«فورين أفيرز»: الأنظمة الاستبدادية تحظر «الإخوان».. وعلى واشنطن تجنب تكرار هذا الخطأ

السبت 25 مارس 2017 01:03 ص

خلال الأعوام القليلة الماضية، كان هناك نقاش محتدم في الغرب حول ما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين، الجماعةً الإسلامية صاحبة النفوذ الواسع في الشرق الأوسط، يجب أن تعتبر جماعةً إرهابية أم لا. وفي المملكة المتّحدة، كانت الأفرع المرتبطة بالجماعة متحالفة مع الحكومة في حربها على الإرهاب.

لكن في عام 2014، غيّر رئيس الوزراء «ديفيد كاميرون» المسار، حيث أجرى تحقيقًا حاسمًا حول ما إذا كانت المنظّمات المستوحاة من فكر جماعة الإخوان تمثّل تهديدًا للأمن القومي البريطاني. وخلص التقرير إلى أنّه «ينبغي اعتبار أنّ عضوية الجماعة أو الارتباط بها أو بنفوذها هو مؤشر محتمل على التطرّف»، لكنّها لم توصي بحظر الجماعة.

وعلى ما يبدو فإنّ خطوة «كاميرون» تأثّرت بقرارات حلفاء المملكة المتّحدة في الشرق الأوسط للتعامل بقسوة مع المنظّمة الإسلامية. وفي عام 2013، بعد الإطاحة بالرئيس المصري المرشّح عن جماعة الإخوان المسلمين، «محمد مرسي»، في انقلابٍ عسكري قاده الجنرال «عبد الفتاح السيسي»، تمّ حظر الجماعة. وفي عام 2014، اعتبرت السّعودية الجماعة منظّمةً إرهابية، وكذلك فعلت الإمارات. وكذلك كانت الأردن تقمع الإخوان أيضًا.

نقاش محتدم في واشنطن

ويجري نقاش حاليًا أيضًا بالولايات المتّحدة حول ما إذا كان ينبغي لها إدراج الإخوان في قائمة المنظّمات الإرهابية. وفي عام 2015، قام السيناتور «تيد كروز» والنائب «ماريو دياز بالارت» بمحاولة للدفع بمشروع قرار يعتبر الإخوان منظمة إرهابية في الكونغرس، والذي كان من شأنه منع المنظّمات التابعة للإخوان في الولايات المتّحدة. ومع ذلك، تمّ تعليق المشروع لبعض الوقت. وفي يناير/كانون الثاني، قبل أسبوع من تنصيب «دونالد ترامب»، أعاد «كروز» تقديم مشروع القانون أمام الكونغرس الذي يهيمن عليه الجمهوريون، مع رئيس قادم أشار إلى نواياه في أولوية الحرب على «الإرهاب الإسلامي».

يعدّ مثل هذا الحظر خاطئًا على عدّة مستويات. بدأ اقتراح «كروز» بسرد الدول الأخرى التي حظرت الجماعة، مثل البحرين ومصر وروسيا والسعودية والإمارات. ويمكن وصف جميع تلك الدول في القائمة بأنّها استبدادية، وبعضها على الأقل ديمقراطيات ضعيفة ذات توجّهات شمولية. وعلى الجانب الآخر، فإنّ جماعة الإخوان المسلمين عبّرت باستمرار عن دعمها والتزامها بالديمقراطية. وأقرّ مجلس شورى الجماعة، الذي يصيغ سياساتها الداخلية، بالديمقراطية. وشاركت الكثير من الأحزاب المرتبطة بالجماعة في الانتخابات الديمقراطية، في دول مثل المغرب والصومال، على الرغم في بطء استجابة الإخوان في السعي إلى توافق الآراء مع خصومهم داخل الحكومة.

وفي مصر على سبيل المثال، وجّهت الانتقادات إلى الإخوان لعدم توافقهم مع آراء خصومهم بعد الربيع العربي. وفي ذلك الوقت، أصدر «مرسي» مرسومًا يوسّع من صلاحياته، لكن لم ينتهك «مرسي» أو الإخوان في أي مرحلة الدستور المصري، على العكس من الرئيس الحالي، «السيسي»، الذي قيّد جزءا كبيرا من المعارضة وسجن المعارضين السياسيين.

ومثل التقرير البريطاني، حلل مشروع قانون «كروز» أنّ جماعة الإخوان تعاني من عدّة أوجه للقصور. وفي محاولة لتفسير أيديولوجية الجماعة، ركّز بشكلٍ أساسي على أعمال اثنين من الزعماء السابقين للجماعة، وهما المؤسس «حسن البنّا» والعضو البارز بالجماعة «سيد قطب». وكان «البنّا» غامضًا في كتاباته، في بعض الأحيان يقرّ العنف، ويدينها في البعض الآخر. ولحل هذا الغموض، والحصول على تفسير الجماعة الحالي لكلمات «البنّا»، يحتاج المرء لمقابلة قادة الجماعة شخصيًا. لكنّ آراءهم غائبة تمامًا عن قانون «كروز». كما أن «سيد قطب»، المنظّر المصري والقائد السابق بالجماعة، هو شخصية مثيرة للجدل داخل الجماعة. وقد انقسمت القيادة العليا للجماعة في مصر حول أفكاره، ونأى «حسن الهضيبي»، المرشد السابق للجماعة منذ عام 1951 إلى عام 1973، بنفسه عن تعاليم «قطب» في وقتٍ مبكّر.

