رمضان في الشام.. البهجة حاضرة رغم الوجع السوري

السبت 27 مايو 2017 12:05 م

من مكان لآخر، تختلف عادات المسلمين في شهر رمضان، حيث تفرض الخلفية الثقافية ظلالها على أجواء الاحتفال.

وعلى الرغم من أن الشهر واحد، والعبادات واحدة، إلا أن تعدد أجناس المسلمين وألوانهم وأعراقهم وألسنتهم وأراضيهم، كانت سببا بديهيا أن تختلف عاداتهم وتقاليدهم.

تبدأ التحضيرات لشهر رمضان قبل أسابيع من حلوله، وتستمر مظاهره حتى نهايته.

«الخليج الجديد»، يستعرض عادات وتقاليد العرب من الشام في رمضان..

فلسطين

البداية مع فلسطين، التي تبدأ احتفالاتها قبل بدء الشهر الكريم، بتزيين الشوارع والمنازل، وتعليق الأضواء والأهلة الملونة، والفوانيس في الطرقات والشوارع والأزقة.

وما أن يتم الإعلان عن تحري الهلال، حتى تصدح المساجد بالدعاء، والابتهالات معلنة الصيام، ويتجه المسلمون إلى المساجد لأداء صلاة القيام «التراويح»، ويخرج الأطفال حاملين الفوانيس التي تعد من التقاليد القديمة السارية المفعول حتى اللحظة.

ومن الأمور التي ينتظرها الجميع ومن ضمنهم الأطفال، صوت «المسحراتي»، الذي تستيقظ عليه الأحياء، بطقوسه المصاحبة لقدومه كالنقر على الطبل بقوة، وذكره لله عز وجل، والأناشيد الرمضانية العذبة التي تُوقظ النائمين: «اصح يا نايم.. وحد الدايم.. رمضان كريم».

وعلى الرغم من ندرة وجود «المسحراتي»، حاليا، إلا أن البعض لا يزال يمارس هذه المهنة للحفاظ على عادات قاربت على الانقراض.

وبالرغم من اقتناء غزة، مدفعا أثريا قديما برونزي اللون، مثبتا على منصة رمزية، أقامتها بلدية مدينة غزة قبل عدة سنوات بوسط المدينة، حيث كان يطلق قذائف صوتية وقت الفطور مع أذان المغرب، في كافة أيام شهر رمضان قبل احتلال غزة عام 1967، فإنه سيظل عاجزًا عن تلبية رغبة أهل غزه بإحياء تقليد يتذكره كبار السن في هذه المدينة الفقيرة، وذلك لأنه قديم ومعطل.

ورغم الحصار المفروض على غزة منذ سنوات، إلا أن العادات والتقاليد الرمضانية لا زالت حاضرة، فالإفطار الجماعي للأسرة أمر مقدس، حيث اعتاد الآباء والأبناء والأحفاد في فلسطين على تناول طعام الإفطار في منزل الأب أو أحد الأبناء بشكل دوري، كما اعتادوا على دعوة الأقارب والأرحام والأصدقاء مرة على الأقل لمشاركتهم وجبة الإفطار، الأمر الذي يزيد من اللحمة وقوة النسيج الأسري والاجتماعي.

كما يعد الإكثار من الصدقات في رمضان، عادة فلسطينية أصيلة، تتطور بإرسال الطعام إلى الجيران والأصدقاء والأسر المحتاجة، فقبل موعد أذان المغرب تبدأ الصحون تنقل بين المنازل.

وفي شهر رمضان، تضع النساء في العديد من الأسر جدولًا يوميًا يتناوبن فيه تحضير الطعام في بيت كبير العائلة، أو إحضار الطعام إلى بيته، كما أن كل الأبناء في بعض الأسر يعتادون نقل طعام إفطارهم إلى بيت والدهم، ليتناولوا معًا وجبة الإفطار ويأكلوا من طعام بعضهم.

كما يتميز رمضان في فلسطين، وخاصة في الضفة، بإقامة السهرات الليلية والحفلات العائلية، حيث يستمع المدعوون إلى الطرائف والنوادر من بعضهم البعض، ويستمتعون بالعزف على العود والطبل بمصاحبة الأناشيد والأهازيج الشعبية، حتى الفجر.

