«فورين بوليسي»: الحرب بين السعودية وإيران تصل إلى قلب واشنطن

الخميس 15 يونيو 2017 07:06 ص

يستهلك التنافس بين المملكة العربية السعودية وإيران الشرق الأوسط في حروب بالوكالة من اليمن إلى سوريا، والآن في الخلاف الدبلوماسي مع قطر، لكن الصراع بينهم أيضا تجلى في أحد صوره في حرب كلامية وصلت إلى شواطئ الولايات المتحدة لتندلع في عاصمة البلاد.

الانقسام العميق ينعكس في واشنطن

وقد أدى التباين الأخير الذي حدث من تقابل صور «ترامب» في الرياض، مغموراً بالتفاخر السعودي أو واضعاً يديه على الكرة المتوهجة، مع الإيرانيين المتهللين في شوارع طهران، محتفلين بإعادة انتخاب الرئيس «حسن روحاني»، إلى اندلاع موجة من التراشقات عبر تويتر ومقالات الرأي في بضعة أيام، لتهاجم أو تدافع عن الإيرانيين والسعوديين.

وفي رد فعل على الثناء على تويتر والذي وُجّه للانتخابات الإيرانية، قال المصرفي السعودي «علي الشهابي»، الذي أنشأ مؤخراً مؤسسة العربية في واشنطن، مهاجماً: «كان لإيران ثورة، قتلت مئات الآلاف من شعبها، وانتخابات لوظائف بلا سُلطة، بينما يحكم المرشد الأعلى غير المنتخب».

وكتبت الصحفية «آن آلباوم» من واشنطن بوست في مقال لها، متحدثة عن صور «ترامب» التي يتمايل فيها إلى جانب الملك «سلمان» في رقصة ترحيبية، واصفة إياها بأنها «طقوس شريرة جميع أفرادها من الرجال»، بينما تساءلت «آمي هوثورن» من مؤسسة مشروع الشرق الأوسط للديمقراطية قائلة في تغريدة لها: «شخصياً، أجد أن صور الأحزاب الانتخابية اليوم في إيران أكثر جاذبية بكثير من المشاهد المَلَكيّة الذكورية بأكملها في المملكة السعودية».

هناك الكثير من الانتقادات بالطبع لكلٍ من البلدين، لكن المراقبين للخليج في واشنطن مُرابطون في مواقعهم، مع مساحة لا تتسع للاختلافات الدقيقة، ما يعكس الانقسام العميق في المنطقة نفسها.

الصراع يدور بشكل أكثر خفاءً

الدوامة تدور في الولايات المتحدة بشكل أكثر خفاءً، فعلى سبيل المثال،عندما جاءت سلسلة من المعارض والتجمعات التي تعرض الفن الإيراني المذهل إلى واشنطن، اشتكي لي أحد أصدقائي المنحاز في تفكيره إلى دول الخليج العربية، قائلاً إنها دعاية لمساعدة الإيرانيين على تلميع صورتهم في الولايات المتحدة.

 أيضاً عندما ينشر وزير الخارجية الإيراني «محمد جواد ظريف» بشكل متكرر في نيويورك تايمز، بما في ذلك ما بعد زيارة «ترامب» للسعودية مباشرة، يرى الأصدقاء والدبلوماسيون السعوديون تحيزاً في الإعلام، يغذي اعتقادهم هذا الانفتاح السابق للرئيس أوباما تجاه إيران، بالإضافة إلى ما رآه البعض تعالياً منه على السعودية.

وكرد فعل على ذلك، بدأ السعوديون في إغراق الولايات المتحدة بالأموال والمال والمسؤولين والفن والنقاد، ففي الأشهر القليلة الماضية استضافت واشنطن عدداً كبيراً من التجمعات، بداية من الحوارات الثقافية مع أمينة معرض الفن السعودي «منى خزندار»، وهي أول امرأة تشغل منصب المديرة العامة لمعهد العالم العربي، ونهاية بمؤتمر من يوم واحد عُنون باسم «تحول المملكة العربية السعودية»، والذي عرض التطورات الاجتماعية والاقتصادية في المملكة، من قِبل معهد دول الخليج في واشنطن والذي تموله الإمارات.