أيديولوجيا تتطور

والأهمّ من ذلك، أنّه منذ اغتيال «البنّا» عام 1949 وإعدام «قطب» عام 1966، تغيّرت جماعة الإخوان المسلمين. وفي الحقيقة، لا تزال أيديولوجيتها تتطوّر. ونظرًا لانشغال مشروع القانون بأفكار «البنا» و«قطب»، فإنّه أهمل الاعتراف بذلك وتجاهل عقودًا من تطوّر الجماعة منذ الستينات من القرن الماضي وحتّى اليوم. وفي مقابلات شخصية أجريتها مع قادة للجماعة في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، ذكر العديد منهم إعجابهم بقادة مثل «راشد الغنّوشي»، العضو المؤسس لحركة النهضة التونسية. وهو يدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان ولا يهتم كثيرًا أن تكون البرلمانيات عن حزبه ترتدين الحجاب. وكانت حركة النهضة حزبًا إسلاميًا من قبل، لكنّها لم تعد كذلك، وسعت إلى توافق الآراء مع خصومها السياسيين العلمانيين.

وفي مقابلاتي مع هؤلاء القادة، فوجئت بمدى المرونة التي عليها الجماعة، حيث تعيد المتغيرات تشكيل وجهات نظر القيادة العليا. ومن ناحيةٍ أخرى لا تزال الجماعة تدعم بعض الأفكار المحافظة مثل النظرة الأبوية لدور المرأة في المجتمع. ومع ذلك، فإنّ جماعة الإخوان تحوي تباينات دقيقة داخل صفوفها، ويجب فهم من هم المحركون الحاليون للجماعة لفهم أين تقف أيديولوجيًا.

ومن هذا المنطق، لا يفرّق مشروع القانون المقترح بين القادة السائدين للجماعة وأولئك الذين انفصلوا عنها ويتبنون الآن أفكار أكثر تشددا. ويبرز مشروع القانون كيف أنّ «حسن الترابي»، القائد السياسي الإسلامي السابق في السودان، رعى «العنف»، ونسي أن يذكر أنّ الترابي انفصل عن جماعة الإخوان في الثمانينات، قبل أن يتحول توجهه بشكل علني. وبالمثل ذكر أنّ زعيم تنظيم القاعدة، «أيمن الظواهري»، ارتبط بالجماعة، دون ذكر تركه لها. ولم يذكر أيضًا انتقادات القاعدة للجماعة واتّهامها بعباراتٍ مثل التعاون مع الغرب والإقرار بالديمقراطية الغربية.

ولا يتجاهل مقترح «كروز» لحظر جماعة الإخوان الطبيعة الحقيقية للمنظّمة المعاصرة فحسب، لكنّه يتجاهل أيضًا دور الجماعة في مساعدة الغرب في حربه على الإرهاب. وفي عام 2003، أبرمت المملكة المتّحدة شراكة مع عدد من المنظّمات التابعة للجماعة لإبعاد الإمام الراديكالي «أبو حمزة» وقاعدة المتعاطفين معه من مسجد فينسبري بارك في لندن. واليوم، تراجعت الحكومة البريطانية عن الموقف الأقسى الذي اتّخذته بحقّ الجماعة في تقريرها لعام 2015، وأصبحت تعتبر الجماعة مرّة أخرى جدار حماية ضدّ التطرف. كما أنّ العديد من المنظّمات والحركات التابعة للإخوان كانت متحالفة مع الولايات المتّحدة في الماضي في أماكن مثل العراق والصومال وسوريا في مكافحة أنشطة إيران، وكذلك القتال ضدّ تنظيم الدولة وحركة الشباب.

وحتّى (إسرائيل) المعروفة بعدم تهاونها مع الإسلاميين، فإنها سمحت للحركة الإسلامية التي تتّخذ الجنوب مقرًا لها، والمعروفة برجوع أصولها إلى جماعة الإخوان المسلمين، بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية. وعلى الرّغم من أنّ السّعودية ظرت الإخوان، إلّا أنّها تتعاون مع حزب الإصلاح في اليمن، وهو الحزب الإسلامي المدعوم من الإخوان المسلمين، حيث أنّ لديهما عدو مشترك وهو جماعة الحوثيين، الذين استولوْا على صنعاء عام 2014. وكذلك شكّلت السّعودية علاقة وثيقة مع الإخوان المسلمين في لبنان، حيث تعتبر الجماعة هناك عاملًا مهمًّا أمام النفوذ الشّيعي.

وهناك بالطّبع انتقادات أخرى لجماعة الإخوان المسلمين. فهي تدعو إلى عقوبة الإعدام كحد للردّة، على سبيل المثال. وثمة انتقاد بنفس الأهمية موجّه إلى جماعة الإخوان في مصر، بسبب فشلهم في التوافق السياسي مع خصومهم أثناء الفترة الانتقالية في حكم البلاد. لكنّ أفضل ما يمكن عمله للمضي قدمًا هو دعم فصائل الجماعة الأكثر انتشارًا مع مراقبة المجموعات الفرعية الأكثر تشددا. ومن شأن هذا الحظر أن يضرّ بالمصالح الأمريكية، لاسيما عندما يتعلّق الأمر بمكافحة الإرهاب ومواجهة النفوذ الروسي والإيراني في الشرق الأوسط. وما تحتاج إليه الولايات المتّحدة هو مشاركة حقيقية مع الإخوان، من خلال المناقشات والنقد البناء، وليس من خلال الحظر الصريح.

المصدر | ستيغ جارل هانسن - فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

جماعة الإخوان مصر بريطانيا أمريكا السيسي