«ستراتفور»: استفتاء الدستور التركي.. انتخابات رئاسية بوجه آخر

السبت 15 أبريل 2017 03:04 ص

(1) إذا رفض الناخبون الأتراك الإصلاحات الدستورية المقترحة في استفتاء في 16 أبريل/نيسان، فإنهم سيوجهون ضربة إلى حملة الرئيس «رجب طيب أردوغان» في السعي لزيادة سلطته. ولكن في كلتا الحالتين، فإنه سوف يواصل سعيه للحصول على قوة أكبر.

(2) سواء مر استفتاء 16 أبريل/ نيسان بشأن الإصلاح الدستوري أو فشل، سيواصل حزب العدالة والتنمية الحاكم السعي لتحقيق أهداف سياسته الداخلية والخارجية لمعالجة المخاوف الأمنية لتركيا.

(3) تأتي هذه المخاوف، مع حالة عدم الاستقرار الاقتصادي، وانقسام الناخبين الأتراك حول الاستفتاء.

(4) إذا مر الاستفتاء، فإن الإصلاحات الدستورية ستمنح الرئاسة سلطة أكثر من أي وقت مضى.

تحليل

منذ تأسيسه في عام 2001، سار حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ببطء نحو تحقيق قوة أكبر في البلاد. وحصل الحزب على الأغلبية في كل انتخابات تشريعية على مدى السنوات الـ16 الماضية، واليوم، هو القوة السياسية الأكثر تأثيرا في تركيا. ولكن بالنسبة للرئيس «رجب طيب أردوغان»، فإن تحقيق الأغلبية في البرلمان لم يكن سوى وسيلة لتحقيق غايته. والهدف النهائي للرئيس هو زيادة سلطته التنفيذية.

يوجد لدى «أردوغان» موهبة في العمل على مراكمة سلطته. فخلال فترة ولايته كرئيس لبلدية اسطنبول، وضع الأساس لصعوده إلى منصب أعلى. وبصفته رئيسا، وهو الدور الذي يشغله بعد أن تولى منصبه كرئيس للوزراء في عام 2014، عمل على توسيع مهام مكتبه بشكل مطرد، رغم أن منصبه هو منصب رمزي في الغالب. لكن «أردوغان» استخدم نفوذه من أجل زيادة سلطته. وكثيرا ما تخطى الحدود المقررة للرئاسة، في الواقع، استقال رئيس الوزراء «أحمد داود أوغلو» احتجاجا على ذلك.

وفي 16 أبريل/نيسان، سيصوت الناخبون في تركيا على استفتاء من اجل إضفاء الطابع الرسمي على السلطات التي يريدها «أردوغان» لنفسه ولزيادة سلطته. ويعد الاستفتاء نوعا من المقامرة للرئيس. حتى أن مؤيدي حزب العدالة والتنمية الأكثر حزما قد يعتقدون أنه والحزب الحاكم يتمتعان بما يكفي من السلطة في الوضع الراهن. ومهما كانت نتيجة التصويت، فإن حزب العدالة والتنمية سيحافظ على نفوذه في مستقبل تركيا لسنوات قادمة. والرئيس، بالمثل، سيواصل سعيه للحصول على مزيد من السلطة.

الطريق إلى زيادة السلطة

يغطي الاستفتاء، مجموعة من 18 من التعديلات الدستورية، وذلك من شأنه أن يغير بنية الدولة التركية نفسها. وإذا كانت الإصلاحات ستعتمد، فإن ميزان القوى بين فروع الدولة سيتحول إلى صالح الرئاسة. وتشمل التغييرات المقترحة إلغاء دور رئيس الوزراء ومنح سلطاته للرئيس وخلق منصب نائب الرئيس وتناقص الرقابة البرلمانية والقضائية على الرئاسة وإضافة 50 مقعدا إلى البرلمان وبالإضافة إلى ذلك، فإن التدابير ستمكن الرئيس من إعداد الميزانية وتعيين الوزراء وسن القوانين بموجب مرسوم منه، وأيضا تعيين القضاة في المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين.

