سيطرة «الحراك» بدعم إماراتي على جنوب اليمن.. «هادي» يواجه انفصالا متوقعا بسياسة الاحتواء

الاثنين 3 أبريل 2017 06:04 ص

شكل طموحات الحراك الجنوبي اليمني في الانفصال، مع رغبة الإمارات في ذات الأمر، لتحقيق أهدافا واسعة في الطريق، بعد عامين من تدخل التحالف العربي في اليمن.

«الحراك الجنوبي»، الذي يطالب بفصل جنوب اليمن عن شماله، وجد نفسه بعد عامين من الحرب في اليمن، يمتلك زمام السيطرة على الحكم والأرض في المنطقة التي طالما أراد أن يفصلها على الشمال، وذلك بعد جهود مضنية قامت به دولة الإمارات على مدار الشهور الأخيرة.

ولم يكن أكثر المتفائلين من الحراك الجنوبي، يتوقع أن تتمكن قياداته من الوصول إلى منصب محافظ أو مدير أمن، فضلاً عن تقلّد منصب وزير في الحكومة، لكن بعد عامين من تدخل التحالف العربي في اليمن، اختلف الوضع في محافظات الجنوب، بحسب «العربي الجديد».

مشاركة في الحكم

«الحراك»، الذي كانت أنشطته تنحصر في مليونيات وتظاهرات هنا وهناك، صار الحاضر الأكبر في منظومة الحكم بعد تحرير المحافظات الجنوبية من سيطرة مليشيا «الحوثي» والرئيس المخلوع «علي عبد الله صالح».

واستفاد «الحراك الجنوبي» من مشاركة عدد من قياداته في مقاومة مليشيا «الحوثي» و«صالح»، الأمر الذي دفع بالرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي»، وتماشياً مع الواقع الجديد على الأرض، إلى تعيين محافظين ومدراء أمن للمحافظات وقادة ألوية عسكرية من الوجوه البارزة في الحراك الجنوبي، أمثال محافظ عدن اللواء «عيدروس الزبيدي»، ومدير أمنها «شلال علي شايع»، فضلاً عن تعيين القيادي البارز في الحراك «ناصر الخبجي» محافظاً لمحافظة لحج، وغيرهم كثير.

وبالرغم من أن هذه القيادات تعمل في إطار شرعية «هادي» والدولة اليمنية الموحدة، إلا أنها لا تخفي أن حكمها لبعض المحافظات ما هو إلا خطوة نحو تقرير المصير واستعادة الدولة الجنوبية.

وظهر ذلك جلياً، في بيان لمحافظ عدن «الزبيدي»، قبل أسابيع، حين قال خلال حديثه عن المعارك في المخا، شمال عدن: «من دون جدال، وبشكل مبدئي، نحن متمسكون بثوابتنا النضالية وجغرافيتنا السياسية، التي تبدأ وتنتهي عند حدود العام 1990 (جنوب اليمن سابقاً)، لكن واجبنا الأخلاقي وأمننا القومي والجيوسياسي سيمتد حيث ما توجب علينا الحضور».

ويبدو أن مشاركة قيادات «الحراك» في منظومة الحكم لا تأتي من بوابة الانصهار ضمن مشروع الأقاليم الذي يتبناه «هادي» فحسب، بل من باب مسك زمام الأمور جنوباً نحو تحقيق الانفصال، وهو ما يظهر من التصريحات الإعلامية للمسؤولين الجنوبيين وإبراز علم «دولة الجنوب» في الأنشطة العامة.

ويرى مراقبون أنه، وبعد مرور عامين على اندلاع الحرب، تشكّل واقع جديد لقوى النفوذ والسيطرة على الأرض يصعب التعامل معه بعد أي تسوية سياسية تسعى لإعادة الوضع إلى ما قبل 26 مارس/ آذار 2015، فالقوات المسلحة التي تتشكل مناطقياً جنوب البلاد، ستشكل عبئاً كبيراً أمام المضي نحو قيام الدولة الاتحادية التي أقرها مؤتمر الحوار الوطني.

وعلى الجانب الآخر، يبدو الشارع الجنوبي منقسماً تجاه تجربة حكم «الحراك» لعدد من المحافظات الجنوبية، بين مؤيد لهذه التجربة ويرى فيها كسباً لود التحالف العربي ودول الإقليم، وبين معارض يعتقد أن الانخراط في منظومة حكم الشرعية، تحت مسمى الجمهورية اليمنية، يعد تمييعاً لمطلب الانفصال.

