عواقب التنازل عن شمال شرق سوريا لإيران و«الأسد» وروسيا

الاثنين 27 مارس 2017 07:03 ص

خلال الأسبوع الماضي، قام الجيش الأمريكي بنقل كميات كبيرة من المعدات العسكرية إلى شمال سوريا عبر العراق وتركيا. وعلى كل حال فإن الأحداث في شمال شرق دمشق ليست واضحة أو كافية للتنبؤ بأي نتائج نهائية. ولكنهم جميعا يذكرون بأن الحل العسكري يعني استمرار الحرب لعقد آخر. والأوضاع حول منبج مشتعلة بين وحدات حماية الشعب وقوات درع الفرات المدعومة من تركيا، مع مضاعفة تركيا لدعمها للجماعات المسلحة التي تدعمها.

وعلاوة على ذلك، فإن جبهة شمال حلب قد تفتح أبوابها أيضا في الأيام القليلة القادمة. لكن كل الدلائل تشير حتى الآن إلى خطوتين هامتين تم اتخاذهما فيما يتعلق بشمال شرق سوريا: الأولى هي قرار الجيش الأمريكي الاعتماد بشكل رئيسي على قوات سوريا الديمقراطية التي تشكلها في المقام الأول قوات حزب العمال الكردستاني المنتسبة لوحدات حماية الشعب، من أجل السيطرة على الرقة. والثانية أنه قبل نهاية هذا الصيف، لابد أن تكون صفحات الموصل والرقة قد أغلقت. وتتحدث وحدات حماية الشعب أن منتصف أبريل/نيسان هو وقت الهجوم على عاصمة تنظيم الدولة الإسلامية.

وسوف نركز في هذا المقال على الوضع في شمال شرق سوريا. ونظرا للأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة في خطط إيران في الشرق الأوسط، نرى أن «الأسد» وإيران يحاولان استخدام اللحظة لتشكيل الوضع على الأرض وفقا لجداول أعمالهما بموافقة كاملة من الولايات المتحدة وروسيا وحزب العمال الكردستاني. وتلتزم طهران بعدم القيام بأي دور واضح في معركة الرقة على النحو المتفق عليه في المحادثات الإيرانية الروسية.

ومع ذلك، كما سنبين في التصريحات العسكرية الروسية، فإن إيران ستفسح المجال لقوات سوريا الديمقراطية، التى تنسق علنا مع «الأسد»، والأميركيين. في نهاية المطاف، ليس هناك شك في أن القرار الأمريكي سيسمح لإيران و«الأسد» وروسيا بالسيطرة على كامل شمال شرق سوريا في مقابل منع تجدد قيام تنظيم الدولة وتخفيف العبء عن الولايات المتحدة عن أي دور طويل الأمد في تلك المنطقة. ومن المفارقة أن السماح لإيران و«الأسد» بالسيطرة على تلك المنطقة هي وصفة لوجود تنظيم داعش جديد، كما رأينا في العراق عندما هزم «الزرقاوي» وتم منح وسط العراق للمالكي والنفوذ الإيراني.

يبدو أن روسيا والولايات المتحدة قررتا أخيرا شطب جميع اللاعبين الآخرين فى الشمال الشرقى باستثناء «الأسد» وإيران وحزب الله.و قد أكد الجنرال «سيرجى رودسكوى» رئيس الإدارة التنفيذية الرئيسية للأركان العامة الروسية اتفاقا بين روسيا والحكومة السورية والأكراد فى منبج الذين يعملون ضد تركيا والمعارضين المدعومين من تركيا.

وقال الجنرال «سيرجى رودسكوى»: «منذ 3 مارس دخلت القوات المسلحة السورية الأراضي التي تحتلها الميليشيات الكردية، في إشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية، وفقا للاتفاقات التي تم التوصل إليها بمشاركة قيادة القوات الروسية فى سوريا».

وبعبارة أخرى، فإن الروس يقولون علنا إنهم ينسقون مع «الأسد» ووحدات حماية الشعب، وأن كلا منهما ينسق مع الولايات المتحدة وروسيا. وعلاوة على ذلك، قال مجلس منبج العسكري المرتبط بقوات سوريا الديمقراطية في 16 مارس / آذار إنه توصل إلى اتفاق مع روسيا لحماية القرى الواقعة غرب منبج من الجيش التركي والمعارضين المدعومين من تركيا، وأنه تم تسليم القرى في منبج الغربية إلى الحكومة السورية.

