قطر تبيع الغاز بغير الدولار.. وكلنا نعرف ما الذي يعنيه ذلك

الجمعة 7 يوليو 2017 10:07 ص

أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصرفي وقتٍ سابق، مقاطعةً شاملة لقطر، وتقدمت إليها عن طريق الكويت، التي تمثل الوسيط في هذه الأزمة، بقائمة من المطالب لإنهاء الحصار. وشملت قائمة المطالب إغلاق قطر لقناة الجزيرة ومحطاتها التابعة، وإغلاق المنافذ الإخبارية الأخرى التي تمولها قطر، بما في ذلك موقع ميدل إيست آي، وتخفيض العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وطرد أعضاء الحرس الثوري الإيراني من أراضيها، وإنهاء الوجود العسكري التركي في قطر، والموافقة على عمليات تدقيق شهرية خلال السنة الأولى بعد قبول المطالب، ومواءمة نفسها تمامًا مع الدول الخليجية والعربية الأخرى عسكريًا وسياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا. وكل ذلك على سبيل المثال لا الحصر.

وكان المطلب الأكثر حدة من المطالب هو أن تُنهي قطر أي سياسة مستقلة لها خارج حدودها بما في ذلك سياساتها تجاه الأزمات في سوريا وليبيا. ولكن كما أوضح وزير الخارجية الألماني، فإنّ قائمة المطالب هذه تحد بشكل مباشر من سيادة قطر.

ومن غير المدهش أنّ قطر قد رفضت قائمة الطلبات ووصفتها بغير المعقولة وغير قابلة للتنفيذ. ومن المؤكد أنّ التحالف المناهض للقيادة السعودية يدرك ذلك. ويشبه ذلك مطالبة بريطانيا بإغلاق هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) وطرد القوات الأمريكية، ولن يحدث ذلك. وتعد جميع الصحف الكبرى في العالم متواطئة في إدارة الدعاية التي تفرضها الدولة، لكن نادرًا ما تكون قناة الجزيرة غير عادلة أو غير مهنية.

وفي هذا السياق، أعطت السعودية وأصدقاؤها قطر قائمة بالمطالب التي لا يمكن تصورها وفرضت مهلة مدتها عشرة أيام لتلبيتها وإما تواجه إجراءاتٍ أخرى غير محددة. وكانت المطالب محكوم عليها بالرفض من البداية. وقالت نيوزويك أنّ «المطالب صممت ليكون من المستحيل الامتثال لها».

وقد حذرت دولة الإمارات قطر من مواجهة عزلة غير محدودة، وأنّ العقوبات الاقتصادية والسياسية من المرجح أن تصبح دائمة. ويعتبر الأمير «محمد بن سلمان»، الوريث الجديد للعرش السعودي، على نطاقٍ واسع، لاعبًا رئيسيًا وراء الصدع السعودي القطري.

ويُذكر أنّ أجندة التحالف بقيادة السعودية تهدف إلى دفع قطر بعيدًا عن مواصلة علاقتها مع إيران، المنافس الإقليمي للمملكة. لكنّ الجارديان حتى قد لاحظت أنّ «قطع العلاقات مع إيران سيكون أقرب إلى المستحيل»، حيث تشترك إيران وقطر في أكبر حقلٍ للغاز الطبيعي في العالم، والذي يزود قطر بمعظم ثروتها. وفي الواقع، سارعت إيران على الفور إلى إرسال المساعدات إلى قطر، وبدأت في تزويد البلاد بالأغذية بعد أن أدت العقوبات التي تقودها السعودية إلى نقص المواد الغذائية داخل البلاد. ولم يكن من المتصور أن تستطيع دول الحصار هزيمة إيران وتركيا، الدولة الأخرى التي قدمت المساعدة لقطر، في هذا الأمر.

لكن على الرغم من أنّ إيران وقطر تشتركان في هذا الحقل المربح، إلا أنّهما كانا على خلافٍ مباشرٍ فيما يتعلق بكيفية استخدام هذا الحقل. وكان هذا أحد أسباب تبني كلًا منهما جهةً مختلفة للدعم في الأزمة السورية، حيث يتعلق الأمر بخطوط الأنابيب التي كانت قطر تخطط لمدها عبر سوريا إلى أوروبا، قبل أن تتجه القيادة السورية إلى إيران بدلًا من ذلك.

استبدال الدولار

وعلى الرغم من أنّ قطر قد شاركت بشكلٍ كبيرٍ في تسليح المعارضة السورية والدعوة إلى رحيل «الأسد»، تحتفظ قطر في الواقع بأجندة مستقلة للسياسة الخارجية. وعلى مدى العامين الماضيين، قامت قطر باستبدال أكثر من 86 مليار دولار من المعاملات، وأحلت محلها اليوان الصيني، ووقعت اتفاقياتٍ أخرى مع الصين تشجع على زيادة التعاون الاقتصادي.