يأتي ذلك، وسط دعم إماراتي لم يتوقف يوما، عن محاولة إرساء نفوذها في ذلك البلد الذي يعاني من حرب ضارية منذ نحو عامين.

هذا النفوذ تعددت سبل إرسائه، كان أبرزها دعم فصائل بعينها مثل الحراك الجنوبي في بعض المحافظات الجنوبية والذي يسعى إلى استعادة ذاكرة الماضي، والمضي بعيدا بالجنوب اليمني الذي يمثل موقعا استراتيجيا لإطلاله على طريق الملاحة الدولية من باب المندب.

أمر واقع

وبعيداً عن الموقف الدولي الذي يشدد على وحدة اليمن واستقراره، يرى سياسيون أن «الحراك الجنوبي» حقق مكاسب عدة من تجربته هذه، من خلال استيعاب الكثير من كوادره في مؤسسات الدولة والجيش، الأمر الذي يجعل منه قوة يصعب استبعادها.

وتحدث سياسيون، عن أن «الحراك الجنوبي»، فرض نفسه كأمر واقع في محافظات الجنوب، ويجب التعامل معه وفق هذا المنظور في أي تسوية مقبلة.

ويقول المحلل السياسي «فؤاد مسعد»، إن «تجربة الحراك لا تزال في طور البداية والتشكّل، ومع ذلك برزت بعض المكاسب التي حققها الحراك من خلال استيعاب عدد من كوادره في أجهزة الدولة، بالإضافة إلى انخراط الآلاف من منتسبيه في المقاومة ضمن قوات الجيش الوطني والأمن».

ويضيف أن «من ضمن المكاسب التي حققها الحراك، توسيع دائرة نشاطه وامتلاك إمكانيات لم تكن متوفرة لديه في السابق».

وفيما يتعلق بأداء «الحراك الجنوبي»، في المؤسسات الحكومية، يشير «مسعد» إلى أنه يواجه تحديات كبيرة، نتيجة تدمير الحرب للبنية التحتية في المحافظات المحررة.

ويعتقد أن «تعيين قيادات الحراك الجنوبي في إدارة المحافظات الجنوبية جزء منه مرتبط بالواقع الذي أفرزته الحرب، وفي جزء آخر لامتصاص غضب الشارع، وهو ما يلاحظ في العاصمة المؤقتة عدن وغيرها من المحافظات».

وعن مستقبل مشاركة «الحراك» في الحكم، يرى «مسعد» أن «بقاءه مرهون بالتوافق على تسوية سياسية، فهي ستكون المرجع الذي يفرض على الجميع الالتزام به، ولا شك في أن أي تسوية ستأخذ بالاعتبار حجم الحراك الجنوبي وضرورة مشاركته».

سياسة احتواء

من جهته، يرى المحلل السياسي «جمال بن غانم»، أن إعطاء قيادات في الحراك الجنوبي الفرصة لتولي إدارة شؤون بعض محافظات الجنوب يأتي في إطار سياسة «هادي» لاحتواء «الحراك» وإخضاعه لشرعيته.

ويضيف «بن غانم»، إن هذا التوجه من قبل «هادي» كان بمثابة فرصة لبعض قيادات «الحراك» للسيطرة على الأرض، وفرض واقع جديد، ولعل هذا ما حصل فعلاً، خصوصاً في محافظة عدن، إذ إن قيادات المحافظة ليست على انسجام تام مع قيادات الشرعية، وتحديداً رئاسة الوزراء، وأحياناً رئاسة الجمهورية.

ويشير إلى أن القيادات الحراكية، نجحت إلى حد كبير في فرض الأمن، بحكم الخلفية العسكرية لمعظمها، لكنها فشلت في تحقيق أدنى استقرار في الخدمات الأساسية، لكن من غير المنطقي أن تُحمّل هذه القيادات الفشل في جانب الخدمات، فمعظم المحافظات التي تسيطر الشرعية عليها تعاني من احتياجات حادة في الخدمات الأساسية للمواطن، وهذه أهم نقطة كمعيار لفشل الحكومة الشرعية في إدارة المناطق المحررة.

