خاص: تفاصيل التفاهمات الأخيرة بين «بن نايف» و«بن سلمان»

الخميس 22 يونيو 2017 08:06 ص

فجر الأربعاء.. أصدر العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبدالعزيز» أمراً ملكيا بتعيين نجله المدلل «محمد بن سلمان» ولياً للعهد بدلا من الأمير «محمد بن نايف»، الذي تم إعفاؤه من جميع مناصبه.

خطوة مفاجئة ومثيرة، لكنها كانت متوقعة، واستغرق الإعداد لها أشهر طويلة، منذ أن ارتقى الملك «سلمان» (81 عاماً) سدة العرش في 23 يناير/كانون الثاني 2015؛ حيث تم في اليوم ذاته تعيين «بن سلمان» (32 عاماً) وزيراً للدفاع، ثم رئيساً لـ«مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية» في 29 يناير/كانون الثاني 2015، فوليا لولي العهد في29 أبريل/نيسان من العام ذاته؛ ليتم المضي سريعاً في رحلة تعزيز نفوذ وصلاحيات الأمير الشاب، وتنحية عمه «بن نايف» من المشهد تدريجياً حتى بلغ لحظة الأفول أمس.

ووفق ما أفادت به مصادر مطلعة في الرياض، لـ«الخليج الجديد»، كان الترتيب أن تتم خطوة تعيين «بن سلمان» ولياً للعهد، وتنحية «بن نايف» من المشهد خلال الفترة الانتقالية بين إدارة الرئيس الأمريكي السابق «باراك أوباما» والرئيس الحالي «دونالد ترامب»؛ أي عقب إعلان فوز «ترامب» بمنصب الرئاسة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وقبل أدائه اليمين الدستورية في 20 يناير/كانون الثاني 2017. 

لكن هناك عدة عوامل جعلت الملك يتريث في تلك الخطوة، حسب المصادر ذاتها؛ إذ تم، آنذاك، عرض الأمر على «بن نايف»، لكنه رفض، كما أعطى «أوباما» رداً غامضاً بشأن الأمر ذاته.

موقف «بن نايف» وتصلبه في مواجهة مخطط توريث العرش لابن عمه «بن سلمان»، لم يكن مجرد هوى، بل كان مستندا إلى عوامل قوة عدة آنذاك؛ فولي العهد يصبح ملكاً حسب ما جرت عليه العادة، كما أن الخلفية الأمنية الطويلة لـ«بن نايف»، التي ورثها عن والده وزير الداخلية السابق، والتي حصد من ورائها علاقات قوية مع الفضاء الإقليمي والدولي، جعلته خيارا مفضلا لكثير من تلك القوى، وخاصة الحليف الأقوى، الولايات المتحدة، والتي عادة ما يمر عبر بوابتها كل طامح في عرش المملكة.

قلب الصورة

تلك الصورة التقطها الملك ونجله «بن سلمان» بوضوح، ومن ثم باشرا العمل في أكثر من اتجاه على قلب الصورة، بل وإخراج «بن نايف» من المشهد تماماً، حتى سنحت الفرصة، فجر الأربعاء، لإعلان المشهد قبل الأخير بتعيين «بن سلمان» وليا للعهد، وتنحية «بن نايف» من جميع مناصبه، حسب المصادر المطلعة في الرياض.    

فعلى مدار الأشهر الأخيرة ظهر «بن سلمان» في الصورة بقوة وبدأت كل الأضواء تتركز عليه؛ إذ أوكل له والده العديد من ملفات السياسة الخارجية بدلا من «بن نايف»،عبر تكليفه بإجراء العديد من الزيارات الخارجية، والنيابة عنه في حضور عدد من المناسبات الهامة بالخارج، وكان من أبرز تلك المهام، زيارته لأمريكا في مارس/آذار الماضي، ولقاء «ترامب»؛ ليكون أول مسؤول سعودي وعربي رفيع يلتقي «ترامب» في البيت الأبيض منذ أن تولى مهام الرئاسة 20 يناير/كانون الثاني الماضي.

ويقول مراقبون إن الجولة الخارجية الأسيوية التي أجراها الملك «سلمان» في شهري فبراير/شباط ومارس/آذار الماضيين، والتي شملت عدة دول منها اليابان والصين وماليزيا وإندونيسيا، كان من أهم أهدافها تقديم «بن سلمان»، الذي رافق الملك في الجولة، للمحيط الإقليمي، وتهيئة هذا المحيط للقبول به ملكاً.

وداخلياً، تم العمل بقوة على تعزيز صورة الأمير الشاب كرجل قوى قادر على الذود عن المملكة من التهديدات الخارجية، وخاصة التهديد الإيراني، فهو قائد الحرب في اليمن، والتي تهدف في المقام الأول إلى إفشال المخططات الإيرانية بتعزيز تواجدها في اليمن، الحد الجنوبي للسعودية، عبر وكيلها «جماعة الحوثي».