واعتاد الفلسطينيون، أن يشجعوا أطفالهم في سن مبكرة على صوم رمضان بعاده يسمونها «درجات الميدنة»، وهي ما يعادل نصف نهار، أو أقل بقليل، ثم يتدرج فيه الطفل، قليلا حسب استطاعته.

كما اعتاد أطفال بعض المدن والقرى الفلسطينية، أن يحمل كل منهم كيسا صغيرا من القماش يضعون فيه كل ما يحصلون عليه من مأكولات وحوائج يخرجونها حين الإفطار يسمونه كيس «التحويجات».

وفي ليلة السابع والعشرين من رمضان، كان الفلسطينيون يحيونها في المساجد بدءا بتناول إفطارهم فيه، والإكثار من الأدعية والصلوات وقراءة القرآن الكريم حتى مطلع الفجر.

وكان هناك من يسافرون إلى القدس ليحيوا هذه الليلة المباركة بجوار المسجد الأقصى المبارك، ولكن الآن لا يستطيع الفلسطينيون دخول القدس إلا من عمر معين، بسبب الاحتلال.

الأردن

يستقبل أهل الأردن شهر رمضان بالحفاوة والترحيب والتبجيل، ويبارك الجميع بعضهم لبعض بقدوم هذا الشهر المبارك، وإن كان الخروج لالتماس هلال رمضان ليس معتادًا عند أهل الأردن، إلا فيما ندر من الحالات، بل يعتمد عامة الناس هناك في ثبوت هذا الشهر الكريم على خبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.

ومع ثبوت وتأكد دخول شهر رمضان، يطرأ على الحياة شيء من مظاهر التغيير والتبديل، إذ تتغير فيه رتابة الحياة اليومية، فيأكل الناس في وقت واحد، ويجتمعون على مائدة واحدة، وقلما يتم لهم ذلك في غير رمضان.

كما وتقلل في هذا الشهر ساعات الدوام، وتمتلئ المساجد بالمصلين، وخاصة الشباب منهم، ويواسي الغني الفقير، ويأخذ القوي بيد الضعيف.

وتنشط الحركة العلمية والدعوية خلال هذه الشهر، وتعقد دروس العلم والوعظ، وحلقات تلاوة القرآن في كثير من المساجد، والتي يتولى الإشراف عليها إدارة الأوقاف والمساجد، حيث تسعى لاستقدام بعض أهل العلم من مصر والسعودية، لوعظ الناس وإرشادهم لما فيه خير الدين والدنيا.

ويتحمس الناس هناك لأداء صلاة القيام «التراويح» في جماعة، والتي تلقى إقبالاً بارزًا من الشباب، وتصلى في أغلب المساجد ثمان ركعات فقط، وقليل من المساجد تصلى التراويح فيها عشرين ركعة.

ويحرص الكثير من المساجد على ختم القرآن كاملاً في هذا الشهر، وقد يخرج بعض النساء أحيانًا لأداء صلاة التراويح في المساجد، كما وتلقى أحيانًا في العديد من المساجد أثناء صلاة التراويح بعض الكلمات الوعظية والإرشادية.

والمؤسف أن كثيرًا من الناس قد بدأ يفرط بسنة السحور، ومرد ذلك يرجع إلى ظاهرة السهر لدى الكثير منهم، إذ يمضون كثيرًا من الوقت في متابعة الفضائيات، أو في السهر في الخيام الرمضانية، والتي تستقبل زوارها وروادها حتى وقت متأخر من الليل، حيث يعوض فيها كثير من الناس ما فاتهم من الطعام والشراب في النهار.

أما «المسحراتي»، فلم يبق له وجود في الأردن إلا ضمن نطاق محدود، بل أصبحت هذه الشخصية من ذكريات الماضي، فقليل من أهل الأردن من يستيقظ لتناول طعام السحور، ومن يفعل ذلك منهم يعتمد على وسائله الخاصة في الاستيقاظ من النوم، بحيث لم تعد هناك حاجة لتلك الشخصية التي حافظت على وجودها وفاعليتها لفترة طويلة من الزمان.