ويوجد بعض الإصلاحات المقترحة، مثل منح المحاكم المدنية ولاية قضائية بشأن المسائل التي تسوى الآن في المحاكم العسكرية، وتتفق جميع الأطراف تقريبا على ضرورة مراجعة الدستور الحالي الذي تم اعتماده في انقلاب في عام 1980، وكان «أردوغان» مصمما بشكل خاص على الحد من قوة الجيش، ولكن إصلاح دستور 1982 كان هدفا مشتركا للطيف السياسي التركي منذ عقود.

والاستثناء من هذا الاتجاه هو حزب الشعب الجمهوري، أكبر حزب معارض في تركيا، والأقدم في النظام الحزبي في البلاد. ويعارض حزب الشعب الجمهوري، الذي كان قريبا من القوات المسلحة تاريخيا، التعديلات الدستورية التي أدخلها «أردوغان»، وذلك ليس لأنها تجرد الجيش من السلطة، بل لأنها ستزيد من صلاحيات الرئيس وربما تمد حكمه. وفي حال تمرير الاستفتاء، سيصبح أردوغان «مسؤولا تنفيذيا»، ومن ثم سيكون مؤهلا للعمل لمدة سنتين إضافيتين في منصبه وأيضا الترشح والبقاء حتى عام 2029. أما بالنسبة إلى مؤيدي الاستفتاء، فإن حفاظ «أردوغان» على الرئاسة وزيادة سلطته يوفر طريقة أكثر ملاءمة لمعالجة التحديات الاقتصادية والأمنية للبلاد أكثر بكثير مما يمكن أن تحققه حكومة ائتلافية.

التصويت

جرت التعديلات بالفعل من خلال مفاوضات برلمانية شاقة بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية. لكن الناخبين في البلاد سيكون لهم القول النهائي حول مصيرهم، حيث أنهم يفكرون في المشاكل الاقتصادية والأمنية لتركيا أثناء توجههم إلى صناديق الاقتراع. لقد أثر ارتفاع معدلات التضخم والبطالة على المستهلكين الأتراك. علاوة على ذلك، فإن الليرة لا تزال عرضة لعوامل خارجية مثل ارتفاع الدولار، على الرغم من أنها استقرت منذ نزولها الثابت بعد محاولة الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2016. وبالنظر إلى الديون الكبيرة المقومة بالدولار في تعاملات القطاع الخاص في تركيا، فإن قوة الدولار تبشر بسوء بالنسبة للشركات في البلاد، وخاصة الشركات الصغيرة. (كما أن الاضطرابات المالية في الاتحاد الأوروبي ستضيف إلى المشاكل الاقتصادية للبلاد).

وعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية بنا سمعته جزئيا على قيادة تركيا خلال الأزمة الاقتصادية في أوائل العقد الأول من القرن العشرين نحو فترة من النمو السريع، فان بعض الناخبين يرون أن سطوة «أردوغان» الثقيلة تضر باقتصاد البلاد. وسيجسد الناخبون الأتراك مشاعرهم حول السياسات المالية للحزب الحاكم في صندوق الاقتراع يوم 16 أبريل/نيسان.

وفي الوقت نفسه، استخدم «أردوغان» التهديد المتعدد الأوجه للإرهاب الذي يواجه تركيا ليحتج بالرئاسة التنفيذية، مدعيا أنه يحتاج إلى قوى أوسع لمعالجة المشكلة. ومنذ محاولة الانقلاب، تعرضت البلاد لحالة طوارئ جعلت من الصعب على خصوم الإصلاحات التعبير عن آرائهم ومنحت أنصار الاستفتاء قوة لتعزيز هذه الإجراءات. ومع ذلك، لم يتمكن قادة تركيا من القضاء على المعارضة تماما. حتى أن بعض مؤيدي حزب العدالة والتنمية يشعرون بأن قرارات «أردوغان» للسياسة الخارجية، مثل الحملة العسكرية في سوريا، زادت من المخاطر الأمنية في تركيا، وقد يصوت بعضهم ضد الإصلاحات الدستورية نتيجة لذلك.

