عمان بعد «قابوس» .. المصير الغامض للخلافة ومخاوف الفوضى

الثلاثاء 16 مايو 2017 07:05 ص

بخلاف عدد قليل من حوادث العنف المحلية، تجنبت عمان الاضطرابات الإقليمية في السنوات الأخيرة مع الحفاظ على الاستقرار. ومع ذلك، تواجه السلطنة الآن العديد من التحديات التي من شأنها أن تعكر هذه الحالة، وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية، التي أعادت الاضطرابات العامة، فضلًا عن أزمة محتملة في مسألة الخلافة قد تنفجر مع وفاة السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد، حيث من غير المعروف من هو وريثه رسميًا. وهذه التحديات موجودة في العديد من الدول العربية ذات الأنظمة الملكية في الخليج، لكنّ الظروف الجيوسياسية والخصائص الفريدة لعمان تجعل هذه التحديات أكثر خطورة.

الأزمة الاقتصادية

وتعد الأزمة الاقتصادية تهديدًا كبيرًا لاستقرار عمان، وهي الأزمة الناجمة عن انخفاض الإيرادات الحكومية من بيع النفط. وبتمثيل النفط 80% من دخلها، تواجه الحكومة الآن ضغوطًا شديدة لتحقيق التوازن بين الحاجة إلى اجتياز الإصلاحات الاقتصادية مع الحاجة إلى الوفاء بشروط العقد الاجتماعي غير المكتوب مع سكانها، والذي يعد بالرفاهية مقابل الحفاظ على النظام السياسي القائم.

وفي شهر فبراير/شباط عام 2017، نزل العديد من العمانيين إلى الشارع للمرة الأولى منذ فبراير/شباط عام 2011. وهذه المرة، كانت شرارة الأزمة هي الزيادة الحادة في أسعار الوقود، حيث بدأت الحكومة في يناير/كانون الثاني عام 2015 تدريجيًا خفض دعم الوقود (في حين رفعت سعر الكهرباء والمياه). ونتيجةً لذلك، ارتفعت أسعار الغاز بنسبة 75% إلى نحو نصف دولار للتر الواحد. كما يجري النظر في تخفيضٍ إضافيٍ للدعم، على الرغم من أنّ هذا يعتبر الملاذ الأخير، نظرًا للقلق إزاء احتمال اندلاع اضطراباتٍ اجتماعية واسعة النطاق في البلاد. وبينما يشعر المواطنون العمانيون بالإحباط إزاء الوضع الاقتصادي القائم ويريدون القيام بدورٍ أكثر نشاطًا في شؤون الدولة، إلا أنّهم يريدون أيضًا تجنب إراقة الدماء والفوضى مثل تلك التي حلت بالعديد من الدول العربية منذ ربيع عام 2011.

وتعد احتياطيات النفط والعملات الأجنبية في عمان أقل من احتياطيات باقي أعضاء مجلس التعاون الخليجي. ولكي تتمكن الحكومة من تحقيق التوازن لميزانيتها، تحتاج إلى أن يصل سعر برميل النفط إلى 80 دولارًا. وبسبب الوضع الاقتصادي، تطلب عمان الحصول على الدفع مسبقًا مقابل النفط الذي تبيعه. وبالإضافة إلى ذلك، في يناير/كانون الثاني عام 2018، سوف تبدأ السلطنة، مثل باقي أعضاء مجلس التعاون الخليجي، في تحصيل ضريبة القيمة المضافة من مواطنيها. وعلى المستوى الحالي لأسعار النفط، من المرجح أن تتراجع احتياطيات العملة الأجنبية المتواضعة في سلطنة عمان بسرعة، إذا لم تقم الحكومة بالتزامن مع ذلك بخصخصة الأصول، واقتراض الأموال من الخارج، والحصول على مساعدات إضافية من جيرانها الأغنياء لمواجهة العجز في الميزانية. وتتعثر إمكانية استقبال المزيد من المساعدات الخليجية بسبب الضغوط المالية التي يتعرض لها أعضاء مجلس التعاون الخليجي الآخرين، وبسبب علاقات عمان مع إيران. وفي الواقع، يمكن لسلطنة عمان أن تتخلص بشكلٍ أفضل من الأزمة الحالية وتقلل من اعتمادها على النفط، وذلك من خلال الاستفادة من الاستثمارات الإيرانية على أرضها، وفي مقدمتها خط أنابيب الغاز بين الدولتين. وتأمل عمان أيضًا أن تقوم «إيران خودرو»، الشركة الإيرانية الكبيرة في صناعة السيارات، ببناء مصنع للصناعة في البلاد.