وعلى مائدة الإفطار، يلتقي الأقرباء والأصدقاء، وذلك قبل أن ينفض الجمع لأداء صلاة التراويح في المسجد، ثم بعدها يلتئم الجمع من جديد، ويمضون ما بقي من الليل في خيام خاصة أعدت لهذا الغرض، يتبادلون فيها أطراف الحديث، تستمر إلى ما قبل الفجر، ثم يأوي الناس إلى فراشهم، ولا يستيقظون إلا في وقت متأخر من الضحى.

وأما سنة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان فيقيمها البعض، لكن المساجد تشهد في ليلة السابع والعشرين من رمضان حضورًا مكثفًا من الأردنيين، إذ يرى الكثير منهم أن هذه الليلة هي ليلة القدر، والتي هي خير من ألف شهر، فيمكث الجميع في المساجد إلى أن يؤذن الفجر، فيصلون الفجر ثم يذهبون إلى بيوتهم.

سوريا

عند الحديث عن رمضان في سوريا، يجب التفرقة بين زمنين مختلفين، رمضان الآن ورمضان قبل الثورة التي حولها نظام «بشار الأسد» إلى حرب قتل وشرد، فيها مئات الآلاف من السوريين طيلة الخمس سنوات الماضية.

رمضان قبل الثورة يبدأ الاستعدادات له مع بداية دخول شهر شعبان؛ إذ يأخذ الناس بالتزود بالمواد الاستهلاكية وما يحتاجون إليه، ويتزاور الناس قبل أيام قليلة من دخول رمضان، أو في أيامه الأولى ليبارك بعضهم لبعض حلوله، مرددين عبارات مميزة «ينعاد عليكم بالصحة والسلامة»، أو «إن شاء الله تعيشوا لأمثاله»، أو «شهركم مبارك»، ونحو ذلك من العبارات التي تقال باللهجة الشامية، والتي تعبر عن تمني الناس بعضهم لبعض الخير والبقاء لرمضان قادم.

المساجد خلال هذا الشهر كانت تشهد عمومًا نشاطًا ملحوظًا، فتعقد دروس التفسير والفقه والحديث، بعد صلاة الظهر والعصر، إلى جانب المحاضرات والندوات الدينية.

وصلاة القيام أو ما يطلق عليها «التراويح»، كانت تشهد إقبالاً من الناس، وأغلب المساجد لا تلتزم بقراءة ختمة كاملة من القرآن خلال الصلاة، لكن بعضها تلتزم هذه العادة وتحرص عليها، وبعضها الآخر - لكنه قليل - يقرأ ختمة من القرآن في صلاة التراويح، وختمة ثانية في قيام العشر الأخير من رمضان.

ومن العادات المتبعة أثناء صلاة التراويح عند أهل الشام أنهم بعد السلام من الترويحات الأربعة الأولى يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويترضون على «أبي بكر الصديق» رضي الله عنه، وبعد الترويحة الثامنة يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويترضون على «عمر بن الخطاب» رضي الله عنه، وبعد الترويحة الثانية عشرة يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويترضون على «عثمان بن عفان» رضي الله عنه، وبعد الترويحة السادسة عشرة يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويترضون على «عليٍّ بن أبي طالب» رضي الله عنه، وبعد تمام الترويحة العشرين يقولون بعض الأذكار ومنها: «يا حنان يا منان ثبت قلبنا على الإيمان، نرجو عفوك والغفران، وأدخلنا الجنة بسلام»، ثم يصلون الوتر.

ومن العادات التي كانت عند أهل سوريا، إحياء ليلة السابع والعشرين من رمضان، حيث يعتكف كثير من الناس في المساجد تلك الليلة لإحيائها، ويتناولون طعام السحور جماعة في تلك المساجد.

أما الاعتكاف في باقي أيام العشر، أو باقي ليالي رمضان فقل من يفعل ذلك، ويقتصر أغلب الناس على إحياء ليلة السابع والعشرين، والتي تتولى الإذاعة الرسمية نقل بعض وقائعها.

سنة السحور من السنن التي لا يزال يحافظ عليها أهل الشام، وإن بدأ بعض الناس يتهاون بها ويفرط فيها.

