كيف أصبحت مصر واحدة من النقاط الساخنة في العالم لتجارة الأعضاء البشرية؟

الثلاثاء 18 أبريل 2017 08:04 ص

في شهر مايو/أيار الماضي، بدأ رجلٌ يدعى «مزيكا» في إغواء أطفال الشوارع المشردين والمراهقين في ساحة رمسيس، على مرمى حجرٍ من ميدان التحرير، وإقناعهم بكسب المال من بيع أعضائهم. يطلب الكلى و فصوص الكبد وأعضاء أخرى، مقابل 15 ألف جنيه مصري (حوالي 850 دولارا). ويتفق مع الأطفال عادةً على البيع مقابل المال، ثم يأخذ الرجل الأعضاء ولا يدفع أبدًا. وقال أحد الضحايا في مقطع فيديو: «يأخذ الأطفال ويغريهم ببيع الكلى ثم يخدعهم».

وعلى مدى شهرين تقريبًا، عمل «مزيكا» ومهربو الأعضاء الآخرين على هذا المشروع في شقة مستأجرة في حي المرج منخفض الدخل بالقاهرة. وعلى ما يبدو، لم يلاحظ أحد في الحي عندما تم إلقاء جثث الضحايا في إحدى المقابر. ولم يتم القبض على المتاجرين إلا بعد شجار في الشارع على تقاسم المال، وهو ما لفت انتباه أحد الجيران، الذي أبلغ الشرطة حول ما كان هو وغيره يشتبه في كونهم مافيا للاتجار بالأعضاء تحت الأرض. وأدت شهاداتهم إلى إلقاء القبض على أربعة من المشتبه بهم، اثنين منهم هما شقيقان في العشرينات من عمرهما.

الحوادث من هذا القبيل ليست قليلة في مصر، وتلقي بالضوء على السوق السوداء للأعضاء البشرية المزدهرة في البلاد. وفي عام 2010، صنفت منظمة الصحة العالمية مصر بين الدول الخمس الكبرى في الاتجار غير المشروع بالأعضاء.

ولعله من المستغرب أنّ مصر لديها قانون يحظر التداول في الأعضاء وينظم التبرعات أيضًا. ووافق القانون عام 2010 على منع الأجانب من الحصول على تبرعات الأعضاء من المصريين، ولأول مرة، قدم تشريعًا لعمليات زرع الأعضاء الجراحية في المستشفيات والمراكز المعتمدة في ظل ظروفٍ محددة. وكان القانون نتاج تاريخٍ من الخلاف حول جواز زرع الأعضاء والتبرعات في مصر. وبدلًا من تخفيف حدة الأزمة، فإنّ القانون لا يزال خاملًا، مع عجز الدولة عن إنفاذ أحكامها.

زرع الأعضاء ومدى جواز ذلك

في عام 1962، في مدينة المنصورة الإقليمية، قام طبيب مسالك بولية اسمه «محمد غنيم» بإجراء أول عملية زرع كلى في مصر. وسرعان ما بدأ الجراحون في القاهرة بعمليات الزرع. وأثارت الممارسة الجراحية بسرعة مسائل أخلاقية وقانونية حول ملكية الجسم وجواز الأمر دينيًا. هل نحن نغش الموت؟ هل أجسامنا ملكٌ لنا حقًا أم هي ملكٌ لله؟

وقد جاءت فتوى الأزهر، وهو الهيئة الدينية الحاكمة في مصر، في البداية ضد التبرع بالأعضاء عام 1979، مستشهدًا بالآيات القرآنية والأحاديث من أجل منع هذه الممارسة. نتيجةً لذلك، انخفضت معدلات التبرع بالأعضاء. وحدث نقصٌ حاد في الأعضاء التي يحتاجها المرضى. وحتى التسعينات، استمرت المناقشة بكثافة حول ما إذا كان من المسموح قانونيًا أو دينيًا التبرع بالأعضاء بعد وفاة الشخص.

ووفقا لـ«شيرين حمدي»، عالمة الأنثروبولوجيا في جامعة براون، أرسل باحثٌ قانونيٌ شاب استبيانًا من ثمانية أجزاء إلى مفتي مصر آنذاك الشيخ «جاد الحق» عام 1979. وطلب الباحث حلًا قانونيًا إسلاميًا بشأن أخذ الأعضاء من الأحياء والأموات والمصابين بالموت الدماغي. وردًا على ذلك، أصدر «جاد الحق» فتوى بأنّ الكلى يمكن أخلاقيًا التبرع بها من قبل المتبرعين الأحياء ويمكن التبرع بالعينين من جثث الموتى. ويعني الموت «فقدان كل علامات الحياة»، وهذا يعني أن التبرعات بالأعضاء من المرضى الميتين دماغيًا محظورة.

وفي الثمانينات، بدأ الرأي العام يتحول ضد التبرع بالأعضاء، وكذلك ظهر العلماء والشخصيات الدينية الشعبية الكاريزمية، مثل الشيخ «الشعراوي»، ضد الزرع بجميع أشكاله، على شاشة التلفزيون. وكانت حجة «الشعراوي» الشهيرة: «كيف يمكنك أن تعطي كلى لا تملكها بنفسك؟». وكان المنطق الذي استند إليه «الشعراوي»، أنّ «أجسادنا ملكٌ لله، مستشهدًا بالأمر القرآني ضد الانتحار على أنّه حرام». ووفقًا لكاتب سيرة حياته، فإنّ رأي الشعراوي تسبب في «صدمة هائلة وجدلًا في الفضاء العام».