ومن المحتمل ان يسود التصويت بالرفض أيضا فى المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في جنوب شرق تركيا حيث تقوم الحكومة بعمليات ضد حزب العمال الكردستاني. وتستعد السلطات لاحتمالات اندلاع العنف في المنطقة وفى أماكن أخرى في البلاد في فترة التصويت. وذكرت وزارة الداخلية أن أكثر من 380 ألف عضو من قوات الأمن التركية سيعملون في 16 أبريل/نيسان وفقا لما ذكرته وزارة الداخلية مع 51 ألفا من عمال الأمن المحليين في 26 مدينة، وذلك للحفاظ على السلام بين الناخبين.

وبعيدا عن حدود البلاد، تسبب الاستفتاء الوشيك أيضا في توتر بين الحكومة التركية وحلفائها في الاتحاد الأوروبي. ويشعر قادة الاتحاد الأوروبي بالقلق ليس فقط مع محاولات أنقرة للحد من معارضتها في الداخل ولكن أيضا مع حملاتها لحشد التأييد للإصلاحات الدستورية في الخارج. ومع اقتراب التصويت، كان حزب العدالة والتنمية يجذب الملايين من الناخبين المؤهلين في المجتمعات الأجنبية الكبيرة في أوروبا، التي أثبتت أن لدعمها قيمة لا تقدر بثمن بالنسبة إلى «أردوغان» خلال الانتخابات العامة الأخيرة في عام 2015. ولكن جهوده الرامية إلى تحفيز الناخبين الذين يعيشون في الخارج حطمت بعض السياسيين الأوروبيين، الذين كان بعضهم في منتصف حملته الخاصة في موسم الانتخابات ،وقد تصادمت موجات القومية التي تجتاح تركيا وأوروبا، مما تسبب في تجدد الصراع بين أنقرة وبروكسل.

ومع ذلك، فإن كلا من تركيا والاتحاد الأوروبي يرغبان في الحفاظ على علاقة عمل جيدة على المدى الطويل. ولا تزال أنقرة عازمة على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي رغم التوترات الأخيرة. وتوضح التبعية الاقتصادية المتبادلة والاهتمام بتوسيع العلاقات التجارية لماذا هددت أنقرة بفرض عقوبات دبلوماسية على بروكسل خلال التوتر الأخير ولم تتبع عقوبات اقتصادية. ويمكن أن يتحسن موقف تركيا التفاوضي بعد الاستفتاء. حيث يمكن لـ«أرودغان» العودة إلى العمل على صفقة الانضمام مع بروكسل. ولكن في الوقت نفسه، إذا مر الاستفتاء، يمكن للسلطات التنفيذية الموسعة للرئيس أن توتر علاقات تركيا مع حلفائها في الكتلة الأوروبية. وستواصل الحكومة التركية، في غضون ذلك، استخدام شكاوى التمييز بين المغتربين الأتراك في أوروبا لمحاولة إدانة مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وبالنسبة للعديد من الأتراك، مهما كانت نتيجة التصويت، سيواصل حزب العدالة والتنمية السير على الطريق الذي كان يتبعه منذ أكثر من عقدين من الزمن. وحتى لو فشلت هذه التدابير، فإن «أردوغان» سيواصل السعي لتحقيق أهداف إدارته، والحفاظ على سياسة تركيا الخارجية، والتزاماتها العسكرية في العراق وسوريا، وكفاحها ضد التوسع الكردي وسوف يواصل «أردوغان» التركيز على هدفه لتعزيز سلطته بكل شكل ممكن.

  كلمات مفتاحية

الاستفتاء التركي أردوغان تركيا

اقتراحات تعديل الدستور التركي: الرئيس يعين الوزراء ولا ينفصل عن حزبه ويعلن الطوارئ

بعد فرز 90% من صناديق الاستفتاء.. نحو 52% يوافقون على تعديلات الدستور التركي