«من أجل تحقيق هذه الأهداف من جانبنا، نحن مجلس منبج العسكري نؤكد أننا سلنا الدفاع عن الخط، حيث تقع القرى بين مواقع قواتنا في غرب منبج والعصابات المرتبطة بالدولة التركية، لقوات الدولة السورية كجزء من التحالف الذي أجريناه مع المسؤولين الروس».

وأضاف البيان إن: «قوات سوريا الديمقراطية تنازلت عن هذه الأراضى غرب منبج لأن من الواضح إن هناك حدودا لتدخل الولايات المتحدة لصالح مصالح هذه القوات في غرب الفرات». ولذلك، فهي في الواقع مزيج من خمس قوى: وحدات حماية الشعب (YBG) والولايات المتحدة وروسيا و«الأسد» وإيران (وميليشياتها التي تشكل جزءا لا يتجزأ من قوات الأسد)، والتي يتم تحضيرها الآن للسيطرة على هذه المنطقة من سوريا.

هل خسرت تركيا؟

وعلاوة على ذلك، تقوم روسيا ببناء قاعدة عسكرية جديدة في عفرين، عبر الحدود التركية، لتدريب وحدات حماية الشعب. ويبدو أن تركيا خسرت على جميع الجبهات. ومع عدم وجود خيارات أمام« أردوغان». فهل سوف يستسلم تماما لموسكو؟ هل يعتقد أي شخص حقا أن الأتراك سوف يسقطون في اللعبة؟ أم هل هناك ترتيب روسي أمريكي ؟ وكيف يمكن لأي شخص أن يثق بأن موسكو لن تنتهي ببعض الاختراقات والمكاسب الاستراتيجية (مثل قاعدة جديدة أو السيطرة على مساحة واسعة من الأراضي شرق سوريا وغرب العراق)؟

وفي مقابلة إخبارية في وقت لاحق، قال «نيكولاس هيراس»، زميل في مركز الأمن الأمريكي الجديد (ناس): «التنازل عن إقليم غرب منبج لقوات الأسد، من خلال اتفاق بوساطة روسية، يرسل إشارة إلى تركيا مفادها أن قوات سوريا الديمقراطية تفهم القيمة الاستراتيجية لهذه الأرض بالنسبة إلى درع الفرات، وستبقى تركيا مقيدة بإعطائها الأسد». وبعبارة أخرى، إنها خطوة محسوبة من قبل جميع الأطراف المعنية ضد الأتراك والمعارضة السورية.

وقد انتهت وجهات النظر العديدة داخل فريق «ترامب» بشأن ما يجب أن تفعله الولايات المتحدة إلى رسم هذه الخطة باتجاه تمكين قوات سوريا الديمقراطية من مهاجمة الرقة. وقد هزمت وجهات النظر الأولية الداعية لاستبعاد «الأسد» وإيران لصالح النفعية في مكافحة تنظيم الدولة. لقد دافعت موسكو عن فكرة أن قوات «الأسد» (بما في ذلك الحرس الثوري الإيراني وحزب الله والمليشيات العراقية والآسيوية) مهمة من الناحية التشغيلية لتأمين تلك المنطقة بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.

ولكن في حين أخبرت موسكو مجلس منبج بالسماح لقوات «الأسد» بالتقدم شرق المدينة، فإن الجيش الأمريكي ينشر قوات قتالية في مدينة طبقة لإيجاد حاجز بين تلك القوات ومطار طبقة العسكري الذي قد يتطلع القادة الأمريكيون إليه في المستقبل. لماذا لم يلتزم الروس بتنظيم تحركات هذه القوات في جانبهم؟ ربما قالوا، في كثير من الأحيان، أنهم لا يستطيعون السيطرة الكاملة على «الأسد» وإيران. ولكن يمكن للجميع أن يقول كذلك. والسؤال كيف يمكن الاعتماد على صفقة عندما لا تكون أطرافها ملتزمة بها تماما؟

إن أخطاء القادة العسكريين عندما يتحملون مسؤولية وضع استراتيجية شاملة تكون واضحة. الإسراع في إنجاز المهمة عادة ما يخلق مشاكل أكثر مما يحل. إذا كان كل هذا بسبب الرغبة في الوفاء بالتزام «ترامب» بهزيمة تنظيم الدولة في غضون أسابيع، كان ينبغي أن يكون الرئيس قد أخبر بأن ذلك سيستغرق وقتا أطول قليلا من أجل التحضير للقتال بطريقة متماسكة استراتيجيا. إن القضايا في شمال شرق سوريا تتطلب استراتيجيين موهوبين على دراية بالعوامل المعقدة للغاية وخاصة تلك الكامنة وراء الصراع هناك، وليس السياسي الذي يهتم بالأمور المرئية أو القائد العسكري الذي يركز بشكل متفرد على إنجاز المهمة اليوم حتى لو كان هذا سيخلق فوضى غدا.