وفي التسعينات، تحول الخطاب الديني مرةً أخرى، ولكن في هذه المرة لصالح التبرع بالأعضاء. وفي عام 1997، أعلن الشيخ «محمد سيد طنطاوي»، شيخ الأزهر الراحل، أنّه سيتبرع بأعضائه بعد وفاته. وكان إعلانه هذا دحضًا متعمدًا لرأي «الشعراوي». وقال: «لا أفهم لماذا يخشى الناس الموت ... وما يحدث لأجسادهم بعد وفاتهم. أرى أن ما يؤخذ من جثة الشخص بعد وفاته (...) حلالٌ، حلالٌ، حلال».

حين تسارعت وتيرة سرقة الأعضاء

بالرغم من وجود قانون عام 2010، لم يتم تطبيقه، وحين تمّ تطبيقه على استحياء، كانت العقوبات المفروضة على الاتجار غير المشروع بالأعضاء ضعيفة نسبيًا. ويفرض القانون عقوبة لا تقل عن حبس عام وبحدٍ أقصى خمسة أعوام على من يثبت إدانته بانتهاك القانون. ومع ذلك، فإنّ أقصى عقوبة قد صدرت بالسجن خمسة عشر شهرًا، وفقًا لقصة في صحيفة الأهرام الأسبوعية هذا الأسبوع.

وتزداد مشكلة سرقة الأعضاء أيضًا. ويتم سرقة الأعضاء بانتظام من الجثث، حتى في المستشفيات الحكومية (وقد تسببت فضيحة سرقة أعضاء في التسعينات في إغلاق اثنين من المراكز الكبرى). وطبقًا لتحالف ائتلاف حلول فشل الأعضاء، وهو منظمة دولية غير ربحية في مجال الصحة وحقوق الإنسان، أظهر تقريره لعام 2006 أنّ ما يقرب من 100 إلى 200 عملية زرع غير مرخصة تحدث كل عامٍ في مصر. وقد باع ما بين 80% إلى 90% من المانحين في البلاد أعضاءهم مقابل المال.

لنتابع الإفادة التالية في حالة سرقة عين، العام الماضي، وهي تؤكد الطبيعة النظامية للمشكلة. وهي إفادة لعامل مشرحة في مستشفى القصر العيني، أحد أكبر المستشفيات التعليمية بالقاهرة:

س: ماذا حدث بعد استلامك لجثة «زينب محمود»؟

ج: كتب مفتش الصحة تقريره عن حالة المتوفاة، وبعد ذلك أخذ الطبيب من بنك العين بالمستشفى عينة دم من المتوفاة، وكتب شيئًا وقال لي أن أحضر هذه الحالة إلى غرفة مجهزة داخل المشرحة. ثم أخذ الدكتور «جمال» القرنية من المتوفاة وسجل ذلك في سجلات بنك العين.

س: منذ متى يقوم أطباء العيون من بنك العيون في مستشفى القصر العيني بهذا الإجراء؟

ج: منذ بدأت العمل بالمستشفى.

وعلى الرغم من عدم الاحتفاظ بسجلات رسمية، إلا أنّ قضايا الاتجار عادةً ما تنطوي على أجنبي غني يدفع مبلغًا كبيرًا إلى جهة مانحة، إما أن يكون مواطنًا مصريًا يائسًا ماليًا أو، في بعض الحالات، لاجئ ما. ونشرت المجلة البريطانية لعلم الإجرام مؤخرًا دراسة عن ممارسات الاتجار بالأعضاء بين المهاجرين السودانيين في القاهرة، حيث أضافت هذه المجموعة إلى قائمة الأشخاص قليلي الحيلة الذين أُجبروا على بيع أعضائهم في مصر.

ثمن الاتجار بالأعضاء

في أبريل/نيسان، عُثرَ على جثث تسعة صوماليين على شواطئ الإسكندرية، وكانت جثثهم مخاطة بشكلٍ سيء وأجهزتها الحيوية مفقودة. ويُزعَم أنّهم كانوا مهاجرين استُأجِروا على متن قاربٍ متوجهٌ إلى إيطاليا. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقعت عشرات الاعتقالات في ما يسمى بـ «أكبر شبكة دولية لتجارة الأعضاء البشرية». وكانت المجموعة تتألف من أربعة وأربعين مشتبهًا بهم، من بينهم اثني عشر طبيبًا وثمانية ممرضات، ومجموعة من العرب والمصريين الذين استغلوا بعض الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها المواطنون حتى يشترون أعضاءهم البشرية ويبيعونها بمبالغ كبيرة من المال، وذلك وفقًا لبيانٍ صادرٍ عن هيئة الرقابة الإدارية في مصر، وهي هيئة لمكافحة الفساد. ولم تقتصر عمليات الاعتقال على أعضاء متواطئين من أصحاب المهن الطبية فحسب، بل قدمت دليلًا إضافيًا أيضًا على أنّ تلك الممارسات طويلة الأمد والسرية للتبرع بالأعضاء، شهدت عمليات تبرع تجارية.

وفي حين تم معالجة الرفض العام للتبرع بالأعضاء، سواءً من الناحية القانونية أو الاجتماعية، توجد رقابة قليلة من الدولة على هذه العملية. نتيجةً لذلك، فإنّ العديد من أعضاء المجتمع المصري الأشد فقرًا مستمرين في الوقوع ضحيةً للاتجار بالأعضاء.

المصدر | مفتاح

  كلمات مفتاحية

مصر اتجار بالبشر تجارة الأعضاء البشرية

تجارة الأعضاء حولت حياة آلاف الأفارقة بمصر إلى جحيم