«الذهب الأزرق» يتحول لورقة ضغط سياسية: العالم على مشارف «قرن المياه»

الأحد 14 ديسمبر 2014 10:12 ص

أكد «المنتدى العربي الثالث للمياه»، الذي استضافته القاهرة في الفترة من 9 إلي 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري بمشاركة عربية وأوروبية، أن كثير من البلدان العربية تعاني من شح في المياه نتيجة انخفاض معدل هطول الأمطار والتصحر وغيرها من الأسباب التي تقف وراء تصاعد أزمة ندرة المياه من وقت لآخر، كما أن نصف موارد العالم العربي المائية تأتي من خارج حدود الوطن العربي، ما يسمح لدول أخري غير عربية باستخدام «الذهب الأزرق» كورقة ضغط سياسية علي العرب.

وقال خبراء المياه الذين اجتمعوا في المؤتمر علي أنه: «لا تشكل أزمة نقص المياه في الدول العربية، التي يبلغ إجمالي عدد سكانها نحو 388 مليون نسمة، قضية بيئية فقط، بل تنطوي على مخاطر سياسية وأمنية»، وأن زيادة الطلب على المياه وزيادة نسبة نمو السكان، التي تصل إلى أكثر من 3%، خاصة مع عدم تجدد مصادر المياه، تعد مخاطر متزايدة.

وقد ناقش «المنتدى العربي للمياه»، التحديات المائية العربية في عدد من الجلسات المغلقة التي تناولت العديد من المشكلات المائية التي تمثل تحديات للدول العربية، منها إمكانية استخدام المياه المالحة بعد معالجتها لاستخدامها بالزراعة في تحقيق الأمن الغذائي لشعوب الوطن العربي، حدود العالم العربي، كما أن معظم مواد المياه الجوفية بالعالم العربي غير متجددة مما يزيد من خطورة الموقف وما تمر به حاليا العديد من الدول العربية، والتي يضاف إليها مشكلة ندرة المياه في هذا الجزء من العالم.

وقد حذر خبراء سياسيون من رهن إرادة العديد من الدول العربية بواسطة سلاح المياه الذي يأتي لها من دول المنبع غير العربية، وقالوا أن المشكلة الرئيسية في قضية المياه أو ما بات يعرف «بالذهب الأزرق» بالمنطقة تتمثل في أن منابع الأنهار الرئيسية التي تحصل منها بعض الدول العربية علي احتياجاتها تقع في دول غير عربية، ما يجعلها في موقف الأضعف مع دول المنبع في حال نشوب أي خلاف سياسي، ويجعل من قضية المياه «ورقة للضغط السياسي».

وتضم المنطقة العربية 5% من سكان العالم، وتشغل 10% من مساحتها، ولكن يقل نصيبها من الموارد المائية العالمية عن 1%، ولا يتجاوز ما تتلقاه من هطول الأمطار السنوي في المتوسط نسبة 2.1%، في حين تشغل الصحارى أكثر من 87% من أراضي المنطقة العربية، ما يزيد من حدة الأزمة.

حيث أكد رئيس المجلس العربي للمياه «د. محمود أبوزيد» وزير الري المصري السابق، أن هناك شق سياسي لقضية المياه يتعلق ببعض دول الجوار، ما قد يكون أحد مسببات نزاع، وأن «موضوع المياه ليس موضوعاً فنياً فقط، لكنه موضوع سياسي يمكن استغلاله للضغط على الدول العربية لإضعاف موقفها للتأثير على الأمور الاقتصادية، وبالتالي المياه من أخطر الموارد التي تمس حياة الشعوب ومستقبلها وأمنها».

كما يشار أيضا إلى أن مساحة الوطن العربي تصل إلى 1.4 مليار هكتار، تشكل 10% من مساحة العالم، ويقدر حجم الموارد المائية العربية المتاحة في الوطن العربي بحوالي 295 مليار متر مكعب سنوياً، لا يستغل منها سوى 193 مليار متر مكعب، أي نحو 75% من الموارد المائية، منها 87% هي من نصيب قطاع الزراعة، في حين يستحوذ القطاع المنزلي والصناعة على النسبة الباقية من إجمالي الموارد.

من ناحية متوسط نصيب الفرد من الموارد المائية المتاحة في الوطن العربي تشير الإحصاءات إلى 890 متراً مكعباً سنوياً، وتشكل المساحة المروية في الدول العربية 15.7% فقط من إجمالي مساحة الأراضي المزروعة، ويتسم الاستخدام الحالي للمياه في الزراعة المروية، بكفاءة متدنية، إذ يبلغ حجم تسرب المياه أثناء النقل والتوزيع في الحقول ما يقارب 80 مليار متر مكعب، ويرجع ذلك أساساً إلى الأسلوب السائد في الري في الدول العربية، وهو الري السطحي التقليدي الذي يشمل 90% من الأراضي المروية في الوطن العربي، علماً أن كمية الأمطار التي تتساقط على الوطن العربي تصل إلى 2286 مليار متر مكعب سنوياً.

ومن بين الأزمات التي طرحت على طاولة المنتدى الثالث للمياه، أزمة مصر مع إثيوبيا بعد بناء سد النهضة، وأكد المشاركون على أهمية الدعم المطلق من جانب كل الدول العربية لمصر والسودان في مفاوضتها الجارية مع باقي دول حوض النيل، مع التأكيد على أحقية الشعب الإثيوبي في إقامة مشاريع تنموية له، لكن دون الإضرار بمصالح بقية دول حوض النيل.