مسألة الخلافة

وكان قابوس (76 عامًا)، وهو أطول الزعماء العرب حكمًا، قد استولى على العرش من والده في شهر يوليو/تموز عام 1970، بمساعدة من بريطانيا العظمى والأردن. وبالنسبة لكثير من السكان العمانيين، فإن «قابوس هو عمان وعمان هو قابوس». ولا تعد شعبيته الهائلة من قبيل الصدفة، فقد أنهى قابوس التخلف والعزلة الدولية التي ميزت السلطنة لوقتٍ طويل. ولكن على خلاف ملوك الخليج الآخرين، لم يكن «قابوس»، الذي تزوج لفترة قصيرة، لديه أطفال ولا إخوة.

ويُعتقد، على نطاقٍ واسع، أنّ «قابوس» يعاني من سرطان القولون، وأنّ غيابه الطويل عن البلاد في الأعوام الأخيرة يرجع لأسبابٍ طبية. ونادرًا ما يظهر قابوس في الأماكن العامة. وقد ظهر في الصور الأخيرة وكان يبدو عليه الضعف الشديد. وبالتالي، يبرز القلق من أنّه سيكون من الصعب الحفاظ على الاستقرار السياسي للسلطنة بعد حكمه المطلق الذي يقترب من نهايته، حيث يسيطر «قابوس» على جميع المحافظ الحكومية الرئيسية.

وفي شهر مارس/آذار، عين «قابوس» ابن عمه، البالغ من العمر 63 عامًا، «أسعد بن طارق»، وهو رجلٌ عسكريٌ سابق، وكان الممثل الشخصي للسلطان منذ عام 2002، نائبًا لرئيس الوزراء، إلى جانب نائبٍ آخر لرئيس الوزراء، يبلغ 67 عامًا، وهو «فهد بن محمود». وتعد فرص هذا الأخير في خلافة «قابوس» ضئيلة، بالنظر إلى أنّ أم أطفاله ليست عمانية.

علاوةً على ذلك، يوجد شعور حول بنود وقوانين الخلافة العمانية وكأنّها قد جاءت من حكايات ألف ليلة وليلة، حيث تنص المادة 6 من الدستور العماني، الذي قدمه قابوس عام 1996، على أنّه في غضون ثلاثة أيام من لحظة خلو منصب السلطان، يختار «مجلس الأسرة» الخليفة. وإذا فشل أعضاء المجلس في التوصل إلى توافق في الرأي، فهناك رسالة للسلطان (في نسختين) قد أودعت في موقعين مختلفين في السلطنة، يتم فتحها. وستكشف الرسالة عن وريث «قابوس». ولذلك، توجد إمكانية لأزمة خلافة بسبب احتمالية الصراع بين مختلف فروع الأسرة أو بين الأسرة والجيش. علاوةً على ذلك، يمكن تصور أن تختار القبائل والمحافظات المختلفة، بما في ذلك ظفار، التمرد مرة أخرى.

قانون دقيق للتوازن

استخدم «قابوس» عائدات السلطنة، التي جاءت من بيع مليون برميل نفط يوميًا في المتوسط، لصالح مشروعٍ تنمويٍ واسع النطاق. كما نفذ سياسة خارجية محايدة تعكس موقع السلطنة الاستراتيجي وضعفها النسبي. وكانت هذه السياسة مرتبطة بالتركيب العرقي الفريد في عمان، وخاصةً الاعتدال الذي يتسم به معظم سكانها، وهم ليسوا من الشيعة ولا السنة، لكنّهم ينتمون إلى سلالة الإباضية، أحد المذاهب الإسلامية. ولعل هذا هو السبب في أنّ سلطنة عمان هي الدولة العربية الوحيدة التي ليس لديها مقاتلين بين صفوف تنظيم الدولة الإسلامية.