انقسام بين الخبراء

وينقسم الخبراء في العالم الأكاديمي حول تأثير التنازل عن شمال شرق سوريا إلى روسيا وإيران و«الأسد». ويقول الخبير «جوشوا لانديس»: «إن المعضلة هي كالتالي: إذا سمح لتركيا بمهاجمة الرقة، فسوف ينتهي بنا المطاف إلى دولة سلفية في وادي الفرات. وهذا سيؤدي إلى وجود دولة لتنظيم القاعدة هناك. وعلاوة على ذلك، إن الحديث عن تحرير السكان المحليين لمنطقتهم، كما يفعل الأتراك، هو مضلل، لأن تركيا سوف تحشد مختلف العرب من مناطق أخرى. وحقيقة أنهم جميعا من العرب السنة الذين قد يكون جزء منهم من القاعدة».

ثم يقول الدكتور «لانديس»: «إذا كانت الولايات المتحدة تساعد أو تسمح لتركيا بمهاجمة الأكراد في تل أبيض، فلن يكون لها حلفاء أكراد لمهاجمة الرقة أو أي جزء آخر من أراضي تنظيم الدولة. إن الأتراك يبدون اهتمامهم بتحرير الأرض في سياق حملة عربية، ولكن العرب الذين ستحشدهم لقواتها هم إلى حد كبير من محافظتي إدلب وحلب. وهي مناطق زراعية مختلفة تماما عن مناطق الصحراء والفرات القبلية. اللهجة والعادات على حد سواء مختلفة. وبطبيعة الحال، فإنهم جميعا من العرب السنة. وعلى الأرجح، سيتعرضون لخطر الهيمنة من العناصر السلفية المناهضة للولايات المتحدة التي ستؤكد نفسها وتعيد دمج أفراد القاعدة وربما المنشقين تنظيم الدولة».

وكان نصيحته هي أن روسيا وإيران تريدان تقسيم أراضي تنظيم الدولة بين الأكراد والحكومة السورية التي يقودها «الأسد». وأضافك «يجب أن تسمح الولايات المتحدة بان يحدث ذلك إذا أرادت استراتيجية خروج. ولكن على الرغم من أن هذه النصيحة لن تجلب الديمقراطية أو حقوق الإنسان، إلا أنها ستسمح للولايات المتحدة بوضع استراتيجية خروج على أي حال».

ثم يواصل بأنه، يجب أن يقتنع الأكراد بضبط طموحاتهم من أجل جعل الأتراك يسمحون بذلك.

هناك العديد من العيوب في هذا السرد. يقول الدكتور «لانديس»: «ليس من المؤكد أن الرقة ستحتضن هؤلاء الحكام الجدد (أولئك القادمون من جانب حلب وإدلب)». هنا، نرى أن العديد من الأمور تجمع هذه القوات، كونها سنية، بالإضافة إلى أنها سورية، وهو ما يكفي لوضع العرب في حلب وأولئك من الشمال الشرقي والرقة ودير الزور معا في وئام. هل الروابط بين الأكراد والإيرانيين والروس و«الأسد» من جهة وبين السكان المحليين في الشمال الشرقي من سوريا من جهة أخرى هل هي أقوى؟ على العكس من ذلك، فإن مقولة القول بضرورة الاعتماد على السكان المحليين لتهدئة المنطقة ليس محصورة على الأتراك، كما يدعي الدكتور «لانديس»، فقد نقل هذا عن عن الجنرال «ديفيد بترايوس» أيضا.

هناك العديد من العيوب الأخرى في حجة «لانديس». هناك، على سبيل المثال، الافتراض بأن الأتراك سيقومون بخيانة أي صفقة مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، في وجهات نظره، يمكن أن يكون الأكراد مقتنعين بالحد من تطلعاتهم، والالتزام بالتخلي عن حلمهم الوطني.

ولكن هناك سجل حافل مع حزب العمال الكردستاني الذي يشهد على حقيقة أننا نتحدث هنا عن مجموعة أيديولوجية لديها سبب وجودي للحفاظ على تلك الطموحات التي يقول «لانديس» أنه يمكن إقناعهم بعكسها. ما يطالب به «لانديس» هو أن يلغي حزب العمال الكردستاني هويته الخاصة ويتخلى عن سبب وجوده كمنظمة سياسية.