أما رمضان هذه الأيام، فقد حرم السوريون، من أبسط مظاهر الحياة، وبات موعدا لهم مع الألم، بفقدان عزيز شهيد، أو نازح أو معتقل، أو مقاتل على الجبهة، ويثير الحنين والشوق لتجمعات العائلات الصغيرة، وربما يلهيهم كد توفير أساسيات الحياة من طعام وشراب عن أحزانهم قليلًا، فالوضع المادي السيئ، والحرمان الشديد، لهما سطوة كبرى في انشغال السوريين عن معاناتهم، إلا أنهم لم ينسوا كثيرًا من الأوجاع.

فبدلا من مدفع الإفطار، بات السوريون يسمعون مدافع القصف والقنابل والبراميل المتفجرة التي تتساقط عليهم، فيذهب الكثير إلى ربهم صائمين.

وبعد أن كان رمضان عنوانا للم شمل العائلات على موائد الإفطار، يبدأ بشعور بالإحباط لدى شرائح واسعة من السوريين المحاصرين في مناطق عدة بسبب المعارك.

ففي مدن عدة محاصرة من قوات نظام «الأسد»، لا يجد أهلها المواد الغذائية أو الأدوية.

وفي أماكن أخرى، تزداد معاناة المدنيين، بعدما بات رمضان بحسب وصفهم، موعدا لإطلاق القنابل وقصف الطائرات.

روحانيا، في المناطق المحررة والتي يسطر عليها فصائل المعارضة، بات السوريون أكثر قربة لله، يصلون ويصومون ويتقربون إلى الله بالطاعات، ويزدادون في معرفة الدين وفهمه بالشكل الصحيح، والكثير ينتظرون قدوم هذا الشهر الفضيل.

وعند الإفطار، تستطيع العائلة السورية بالكاد الآن توفير طعام يكفيها، ما يجعلهم لا يستطيعون عيش الأجواء الرمضانية، وأبرزها العزائم المتبادلة، أبسط مظاهر الشهر، بين الأصدقاء والأقارب والجيران.

لبنان

ويتميز شهر رمضان المبارك في لبنان، بعادات وتقاليد دينية واجتماعية وثقافية، تكاد تكون موحدة بين مختلف المناطق اللبنانية، إلا أن بعضها اختص في عاداته وتقاليده بمنطقة دون أخرى وفقا للتوزيع الديموغرافي بين الطوائف الإسلامية، وتحديدا في الشمال والجنوب والبقاع مرورا ببيروت والضاحية الجنوبية لها.

وتعود بعض هذه العادات والتقاليد إلى مئات السنين ومعظمها مرتبط بحقبات تاريخية مرت علي لبنان.

وتختص مدينه طرابلس علي سبيل المثال بتقليد خاص في استقبال شهر رمضان، حيث تقوم فرق من الصوفية قبل حلول الشهر المبارك بعدة أيام بجولات في شوارع المدينة، ويردد المشاركون فيها الأناشيد والمدائح النبوية والأشعار في استقبال شهر الله، لتحضير الناس وتهيئتهم للصوم.

ومن عادات أهالي مدينة طرابلس في رمضان «زيارة الأثر النبوي» في جامع المنصوري الكبير، وهو عبارة عن شعره واحدة من لحية الرسول، صلى الله عليه وسلم، ويتزاحم الطرابلسيون لتقبيل هذا الأثر الشريف والتبرك منه.

ومن بين هذه التقاليد الرمضانية أيضا ما يعرف اليوم بـ«سيبانة رمضان»، وهي عادة بيروتية قديمة لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا، وتتمثل بالقيام بنزهة علي شاطئ مدينة بيروت تخصص لتناول الأطايب والمآكل في اليوم الأخير من شهر شعبان، قبل انقطاع الصائمين عن الطعام في شهر رمضان.

أما مدينة صيدا، فتختص بما يعرف بـ«فوانيس رمضان»، كتقليد سنوي يحافظ عليه الصيداويون ويعملون به حتى الآن.

وفي الجنوب اللبناني، لا يزال «المسحراتي» حتى اليوم، وفي العديد من القرى، يجوب المنازل يقرع أبوابهم بعصاه ينادي عليهم وقت السحر للقيام والتهيؤ للصوم عن الطعام والشراب.