ورقة اللعب هي الإرهاب

إن النقاش حول ما إن كانت السعودية أو إيران هي الأفضل كحليف لأمريكا، تتمركز حول نقطة الأفضلية في قيادة الحرب ضد التطرف، و«ظريف» لا يفوت فرصة لتذكير العالم بأن 15 من أصل 19 خاطفاً خلف هجمات 11 سبتمبر، كانوا مواطنين سعوديين، وقد قال هذه الحقيقة في مواجهة نظيره السعودي خلال اجتماع.

واتهمت قوات الحرس الثوري الإيراني المملكة السعودية بالمسئولية عن الهجوم المزدوج الذي وقع في وسط طهران الأسبوع الماضي، وفي الوقت نفسه، يسارع السعوديون إلى الاتهام بالدعم الإيراني للميليشيات الشيعية في العراق والمجموعات المسلحة مثل حزب الله.

تراشق الاتهامات وتلميع الذات

الرسالة السعودية لها صدى بين صناع القرار الأمريكيين، فقد قال لي أحد المفاوضين النووين الأمريكيين أنه حينما كان في الغرفة مع «ظريف» الضاحك المبتسم، فإنه كان يستدعي إلى ذاكرته الرجل الخطير «قاسم سليماني»، وهو قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، والتي تدير الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا، تذكيراً بدور إيران الشائن في المنطقة.

يعمل السعوديون أيضاً  بجد على تلميع صورتهم، هدفهم هو فصل فهم الوهابية عن التطرف، وقد دفع المؤيدون للمملكة بهذا الهدف بشكل مكثف في المقالات والتجمعات، مثل ذلك الذي استضافته المؤسسة العربية في 7 يونيو/حزيران بعنوان: «الوهابية والإرهاب: هل السعودية هي مشعل الحرائق أم الإطفائيّ؟» وقد انحاز النقاش بشدة لصالح كونها الإطفائي.

وقد تيقظ المسؤولون السعوديون على فكرة أنهم يحتاجون لهزيمة ظريف في لعبته، فانتقلوا من شجب سلوك إيران السئ فحسب، إلى تقديم رسالة أكثر إيجابية بشأن الإصلاح والثراء الثقافي في المملكة العربية السعودية وجعلها أكثر قابلية للتصديق مدعومة برغبة الإصلاح لدى ولي ولي العهد الشاب «محمد بن سلمان».

وبعيداً عن محاربة التطرف، فإن السؤال الموجود تحت السطح هو: أي دولة واعِدة أكثر على المدى الطويل؟ أي من إيران أو السعودية يمكنها أن تكون الاكثر شبهاً ب الغرب؟

الإدارة الأمريكية راهنت على إيران سابقا

وحتى وقت قريب، بدا أن الإجابة من صناع القرار الأمريكيين هي في إيران بغض النظر عن مدى بُعد طريقها المستقبليّ عن المثالية، هذا هو ما سمعناه من المسؤولين في إدارة «أوباما» في السر –إن لم يكن في العلن- عندما كانوا يدافعون عن السياق الأوسع للاتفاق النووي.

وفي بلد بوجد فيه انتخابات رئاسية وبرلمانية وبلدية، بالإضافة إلى مجتمع مدني نابض بالحياة وقرون من التاريخ الغني، فإن المسؤولين الأمريكيين ألمحوا بهدوء إلى أن الاتفاقية النووية ستسمح للسكان الأكثر موالاة للولايات المتحدة في المنطقة، بممارسة مزيد من النفوذ على النظام الاستبدادي ببطء.

لكن الأشخاص الذين تتجسد فيهم الفلسفة التشاؤمية، والذين كانوا موجودين في كل من إدارتي «أوباما» و«ترامب»، أو كما يصفون أنفسهم: الواقعيين، يرون أن قيود التحول إلى الليبرالية في الجمهورية الإسلامية صعبة جداً.

فقد تغلغل الحرس الثوري الإيراني إلى كل جوانب الحياة السياسية كما إن لديهم قبضة قوية على الاقتصاد، والمرشد الأعلى لديه الكلمة الأخيرة على كل شئ تقريباً، كما إن فكرة «تصدير الثورة» تم عجنها في الدستور الإيراني.

إن التغييرات المطلوبة من إيران كي تتحول إلى لاعب مقبول على الساحة الدولية، مثل تخلي الحرس الثوري عن السلطة، وجعل دور المرشد الأعلى احتفالياً أكثر منه سلطوياً، لا يبدو أنها تلوح في الأفق.

