«إيكونوميست»: حصار قطر يحطم الأعراف الاجتماعية والقبلية في الخليج

السبت 17 يونيو 2017 09:06 ص

كان العداء القبلي بين آل ثاني وآل خليفة وآل صباح وآل سعود هو القاعدة الحاكمة لمدة قرون. ومع بدايتهم من نجد، الصحراء القاحلة لشبه الجزيرة العربية، فإنهم تنافسوا معا للحصول على أفضل المواقع الساحلية لإطلاق غارات القراصنة في الخليج. ولكن حتى في ذروة الخوف، فإنهم دوما ما كانوا يراعون القواعد غير المكتوبة للملجأ والضيافة. وعندما أصبحت القبائل دولا بعد خمسة عقود،  ظلت شعوبها تسافر وتعيش وتتزوج عبر الحدود المخطوطة في الرمال. ربما يسحب الشيوخ سفراءهم عندما تستشيط المشاعر، ولكن حتى عندما ذهب العاهل السعودي إلى الحرب في اليمن عام 2015، فإن أوضاع مليوني يمني يعيشون في المملكة ظلت كما هي لم تمس.

بالنسبة إلى عرب الخليج، فإن طرد القطريين من قبل البحرين والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في 5 يونيو/حزيران هو أكثر صدمة من إعلان الحرب. كان ذلك بمثابة تمزيق للأعراف السائدة، وبعد مرور أسبوعين على المغادرة، يخشى الأزواج السعوديون أن يفقدوا سبل عيشهم إذا اتبعوا زوجاتهم القطريات. وكانت طوابير القطريين على المعبر الوحيد مع السعودية تمتد لأميال. وأصبحت الكثبان الرملية حواجز تحول دون دخول الناس والبضائع، بما في ذلك الكثير من إمدادات قطر الغذائية. وأصبحت الكثبان الرملية حواجز تحول دون دخول الناس والبضائع، بما في ذلك الكثير من إمدادات قطر الغذائية. وجرمت الإمارات أي تعبير عن التعاطف مع قطر بما في ذلك التغريدات. وقطعت العلاقات الدبلوماسية، وأغلقت الروابط الجوية والبرية والبحرية بين قطر والدول الثلاث المجاورة، وكذلك فعلت مصر واليمن.

ورغم أن المناوشات بين قطر وجيرانها ليست أمرا جديدا، لكن التفسيرات المقدمة للقطيعة غير المسبوقة ليست كافية. قبل أسبوعين فقط، كان الأمير القطري يقف مبتسما جنبا إلى جنب مع أولئك الذين يحاصرونه اليوم. وفي عرض للوحدة فإنهم قاموا جميعا باستقبال الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» في الرياض. وتتهم السعودية قطر بدعم الإرهاب رغم أن المملكة لا تزال في دائرة الاتهام حول مواطنيها الذين شاركوا في أحداث 11 سبتمبر/أيلول. تزعج علاقات قطر مع إيران أيضا رجال الدين والأمراء في السعودية ولاسيما التنمية المشتركة والمتوسعة في جنوب بارس، أكبر حقل للغاز في العالم. ولكن الكويت وعمان تسيران على نفس المنوال مع إيران، كما أن دبي، إحدى الإمارات السبع لدولة الإمارات، وفرت أكبر باب خلفي لطهران حين تم فر عقوبات عليها.

وتزعج طموحات عائلة آل ثاني إلى لعب دور عالمي بقية حكام الخليج. وسعت الدوحة إلى زيادة نفوذها من خلال توفير ملاذ آمن للإخوان المسلمين، وهي الحركة الإسلامية الأولى في العالم العربي. وجد الدبلوماسيون في الدوحة مكانا يتحدثون فيه إلى الإسلاميين بمن فيهم «يوسف القرضاوي»، المنظر الأبرز للإخوان، و«خالد مشعل» الذي كان حتى وقت قريب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. كما استضافت الدوحة الإسلامي الجزائري «عباس مدني» وعدد من قادة طالبان. وقد ساعدت إمبراطوريتها الإعلامية وفي القلب منها قناة الجزيرة على توصيل رسالتها إلى الجمهور، ووفرت منصة للمعارضين في جميع أنحاء العالم العربي إبان الربيع العربي عام 2011. ولاحقا دعمت الدوحة الإسلاميين في منافستهم على السلطة في هذه البلدان.

غير أن شبه الجزيرة العربية ليست كبيرة بما فيه الكفاية لتحقيق جميع طموحات الحكام. ونمت الخصومات مع كل صراع حول إنشاء مراكز الشحن العالمية، وشركات الطيران، ووسائل الإعلام، والقوات الاستطلاعية والمناطق المالية. قبل جيل من الزمان، كان الخليج خاضعا لقيادة زمرة همها الأول هو الاستقرار. ولكن البترودولار وترسانات الأسلحة ومباركات «ترامب» حولت أحفادهم إلى مستبدين مغرورين مع موهبة خاصة في إشعال النيران وليس المساومة. ويقال أن الشاب السعودي ولي ولي العهد، والحاكم بحكم الأمر الواقع، «محمد بن سلمان»، يحب أن يطلق عليه لقب «الإسكندر الأكبر».

في الوقت الراهن، فإن آل ثاني لديهم وسائل لتحمل الضغط. وتعد المشيخة أكبر مورد في العالم للغاز الطبيعي المسال. يمكن للسيد «ترامب» أن يحتفي بحصار قطر في التغريدات، لكنه لا يزال يتعين عليه اعتبار ما يقرب من عشرة آلاف جندي أمريكي متمركزين في العديد، أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط. وتدرك مصر أيضا، التي قطعت علاقاتها مع قطر، أن الدوحة يمكنها أن تنتقم من خلال طرد عمالها إذا أعاقت مصر عبور صادراتها عبر قناة السويس. حتى دولة الإمارات العربية المتحدة تتحسب من أن تغلق قطر خط أنابيب الغاز الذي يزود سوقها المحلية.

لكن الأمور يمكن أن تصل إلى أبعد من ذلك بكثير. وبعد أن أغلقت المملكة العربية السعودية الحدود البرية الوحيدة مع قطر، عرضت إيران تعويض النقص. وإذا ما انحرفت قطر إلى المدار الإيراني، فإن المسؤولين الخليجيين يحذرون من إن المزيد من «التدابير العقابية والاقتصادية» يمكن أن تأتي.

سيكون هناك عدد قليل من الفائزين. إن الحظر المفروض على شركات الطيران يضر بالسياحة في جميع دول الخليج في الوقت الذي يسعون فيه لتنويع اقتصاداتهم. ويعاني المستثمرون الأجانب بالفعل من أشباح عدم الاستقرار بفعل الحرب في اليمن. ويبدو أن اقتراح السيد «ترامب» الأخير بشأن حلف الناتو العربي قد أجهض، كما تتعقد خطط مجلس التعاون الخليجي لصياغة سياسة خارجية واقتصادية مشتركة. ولحسن الحظ فإن عالم اليوم لا يحوي قوة عظمى أكثر تركيزا على الدبلوماسية وأقل اهتماما ببيع الأسلحة.

  كلمات مفتاحية

قطر حصار قطر الإمارات السعودية