ومن العادات والتقاليد، أيضا ما هو عام لا يزال يشمل مختلف المناطق اللبنانية، ومنها تزيين الشوارع والساحات العامة والطرق المؤدية إلى المساجد بالزينة الورقية الملونة والإنارة الكهربائية اللافتة التي تتدلي عادة من اعلي المآذن إلى أسفلها، ترحيبا بالشهر الكريم.

ومن التقاليد العامة في لبنان «مدفع رمضان»، وهو تقليد عرفه لبنان منذ العهد الفاطمي وقد ابتدعه القيمون علي البلاد لتنبيه الناس إلى الإمساك والإفطار.

ويتولي الجيش اللبناني حاليا مهمة القيام بهذا التقليد داخل المدن الرئيسية، لاسيما في بيروت، والضاحية الجنوبية ومدن طرابلس، وبعلبك وصيدا وصور.

ويقضي هذا التقليد بإطلاق ثلاث قذائف من النوع الخلبي من عند ثبوت شهر رمضان، لإشعار الناس بثبوت الشهر شرعيا ومثلها عند ثبوت شهر شوال لإشعارهم بحلول عيد الفطر السعيد، وإطلاق قذيفة واحدة من النوع نفسه قبيل حلول الفجر إشارة إلى الإمساك عن المفطرات، وقذيفة واحدة عند الغروب إشارة إلى حلول وقت الإفطار.

ويحيي اللبنانيون ليالي شهر رمضان بطرق مختلفة ومتفاوتة بين منطقة وأخرى، إلا أن معظمها يكون في المساجد والزوايا والتكايا حيث تقام مجالس الدعاء وتلاوة القرآن الكريم.

وعرفت بيروت وبعض المدن اللبنانية الأخرى في السنوات الأخيرة عادة «الخيام الرمضانية»، التي يرتادها بعض الناس لتناول طعام الفطور، والسهر، التي تستمر حتى الفجر.

العراق

لشهر رمضان في العراق، كسائر بلاد المسلمين في أرجاء المعمورة، طعم خاص.

حيث يبدأ الناس بالتحضير لهذا الشهر الكريم من خلال تجهيز المساجد لاستيعاب المصلين، الذين تعج بهم المساجد في هذا الشهر أكثر من أي وقت آخر.

ويبادر الناس إلى شراء المواد الغذائية التي يحتاجونها في وجبات إفطارهم وسحورهم، والتي تشتمل عادة على المواد الغذائية الأساسية، إضافة إلى الحلوى، والعصائر، إلخ.

والملفت في رمضان في أهل العراق أن نسبة كبيرة منهم يلتزمون بتعاليم هذا الشهر الكريم من صيام، وقيام، وتلاوة للقرآن الكريم، فتجد ذلك حتى بين صغار السن ممن هم دون سن التكليف، إذ يحرص أولياؤهم عادة على أمرهم بالصيام وغيره من العبادات تدريبًا لهم على العبادات في صغرهم.

ومن بين العادات التي يمارسها العراقيون في ليالي رمضان، هي لعبة «المحيبس» التي تضم فريقين من الرجال، يقوم أحد أفراد الفريق الأول بإخفاء خاتم بإحدى يديه، فيمد جميع أفراد الفريق أيديهم مقبوضة، ليحزر أحد أعضاء الفريق الآخر في أي يد يوجد الخاتم، فإن نجح في ذلك أخذ الخاتم لفريقه ليقوموا بنفس العملية.

يتخلل هذه اللعبة تناول المشروبات المرطبة، والحلوى التي تعد خصيصًا لمثل تلك الليالي الرمضانية، كما تخصص للفريق الفائز هدايا معينة.

ومن العادات في هذا الشهر كثرة الزيارات بين الجيران والأقارب في ليالي رمضان، يتناول خلالها المتزاورون أطايب الطعام، وأنواع الحلوى، ومختلف العصائر.

ومما اعتاد عليه العراقيون في شهر رمضان، جلسات الإفطار الجماعية التي تلم شمل الأقارب، فيجلس الرجال في مكان والنساء في مكان آخر لتناول وجبات الإفطار.