كما تم إبراز الأمير الشاب كرجل دولة؛ فهو من استقبل أغلب القادة والمسؤولين الذي وصلوا للمملكة خلال الأشهر الأخيرة، كما يقود مشاريع ضخمة وغير مسبوقة، ومنها تحويل اقتصاد المملكة من الاعتماد كلياً على النفط، إلى اقتصاد متنوع الأنشطة، عبر إطلاق «رؤية السعودية 2030» في أبريل/نيسان 2016، وخصخصة جزء من شركة «أرامكو»، أكبر منتج للنفط في العام، التي تولى رئاسة مجلس إدارتها في 30 أبريل/نيسان 2015.   

تهميش «بن نايف»

في المقابل فقط، تم العمل على تهميش «بن نايف» وسحب كافة صلاحياته والملفات الخارجية منه حتى بات غير قادر على الاستمرار ومقاومة مخطط توريث العرش لابن عمه، حسب المصادر المطلعة في الرياض.

فعبر العشرات من الأوامر الملكية المتلاحقة على مدار الأشهر الماضية، تم إبعاد الشخصيات المقربة من «بن نايف» من دوائر الحكم، وتعيين شخصيات مقربة من «بن سلمان» مكانها، كما تم، في 30 أبريل/نيسان 2015، ضم ديوان ولي العهد إلى الديوان الملكي الذي يديره ويتحكم به فعلياً «بن سلمان».

وفي 22 أبريل/نيسان الماضي، أصدر الملك «سلمان» أربعين أمراً ملكياً، كان أهمها على الإطلاق هو ذلك المرسوم الذي استهدف استعادة شعبية «بن سلمان» من خلال إعادة البدلات المادية لموظفي القطاع العام ولأفراد القوات المسلحة التي كانت «رؤية 2030» قد اقتطعتها منهم، ومن المثير أن يُسند الفضل في عودتها إلى «بن سلمان» رغم أنه هو الذي أمر بحرمانهم منها بادئ ذي بدء. 

وتضمنت تلك الأوامر الملكية، أيضا، تعيين الأمير «خالد» الشقيق الأصغر لـ«بن سلمان»، سفيراً لدى واشنطن، ليكون للأخير صوت قوى داعم له في الولايات المتحدة.

إلا أن الأمر الملكي الأهم الذي شكل انقلاباً ناعماً على «بن نايف» كان ذلك الخاص بإنشاء مركز للأمن القومي تحت إشراف الديوان الملكي، لتكون المنافس المباشر لوزارة الداخلية.

وأخيرا، تم تعديل مسمي «هيئة التحقيق الادعاء العام» إلى «النيابة العامة»، ونقل تبعتيها من وزارة الداخلية إلى «الملك مباشرة»، ضمن سلسلة أوامر ملكية أخرى السبت الماضي.

وفق المصادر المطلعة ذاتها، لـ«الخليج الجديد»، يبدو أن الملك «سلمان» استعان، كذلك، بالأمير «سعود بن نايف» الأخ الأكبر لـ«بن نايف»، كي يقنع الأخير، بما له من احترام عنده، بالتخلي طوعاً عن ولاية العهد، وعدم إحداث شرخ في العائلة الحاكمة بالاعتراض على الخطوة.

وأشارت المصادر في هذا الصدد إلى أن اختيار الأمير «عبد العزيز» بن الأمير «سعود بن نايف» وزيرا للداخلية خلفاً لـ«بن نايف» كان ضمن التفاهمات كي يبقى لـ«بيت نايف» حظوظ مستقبلية، ويحافظ على هيمنته لسنوات طويلة على تلك الوزارة الهامة.

قصة الـ5 مليارات دولار

المصادر كشفت، أيضا، أنه ضمن صفقة التخلي عن ولاية العهد لـ«بن سلمان»، تم الاتفاق حصول «بن نايف» على مقابل مادي غير محدد بدقة، لكنه لا يقل عن 5 مليارات دولار.

وعزز من إقدام الملك «سلمان»، فجر الأربعاء، على خطوة نقل ولاية العهد لنجله أن «ترامب» أبدى - خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض، في مايو/أيار الماضي، والتي أبرم خلالها عقوداً بنحو 400 مليار دولار - عدم اعتراض عليها، بل ورحب بالخطوة، حسب مصادر مقربة من ولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد» المقرب من الرئيس الأمريكي.

مشهد تصعيد «بن سلمان» إلى ولاية العهد، فجر الأربعاء، لن يكون الأخير، وفق مراقبين، فهو ربما يكون فقط المشهد قبل الأخير؛ حيث سيليه حتماً المشهد الأخير باعتلاء الأمير الشاب لعرش المملكة، وعندها فقط يُسدل الستار.

وربما يكون المشهد الأخير، خلال أسابيع أو أشهر قليلة، حسب المراقبين، لكن الأمر يتطلب أولاً ضمان إسكات أي صوت داخل العائلة الحاكمة معارض لـ«بن سلمان»، وتقديم حوافز للأمراء الأقوياء.

  كلمات مفتاحية

السعودية محمد بن سلمان ولي العهد السعودي محمد بن نايف