ويقول «د. أحمد إبراهيم محمود» الخبير في الشئون الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أنه من بين المشاكل الرئيسية في قضية توزيع المياه في المنطقة العربية أن منابع الأنهار الرئيسية التي تحصل عليها الدول العربية تقع في دول غير عربية وهو ما يجعلها في موقف الأضعف مع دول المنبع في حال نشوب أي خلاف سياسي.

وضرب مثلا بمصر التي تقع كدولة مصب لدول حوض النيل دول المنبع، قائلا إنه «في حالة وجود أي خلافات سياسية بين مصر ودول حوض نهر النيل تستدعي على الفور قضية المياه أو ما بات يعرف بالذهب الأزرق، مشيرا للخلافات الناجمة عن عدم اعتراف بعض دول حوض النيل بشرعية الاتفاقيات التي وقعتها مصر منذ الاحتلال البريطاني لأفريقيا بشأن توزيع مياه النيل».

وأشار إلى أن «المشكلة تكمن في أن بعض دول حوض نهر النيل مثل كينيا وتنزانيا وأوغندا لا تعترف بشرعية اتفاقيات المياه القديمة خصوصا اتفاقية عام 1929 باعتبارها من موروثات العهد الاستعماري، كما أن أثيوبيا تراها غير ملزمة لها لأنها لم تكن طرفا فيها».

ولفت الخبير في الشئون الأفريقية إلى الأدوار الإقليمية والدولية في إثارة النزاع المائي، منوها إلي أن إسرائيل تسعى بين الحين والآخر إلى استغلال قضية المياه كورقة للضغط على مصر، ففي فترة ما بعد الإطاحة بنظام الرئيس الأثيوبي السابق «منجيستو هايل» استخدمت «إسرائيل» ورقة المياه في تحريض أثيوبيا لفتح ملف المياه مع مصر، كما دفعت تل أبيب الفنيين الإسرائيليين نحو مساندة أثيوبيا في بناء مشروعات مائية وتقديم الخبرات اللازمة لبناء السدود.

مناطق النزاع المائي

وبخلاف منطقة حوض وادي النيل، فإن أكثر المناطق عرضة للنزاع المائي بالمنطقة هي دولة تركيا من جهة وكل من سوريا والعراق من جهة ثانية، علي اعتبار أن تركيا تعتبر دولة المنبع لنهري دجلة والفرات، ودول العراق وسوريا هما دول المصب؛ وتتحكم تركيا كما تشاء في المياه الواردة لهما، تارة بإقامة مشروعات مائية، وأخرى ببناء سدود كما حدث في الستينيات والسبعينيات، وأكد على أن هذا الوضع يثير مخاوف بين الحين والآخر من تقليص حصة المياه التي تصل للعراق وسوريا.

ويدفع هذا تركيا لاستغلال وضعها كدولة منبع كأداة للضغط السياسي على دمشق وبغداد خاصة بعد توليها زعامة المنطقة ، وكان المثال الواضح علي استخدام تركيا للذهب الأزرق كورقة للضغط السياسي من قبل تركيا على سوريا في منتصف التسعينيات حينما أشهرت تركيا قضية المياه في وجه سوريا بعد أن أتهمتها بأنها تأوي عناصر حزب العمال الكردستاني الذي يسعى للاستقلال عن تركيا.

«قرن المياه» قادم بعد «قرن النفط»

ويحذر خبراء من تحول الصراع علي النفط في القرن الماضي لصراع علي المياه في القرن الحالي، حيث يؤكد الدكتور «مصطفى الفقي» أن القرن الماضي كان قرن النفط، أما القرن الجديد فهو قرن المياه، مما يعني أن الصراع القادم سيكون على المياه، لافتا إلي أنه في عام 2020 ستنخفض حصة المواطن المصري من المياه إلى النصف.

يذكر أن من بين أهداف الألفية الثالثة التي دعت إليها الأمم المتحدة والتي تنتهي منها المرحلة الأولى العام القادم خفض نسبة المحرومين من مياه الشرب وخدمات الصرف بنسبة 50% من الدول النامية ومن بينها الدول العربية.

لكن على ما يبدو أن الحقيقة أبعد كثيرا عن الأهداف لوجود بون شاسع بين مفهوم أخلاقيات المياه وربطه مع مفهوم إدارة المياه من خلال المبادرة الإقليمية لمواجهة ندرة المياه، وإدماج تكنولوجيا الاستشعار عن بعد بإدارة منظومة المياه، لمواجهة زيادة الطلب عليها بالمنطقة العربية، وكذلك الإدارة الرشيدة للمياه الجوفية بما يضمن استدامة هذا المورد وضمان حق الأجيال القادمة فيه .

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المياه الدول العربية مصر العراق سوريا تركيا إسرائيل

أزمة المياه فى المملكة تتفاقم: نجران "مدينة الآبار" تشكو العطش!

خبراء يحذرون من تفاقم أزمة المياه بالسعودية

استمرار أزمة انقطاع المياه فى بعض مناطق المملكة

14 دولة بالشرق الأوسط تواجه نقصا حادا في المياه بحلول 2040

البنك الدولي يوافق على مساعدات مالية للأردن بـ250 مليون دولار

السودان وإثيوبيا لم يردا على دعوة مصر لاجتماع حول سد النهضة

«أوراسيا ريفيو»: أزمة المياه في الخليج بحاجة إلى حلول جذرية

ارتفاع إنتاج السعودية من المياه المحلاة

مسؤول حكومي: مصر تسحب من المخزون الاستراتيجي للمياه