ويشد انتباه الداخل إلى المساجد العراقية لأداء صلاة التراويح كثرة المصلين من مختلف الفئات العمرية، وخاصة الشباب والأطفال، وهذا يشير إلى الصحوة الإسلامية التي يشهدها أهل هذا البلد في العقدين الأخيرين.

وفي الثلث الأخير من شهر رمضان، يستعد الناس لاستقبال عيد الفطر من خلال تزيين البيوت لاستقبال المهنئين من الأقارب والأصدقاء.

ويتم أيضًا تجهيز ألعاب الأطفال في الساحات والحدائق. ناهيك عن إعداد الحلوى، والعصائر، والمكسرات التي تقدم للضيوف والزوار.

ولكن ليس هذا حال كل العراق، ففي الفلوجة، غرب العراق، لا شيء يبعث على فرحة رمضان حيث لا يزال حوالي خمسين ألف شخص محاصرين ويستخدمون كدروع بشرية من تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي يسيطر على المدينة، في ظل عملية عسكرية تقوم بها القوات الحكومية العراقية مدعومة من ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية.

والمدينة محاصرة منذ أشهر، والعائلات التي بقيت فيها هي التي لم تتمكن من الرحيل.

وتعاني المدينة العراقية من انقطاع في المياه العذبة منذ أشهر طويلة، ويقول السكان أن عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» يستحوذون على غالبية المواد الغذائية لأنفسهم.

اليمن

يرتبط رمضان ارتباطا وثيقا مع أصالة اليمن وعمقه الحضاري، وتبدأ العادات منذ اللحظة التي يتحرّى الناس فيها رؤية الهلال قبيل رمضان، وفي الغالب تُعتمد رؤية أهل الساحل أكثر من غيرهم من أهل الجبال.

وهناك عادة اجتماعية كانت موجودة إلى عهد قريب، وهي أنه إذا أُعلن عن غد أنه رمضان، يقوم الأطفال بأخذ أكوام من الرماد ويجعلونه على أسطح المنازل على هيئة أوعية دائرية، ثم يصبون فيها الجاز ويشعلونها، وقد اندثرت هذه العادة في المدن ولازال البعض يمارسها في القرى.

في الصباح الرمضاني، لا تكاد تجد أحدا مستيقظاً، تكون الشوارع خالية والمحلات مقفلة، سوى محلات قليلة جدا يلجأ الناس إليها عند الحاجة الملحّة، ويتأخّر الدوام الحكومي.

وأما عند الظهر فيلاحظ على المساجد امتلاؤها، حيث يقبل الجميع إلى الصلاة.

وبعد الصلاة يظل أغلب الناس في المساجد يقرؤون القرآن ويذكرون الله تعالى، ويصطحب الناس معهم أولادهم كي يشاركوهم في هذا الأجر.

وعندما يقترب أذان المغرب، يستعدّ الناس للإفطار بحيث يأتي كل واحد منهم بشيء من إفطاره إلى المسجد، ليجتمعوا هناك ويفطروا معاً، فيقوم الناس بفرش مائدة طويلة تّتسع للمتواجدين في المسجد ويضعون فيها الأطعمة والمشروبات المختلفة، بحيث يجتمع المصلّون على هيئة صفوفٍ ويكون الأكل جماعيّا.

وبعد الصلاة يرجع الناس إلى أهاليهم كي يتناولوا إفطارهم الثاني، ثم يقوم الجميع بالتجهّز للصلاة، ويلاحظ أن وقت الإقامة يُؤخّر نصف ساعة مراعاة لأحوال الناس، ويصلّي الناس أحد عشر ركعة وبعضهم يصلّي إحدى وعشرين ركعة، وبعد كل أربعة ركعات يأتي أحد المصلّين ويقوم بتطييب بقية المصلين، وقد يضعون الماء المبخّر في المسجد.

فإذا انتهت الصلاة في المسجد، ينفضّ الناس إلى أعمالهم أو بيوتهم، ويقوم الأغلب في الذهاب إلى ما يُسمّى بمجالس القات، وهي تكتّلات شعبية يجتمع فيها أهل اليمن بأطيافه المختلفة لأكل القات غالبا.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الشام عادات طقوس رمضان احتلال شهر رمضان سوريا الأردن فلسطين