وكجزء من سياسة الحياد، وعلى النقيض من جيرانها، حافظت عمان على علاقاتٍ وثيقة جدًا مع إيران، لأنّ إيران ساعدت «قابوس» على تأسيس حكمه وقمع ثورة اندلعت سابقًا في ظفار. لذلك، ليس من المستغرب أنّ عمان لم تنضم إلى القتال في اليمن إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، بل إنّ البعض ينظر إلى عمان على أنّها «وكيلٌ إيراني». وقد تعززت هذه الصورة من خلال التقارير خلال العامين الماضيين التي أكدت على أنّ سلطنة عمان قد سمحت لإيران بتهريب الأسلحة عبر أراضيها إلى الحوثيين في اليمن. وانضمت عمان فقط إلى التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، الذي أنشأته المملكة العربية السعودية، دون ممارسة عملية ضد إيران، في ديسمبر/كانون الأول عام 2016، وذلك بعد عامٍ من إنشائه. ومن خلال اتخاذ هذه الخطوة الرمزية، تأمل عمان في الحد من الانتقادات والضغوط من قبل الرياض، وكسب نقاط قوة في المفاوضات للحصول على مساعدات اقتصادية من دول مجلس التعاون الخليجي.

وكذلك، تستغل عمان علاقاتها مع إيران باعتبارها نفوذًا مضاد للسعودية، وذلك للحد من نفوذها السياسي والديني. وعززت سلطنة عمان وإيران شراكتهما في مضيق هرمز، أهم ممر بحري في العالم، وهو ما عزز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين منذ انتخاب «حسن روحاني» رئيسًا لإيران.

علاوةً على ذلك، ساعد «قابوس» إيران على التوصل إلى الاتفاق النووي، حيث سبق أن قام «قابوس»، عام 2009، دون إبلاغ باقي الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، بالتوسط لدى الولايات المتحدة في التفاوض بشأن القضية النووية، والتي تحولت فيما بعد إلى محادثاتٍ سرية، انتهت باتفاقية العمل الشاملة المشتركة.

ويختلف موقف عمان تجاه (إسرائيل )أيضًا عن موقف جيرانها الخليجيين، وكان ذلك لأكثر من مرة، هو السبب في التوترات. وفي عام 1994، استضافت السلطنة، التي لم تقاطع (إسرائيل) تمامًا، الفريق الإقليمي المعني بالمياه (الناتج عن مؤتمر مدريد)، وفي عام 1996، وافقت على استضافة وفدٍ تجاريٍ إسرائيلي في عمان. وبعيدًا عن التعاون في مجالات مثل تحلية المياه والري، أُفيد بأنّ عمان قد تلقت مساعدة عسكرية إسرائيلية. وخلال الانتفاضة الثانية، أغلقت عمان البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية، إلا أنّ الدولتين استمرا في علاقتهما بشكلٍ سري.

ولا يسع زوار عمان التغاضي عن تفرد السلطنة، وهو عنصرً حاسمً في الحفاظ على استقرارها. لكن من الممكن للأزمة الاقتصادية وأزمة الخلافة المحتملة أن تضع هذا الاستقرار في اختبارٍ المستقبل القريب. ومنذ ما يقرب من نصف قرن، استخدم السلطان «قابوس» قدرته على التوسط والتوازن بين الجيران المعادين كمفتاح لسياسته الخارجية. ويمكن أن يُتوقع من خلفه الحفاظ على هذه الاستراتيجية التحوطية الحساسة، بدافع إرادة البقاء على قيد الحياة في تلك البيئة المعادية. ولكن مع تداعيات الساحة المحلية في السلطنة، قد يضر عدم الاستقرار في عمان بقدرتها على الاستمرار في لعب دورٍ مركزيٍ في التوسط والحد من التوترات الإقليمية.

  كلمات مفتاحية

سلطنة عمان قابوس السعودية إيران (إسرائيل)

سلطان بلا وريث حكم نصف قرن.. من هو قابوس بن سعيد؟

بعد قابوس.. عرش عمان ينتظر الوريث الغامض من بين هؤلاء