كل حجة هذا الخبير تتلخص في نقطتين: أهمية وجود استراتيجية خروج للولايات المتحدة وضرورة إيجاد طرق لمنع ظهور دولة جهادية في شمال شرق سوريا. غير أنه لا ينبغي النظر في الهدف الأول بجدية حيث لم يكن لدى الولايات المتحدة أي استراتيجية دخول جدية. وعلاوة على ذلك، إذا كانت الفكرة هي ترك المنطقة بأكملها لروسيا وإيران و«الأسد»، لماذا تحتاج إلى استراتيجية دخول، أو خروج في المقام الأول؟

ثم نترك الآفاق الجادة التي أثارها الكاتب في افتراضه الموثوق بأن الدولة الجهادية قد تتصاعد في منطقة الرقة. في حين أن هذا هو في الواقع افتراض خطير، ولكن الطرق التي اقترحها الكاتب لتجنب ذلك لا تشكل حجة صالحة أو استراتيجية قابلة للتطبيق.

والواقع أن إعطاء هذه المنطقة للأسد وإيران والروس سيؤدي إلى تكرار معين لتنظيم الدولة الإسلامية. لقد هزم تنظيم القاعدة في وسط العراق، وأعطيت تلك المنطقة للمالكي وحلفائه. ولا يبدو أن الكاتب يقدر حقيقة أن سكان شمال شرق سوريا هم في الغالب من السنة، وأنهم على وعي بهويتهم الدينية بسبب الحرب، وبسبب تمدد المعاناة في الصحراء العراقية، على أيدي «المالكي» والميليشيات الإيرانية. كما أنه لا يبدو أنه يقدر عمق الكراهية للأسد وحلفائه بعد ذبح 500 ألف سوري. وسيثبت هذان التقليلان أنهما سيكونان مكلفين جدا في المستقبل. ليس هناك أي شك في أذهاننا حول هذا الموضوع.

كانت الولايات المتحدة قد خرجت من تلك المنطقة. وهذا صحيح. ومن شأنها أن تفوض تلك المنطقة إلى روسيا وسوريا وإيران كما يوصي الدكتور «لانديس». ولكن في مرحلة ما في المستقبل، سوف تجد أنه لا مفر من العودة، نفس ما حدث في العراق. لأن النهج كله يهمل الأتراك والعرب والقبائل السورية والشعب السوري.

استنساخ الصحوات؟

مرة أخرى، «القاعدة الذهبية» في هزيمة أي تمرد هي تعبئة السكان المحليين وراءك. هنا، يمكن للعرب والأتراك وحتى الروس والأردنيين أن يساعدوا في خلق القاعدة الاجتماعية لمناهضة تنظيم الدولة، على المدى الطويل وهي الصحوات. وينبغي أن تكون تلك الصحوات مستندة إلى أساسين اجتماعيين: الأكراد والسكان العرب في تلك المنطقة. ويمكن للمجالس القبلية أن تعمل على خلق التعاون اللازم بين المجموعتين اللتين تعيشان معا لعدة قرون على أي حال.

وتمتد الطرق القبلية في تلك المنطقة إلى العراق وشبه الجزيرة العربية والأردن ويمكن تأكيد ذلك من مجرد إلقاء نظرة على أسماء قبائل شمال شرق سوريا. إن أي خطة لإنشاء قوة من الصحراويين السوريين لديها فرصة جيدة . ويمكن أيضا إعادة النظر في العديد من شرائح الضباط السابقين المعتدلين السوريين في القوة المقترحة. إن الجيش الأمريكي لديه ثروة من الدروس للتعلم من حرب الأنبار. وسوف يستغرق هذا وقتا طويلا.

لن تكون هذه الصحوة جزءا من أي معارضة للأسد. وهي لن تمثل كيانا «مستقلا». كما أنها لن تكون موالية لأي شخص أو أي دولة أخرى. ولن يكون لهم أي علاقة بالتطلعات الوطنية أو الشريعة السلفية. إنهم سيكافحون تنظيم الدولة ويعيشون في سلام يحميهم ويحمي أبناءهم وبضمانات ومساعدات من جميع اللاعبين الرئيسيين. مع العلم أن ظهور جماعة جهادية في منطقتهم سيترتب عليه ثمن يدفعونه: وسيفقد السلام ومستقبل أبنائهم، للمرة الثانية في جيل واحد.

وقد يكون قد فات الأوان لرفع كل هذه الملاحظات. ولكن من الأفضل أن نضعها في كتاباتنا الآن لأننا متأكدون تقريبا من أننا سنعيد النظر في هذه المسألة في مرحلة ما في المستقبل.

المصدر | ميدل إيست بريفينغ

  كلمات مفتاحية

شمال سوريا منبج تركيا الدولة الإسلامية الأكراد