كامينوغورسك ما تزال عالية بمستوى 1.6 ميلليريم في الساعة، وهو ما يقدر بمئة مرة من المستوى الذي اعتبره التقرير «معدلاً مسموحاً»، وما تعتبره اللجنة الدولية للوقاية من الإشعاع آمناً.

في الشهر التالي لذلك، تنقلت البعثة العلمية بين عدد من القرى، وقد قال التقرير أن الغبار الذري في منطقة بالقرب من زنامينكا، كان خطيراً على الصحة، وأنه كان أكثر جدية وخطورة من الغبار الذري في منطقة أوست – كامينوغورسك.

الضباط الأطباء العسكريون الذين زاروا القرية بعد اختبار أغسطس وجدوا ثلاثة أشخاص مصابين بالمرض الإشعاعي الحاد. وتتفق النتائج مع التقارير السابقة حول مسار سحب الغبار الذري، ففي 2002 نشر «كونستانتين غورديف» في معهد الفيزياء الحيوية في موسكو خريطة تبين أنه في 24 أغسطس/آب 1956، تحركت سحابة ذرية فوق كل من زامنكا و أوست-كامينوغورسك.

وفي وقت سابق، حدث اختبار ذري في 12 أغسطس/آب 1953، وأرسل سحابة ذرية عبر كارول، وهي التي وصفتها البعثة العلمية بأنها «خطيرة على الصحة» بعدها بثلاث سنوات.

أسوأ من تشيرنوبل بـ4 مرات

أحد نتائج البعثة العلمية كان في إقامة عيادة خاصة، تحت سيطرة موسكو، كلفت بتتبع الإشعاع وآثاره الصحية، وفي نهاية المطاف سجلت عدداً يصل إلى 100 ألف حالة تعرضوا للاختبارات مع أطفالهم.

هذه العيادة عُرفت باسم «المستوصف المضاج للبروسيلا رقم 4»، وقد اختير هذا الاسم لكي لا يجذب الانتباه إلى نشاطه الحقيقي، والذي صنف كشئ سري للغاية حتى عام 1991.

عندما انهار الاتحاد السوفييتي في تلك السنة، تغير اسم المستوصف إلى معهد الطب الإشعاعي والبيئة، لكن العديد من التقارير في أرشيفه انتقلت إلى موسكو أو دمرت قبل تسليمها، وذلك وفقاً لإفادة «بوريس غوسيف» الذي عمل في المستوصف عام 1962.

«غوسيف» قال إن أحد التقارير سجل أنه يوجد 638 شخصاً نقل إلى المستشفى بتسمم إشعاعي في المدينة بعد اختبار 1956، وهذا العدد أكبر من حالات تشيرنوبل للتسمم الإشعاعي والتي بلغت 134 حالة، بأربع مرات. ولا أحد يعرف كم شخصاً مات.

أفلت من رقابة السوفييت

التقرير الذي كُشف حديثاً كان أحد التقارير التي أفلتت من رقابة الاتحاد السوفيتي، والتي دمرت أو نقلت التقارير الأخرى خارج البلاد، ووجد أنه كان هناك «تلوث إشعاعي كبير في التربة والخضروات والطعام» في شرق كازاخستان، وأن عينات البراز المأخوذة من الأشخاص العاملين في مزرعة في جنوب أوست-كامينوغورسك احتوت على مستويات عالية من الإشعاع، وهو النشاط الإشعاعي الذي لم يعد موجوداً بعد فترة يومين إلى خمسة من تحولهم إلى تناول طعام مستورد بدل الطعام المحلي.

البعثة دعت لعدم تناول الحبوب المحلية، واقترحت أنه من غير المناسب إجراء اختبارات ذرية (خاصة انفجارات أرضية) قبل الحصاد الكامل للأرض، وبهذا يكون الطعام محمياً من الغبار، لكن هذا التنبيه ذهب أدراج الرياح، فقد تم رصد الغبار الناتج عن الاختبارات في أغسطس/آب 1957 وأغسطس/آب 1962.

التقرير أيضاً قلل من قيمة المخاطر، قائلاً إن الأطباء سجلوا تغييرات عديدة على الجهاز العصبي للناس ودمائهم، لكنه قالوا إنه لا يمكن نسبة هذه التأثيرات إلى الإشعاع فحسب، وإنما يذهب اللوم كذلك على الصرف الصحي السئ والنظام الغذائي المحبط، وأمراض عديدة مثل البروسيلا والسل.

أول سجل معاصر للاختبارات السرية

اختبارات القنبلة الجوية في سيميبالاتينسك توقفت في 1963، وبالرغم من أن المنطقة الموجودة في اتجاه الريح القادمة من ذلك المكان آمنة الآن للسكن، فإن بعض المناطق لن تعود لطبيعتها أبداً، والوضع في البعض الآخر غير مؤكد ويحتمل أن يكون خطيراً.

«رومان فاكولشوك» من المعهد النرويجي للشئون الدولية يرحب بالانفتاح الجديد من كازاخستان بشأن هذه المسألة، وقد قال إن التقرير هو أول سجل معاصر للبحث في آثار هذه الاختبارات على السكان المحليين، فحتى العام 1956، لم تجر الحكومة السوفيتية أية دراسات.

ولكن ما يزال هناك عدم يقين بشأن مدى استمرار التلوث والآثار الصحية، ومع إن بعض الأماكن لا تظهر خطراً، إلا أن هناك بعض الأماكن التي تحتاج للوقاية منها إلى ما لا نهاية.

  كلمات مفتاحية

الاتحاد السوفييتي كازاخستان تشيرنوبل تجربة نووية