السعودية لم تكن أفضل حالاً

ولكن، بغض النظر عن الموقف الكئيب الذي تبدو عليه إيران، فلم يكن هناك حتى وقت قريب جهد تقريباً لبناء مستقبل أكثر ليبرالية في السعودية، حيث تحكم «الشريعة» المملكة العربية السعودية، مدعومة بالقانون الأساسي للحكم الذي صدر في عام 1992، ولديها مئات الأمراء الذين لا يعتدون بالنظام، وقد عقدت انتخابات البلدية مرتين من قبل فقط، كما إن مجتمعهم المدني متصلب، فهناك التأثير الديني الطاغي، كما إن المجتمع أكثر تحفظا من حكامه. (وصحيح أن النساء لا يستطيعون القيادة هنا ويواجهون عدداً كبيراً من القيود، إلا إن الناشطات السعوديات أخبرنني أن ما يحتجنه أبعد من من الحق في القيادة، إنهن يحتجن نظاماً يعترف بحقوق جميع المواطنين).

ومع ذلك، فإن المملكة لديها حالة أفضل قليلاً مما كانت عليه قبل سنوات، كما لديها وليّ ولي العهد السعودي الذي يحاول دمج خطة إصلاح اقتصادي واجتماعي، و يقول إنه يريد دحر موجة «التطرف الديني» المحافظ في المملكة، والذي بدأ منذ 1979.

تغيير من الأعلى في السعودية وانتقادات

وقد خفضت المملكة العربية السعودية في العام الماضي بشكل دراماتيكي من سلطات الشرطة الدينية، كما يقول «محمد بن سلمان» أن لديه خطة لمواجهة أي رد فعل عنيف من رجال الدين المتدينين الذين لا تعجبهم الإصلاحات، وقد أقيمت حفلات موسيقية وعروض مصورة ومعارض فنية في المملكة في الأشهر الأخيرة، وواجهت انتقادات من رجال الدين وعشرات الآلاف من السعوديين الذين اشتكوا على مواقع التواصل.

وكانت آخر مرة بدأت فيها البلاد في برنامج شامل للإصلاح والتحديث، بما في ذلك إدخال التلفاز في الستينيات، قد أدت في النهاية لاغتيال الملك «فيصل» في 1975.

وأجل آل سعود خطط الإصلاح إلى أجل غير مسمى في أعقاب الثورة الإيرانية والهجوم على مكة من قبل المتعصبين السعوديين في 1979، عندما كانت المملكة تخاف من أن إغضاب مؤسستها الدينية سوف يهدد بقاء العائلة المالكة.

صراعٌ لا يتوقف عند النقاشات

ولكن، في الحين الذي ينشغل فيه السعوديون والإيرانيون بالتنافس على اعتراف أمريكا والحصول على موافقتها، فإن شدة التنافس بينهما خارج حدودهما يعني أيضاً موجة من الحرب والعنف والانقسامات الطائفية في أنحاء المنطقة.

ولهذا، فحتى عندما يكتب الجانبان المقالات التي تنادي بالاعتدال والإصلاح، ويقومان بترتيب الحفلات والمعارض الفنية للأجانب، وتراشق التغريدات على تويتر، فإن سوريا واليمن يتم تحويلها إلى أنقاض، ومن يدري ما سيؤول إليه الصراع في قطر؟

 ولكن دعنا من هذا ولنهتم بحصول السعودية قريباً على منتزه «سيكس فلاجز»، كما يمكننا أن نشغل أنفسنا بالسخرية من بضعة مراهقين صغار، يستمعون إلى أغنية روك في شوارع طهران.

من العار أن الشباب السعوديين والإيرانيين لا يمكنهم على الأقل أن يتحمسوا للتغييرات التي تحدث في بلدان بعضهم البعض، هذا سوف يستلزم رقصة أخرى بالسيف مثل تلك التي قام بها الأمير الشاب «سلمان» لدى زيارة شاه إيران في 1978 عندما كانت الدولتان متنافستين ودودتين، وهو العصر الذي يبدو الآن كأنه من العصور القديمة في عالم آخر.

المصدر | فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران ترامب محمد بن سلمان