وفي سياق المكاسب السياسية، يلفت «بن غانم» إلى أن القيادات المحسوبة على «الحراك الجنوبي» استطاعت أن تحقق تقدماً كبيراً في مجال الأمن، وبالتالي أصبحت تمتلك قوة على الأرض لا يمكن لأي تسوية سياسية أن تتجاهلها. وبالرغم من ذلك، يشير المحلل السياسي إلى أن الملف اليمني، بكل تعقيداته، أصبح ملفاً عربياً متشعباً، ومن الصعب جداً القول إن فريقاً ما يستطيع أن يفرض شروطه في أي تسوية مقبلة، مع الأخذ في الاعتبار أن الحراك الجنوبي اليوم أصبح ثقلاً سياسياً مسيطراً على الأرض، وهو مختلف تماماً عما كان علية الحال قبل إعطاء هذه القيادات "الحراكية" الفرصة لأخذ زمام الأمور في بعض المحافظات الجنوبية.

دعم إماراتي

الدعم الإمارات، للانفصال الجنوب، لم يتوقف عند دعم «الحراك»، بل امتد للتواجد العسكري الكثيف سواء عبر الجنود أو العتاد والأسلحة التي تزود بها المقاتلين على الأرض في الجنوب، فضلا عن استخدام المساعدات الإنسانية، لبسط نفوذها في اليمن، وهو ما ظهر جليا في إعلانها نهاية العام الماضي عن دعم الجنوب بمنح ومشروعات ومساعدات إنسانية تصل قيمتها إلى 1.2 مليار دولار.

ونشبت خلافات حادة بين «هادي» وبين أبوظبي على خلفية الدور الذي تلعبه الأخيرة في اليمن والذي بات محط اتهام قطاعات واسعة من اليمنيين الذين يعتبرونه امتدادا للاحتلال الحوثي، على حد تعبيرهم، متوعدين بمقاومته كما قاموا التمرد الحوثي.

ووفق مصادر يمنية، فإن النزاع الذي تنجح فيه الأولى حتى الآن، يأتي بسبب تعيينات الحراك الجنوبي، وطبيعة التحالفات السياسية التي يعقدها «هادي»، حيث تعترض الإمارات أيضا على أي تعاون مع حزب «التجمع اليمني للإصلاح» (الإخوان المسلمون)، وهو حزب داعم للشرعية، إضافة لكونه من المكونات الرئيسية التي تقاتل على الأرض، وهناك أنباء أخرى عن محاولات مستمرة من أبو ظبي للسيطرة على المجالات الاقتصادية اليمنية.

وتسعى أبوظبي إلى تضييق الخناق والقضاء على رجال المقاومة المحسوبين على التجمع اليمني للإصلاح استباقا لأي دور لهم سياسي في اليمن خاصة بعد إظهار «هادي» اعتماده على إصلاحيي اليمن بصورة كبيرة من خلال إقالة من يوصف رجل أبوظبي في اليمن «خالد بحاح» وتعيين «محسن الأحمر» المقرب من «الإصلاح»، في المنصب الثاني في الدولة عسكريا ومدنيا.

كما نجحت الإمارات، في السيطرة على حلفائها في الجنوب، لتعطيل بعض الخدمات أثناء وجود «هادي» في عدن، لخلط الأوراق وإظهار الحكومة بمظهر العاجز عن تقديم الخدمات.

ولعل منع طائرة الرئيس اليمني من الهبوط في مطار عدن، في فبراير/ شباط الماضي، مما اضطرها للهبوط في جزيرة سقطرى، يؤكد صحة النزاع الخفي بين «هادي» ودولة الإمارات، ويفضح حدود سلطة الرئيس اليمني، من جهة، والنفوذ الكبير الذي تلعبه أبوظبي في المناطق الخاضعة، افتراضيا، لسلطات الشرعية اليمنية.

ودفعت الإمارات، منذ انطلاق عملية «عاصفة الحزم» قبل سنتين، ثمنا باهظا لتدخلها في اليمن حيث قتل 65 من جنودها هناك.

في صراع النفوذ هذا تفاصيل كبيرة لم يكشف عنها بعد، وربما تلقي الأيام المقبلة ما في جعبتها بهذا الخصوص، لا سيما مع سعي «هادي» لتوطيد أقدامه في عدن، وهو ما يواجه بضغوط المصالح الإماراتية هناك.

  كلمات مفتاحية

الإمارات الحراك الجنوبي اليمن هادي سيطرة نفوذ

«أبو العباس».. ذراع الإمارات لاستنساخ تجربة عدن في تعز

الإمارات تطلق «خلفان» على «الجزيرة» بعد تناولها دعم أبوظبي لانفصاليي اليمن