ويعد هذا أمر مهمًا للغاية، لأنّ قطر تشترك في احتياطي الغاز الطبيعي الرئيسي مع إيران، في حين تجري إيران صفقاتها المتعلقة بالنفط مع الصين باليوان. وبعد وقتٍ قصيرٍ من الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه عام 2015، سعت إيران إلى الاستفادة من هذه الفرص الاقتصادية من خلال زيادة الإنتاج في حصتها من احتياطي الغاز الإيراني القطري. وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016، وقعت إيران اتفاقًا مع شركة توتال الفرنسية، وهي شركة متكاملة متعددة الجنسيات للنفط والغاز، لتطوير هذا المشروع. ومن المتوقع أن تتخطى إيران إنتاج الغاز في قطر بحلول العام المقبل، ولم يكن أمام قطر خيارٌ آخر سوى الانضمام إلى المشروع. وقامت برفع الحظر، الذي فرضته اختياريًا، على تطوير حقل الغاز في أبريل/نيسان من هذا العام.

وإذا استمرت إيران وقطر في هذا الطريق، فإنّ هيمنة الولايات المتحدة على الأسواق المالية في العالم ستتعرض للضرر بشكلٍ مباشر، وستواصل القوى الاقتصادية والعسكرية الصاعدة مثل روسيا والصين جني الفوائد.

وتذكر رسائل «هيلاري كلينتون» الإلكترونية التي تم تسريبها أنّ الولايات المتحدة وفرنسا كانتا قلقتين للغاية لدرجة الهجوم على «معمر القذافي» في ليبيا، لكن لم يكن ذلك بسبب الشواغل الإنسانية، بل خوفًا من خطته لتوحيد أفريقيا تحت عملةٍ موحدة مدعومة بالذهب، والتي كان سيتم استخدامها لشراء وبيع النفط في الأسواق العالمية.

ويُذكر أنّه في عام 2000، أعلن «صدام حسين» أنّه سيبيع النفط العراقي باليورو، وأفادت صحيفة الغارديان عام 2003 أنّ العراق قد حقق فعلًا ربحًا جيدًا بالقيام بذلك.

وهنا تبرز نظرية المؤامرة. ومن المهم أن نسأل لماذا كل هذه العدائية من السعودية ضد قطر، إن لم يكن لأسبابٍ اقتصادية؟ هل بسبب دعم قطر للإرهاب؟ بالنظر إلى كون هذه التهمة موجهة من السعودية، فلا يمكن أن نعتبرها إلا نفاقا واضحا.

ورغم فشل محاولة الإطاحة بـ«الأسد» في سوريا، استفادت قطر من أخطائها، وأصبحت لا تعتمد على رحيل الأسد للحفاظ على ثروتها الضخمة من عائدات الغاز (على الرغم من أنّها ربما لا تزال ترحب بهذه الخطوة). وكما يشرح موقع كاونتربانش:

«دفع فشل الإطاحة بالأسد قطر إلى الالتزام بالنظر شرقًا إلى آسيا، وهي بالفعل أكبر زبائنها، بالنسبة لأسواق الغاز الطبيعي المسال. لكنّ معظم البنية التحتية الحالية لخطوط أنابيب الغاز الطبيعي المسال الواقعة في الشرق تسيطر عليها إيران. أما بالنسبة لقطر، سيؤدي قطع روابطها مع إيران إلى ضرر كبير لاقتصادها وصناعتها. على النقيض يحاول السعوديون إقناع قطر أنّ البديل هو ضرر شامل للدولة والنظام».

ومما يزيد من تعقيد القضية استضافة قطر لأكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، حيث يوجد حاليًا 11 ألف جندي هناك.

قطر لا تستطيع الاستجابة للسعودية

وعلاوةً على ذلك، نفذت الولايات المتحدة مؤخرًا سياسة تستهدف تغيير النظام في إيران. والتقى الرئيس ترامب مع قادة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، حيث أدى رقص السيف، وعبر ضمنًا عن دعمه للحرب مع إيران. وكان الجيش الأمريكي بالفعل يسقط الطائرات الإيرانية بدون طيار ويقصف القوات المدعومة من إيران في سوريا، ووجه البيت الأبيض لتوه اتهاماتٍ جديدة ضد الحكومة السورية بنية شن هجومٍ لم يحدث حتى الآن.

ومن الواضح أنّ قطر لا تستطيع تلبية مطالب السعودية، ويجب أن تكون السعودية على علمٍ تامٍ بذلك. وكما رأينا في اليمن وسوريا، تلجأ السعودية دائمًا تقريبًا إلى الوحشية الصريحة من أجل التسلط على الدول غير المتوافقة مع سياستها. وكما رأينا أيضًا في معاملة أميركا للعراق وليبيا، فإنّ البلدان التي تتخلى عن الدولار الأمريكي، لا تحظى بالرضا من قبل الجيش الأمريكي. وفي هذا السياق، نتوقع أن يتسع هذا الصدع ويصل إلى جبهاتٍ متعددة. ودعونا نأمل ألا يحدث ذلك.

المصدر | مركز أبحاث العولمة

  كلمات مفتاحية

قطر الغاز الطبيعي إيران السعودية الصين جنوب آسيا