فيلم «الاستثناء»: السينما البريطانية تستبق «مئوية بلفور» بتمجيد الصهيونية!

الاثنين 24 يوليو 2017 02:07 ص

فيلم «الاستثناء»، فيلم بريطاني للمخرج «ديفيد ليفوكس» استطاع، منذ صدوره في بلده العام الماضي وفي الإمارات في 1 من يونيو/حزيران من هذا العام، المرور بلا أدنى اهتمام من النقاد العرب أو حتى مجرد التفات إلى الإنتاج الإنجليزي المُكلف، والحبكة الروائية المُلتفة لـ«آلان جان»، والسيناريو المُحكم لـ«سيمون بورك».. ليصبح لدينا في النهاية عمل سينمائي يمجد في البطولة الصهيونية (المدعاة) في الحرب العالمية الثانية ضد أمبراطور ألماني سبق عهد «هتلر» وحاول إنصاف العرب.

لم يُشاهد الفيلم من قبل ناقد عربي واحد ولم ينتبه الإعلام في العالم الإسلامي إليه، أو إلى أن طرحه السينمائي المُنتمي إلى أفلام الحركة والإثارة يزيد من تثبيت مفهوم أن اليهود المُحاربين القتلة ما هم إلا معتدى عليهم، عبر المبالغة في أسطورة «الهولوكست» أو المحرقة الألمانية؛ وأن بريطانيا العظمى لم تفعل في «وعد بلفور»، وعلى مدار تاريخها ومنه الحرب العالمية الثانية، أكثر من أنها أنصفتهم!

سينما التمثل .. سينما الجاسوسية

عرف العرب، بخاصة عبر الدراما المصرية المعروفة من فيلم «الصعود إلى الهاوية» لـ«كمال الشيخ» عام 1978م، ثم «رأفت الهجان»، المسلسل المصري الأشهر لـ«يحيي العلمي» وقد بدأ تقديم الجزء الأول منه عام 1994م، وهي الأعمال التي تبعتها أخرى مُنتمية إلى سينما التمثل أو اعتبار العدو أو الآخر تم اختراقه من قبل كاتب السيناريو والمؤلف، وبالتالي فريق العمل، والتعبير عن داخله، وهي أعمال فنية لا تعرف الحيادية بالطبع إلا في حالات قليلة، فالعدو (هنا) أو الألمان في نظر البريطانيين الذين بقوا في حرب معهم منذ 3 من سبتمبر/أيلول عام 1939م حتى نهايتها في 2 من سبتمبر/أيلول 1945م، العدو الألماني لدى الإنجليز عنصري فاشي دموي بلا سبب، ولا يأبه الإنجليز لإخطائهم التي أشعلت الحرب .. ولا إلى أنهم لم يكونوا أقل دموية أو أكثر حكمة .. فقط سينما التمثل تغرق في تفاصيل حماقات العدو لتحقق توازن الشعور بالرضا الذي يصب في مصلحة الأمن القومي للبلد مُنتج هذه العينة من الأفلام.

الإمبراطورية الألمانية .. والعرب والدراما

«ستيفان براندت» أو الممثل (جاي كورتني)، ضابط في القوات الألمانية شارك في فظائع النازية ضد بولندا عام 1939م، ولكن صورة قتلى الأطفال مع مقتل أبيه في الحرب من قبل، وإصابة أمه بالسل في سن مبكرة من العمر جعلته إنسانًا بوهيميًا لا يسعى إلا خلف المتعة ولا يدين لوطنه بمشاعر إيجابيه.

يُستدعي «براندت»، الشاب العملاق المفتول العضلات الذي يقلد «سلفستر استالوني» في تكلف واضح، يستدعيه رئيسه ليخبره أنه مكلف بحماية الأمبراطور الألماني «فيلهلم الثاني»، المُسمى في المصادر العربية بـ«غليوم الثاني، أو وليام الثاني»، وهو القيصر الألماني السابق، وملك بروسبا المُنحدر من سلالة «هولنتسولرن» الحاكمة لبروسيا منذ عام 1701م، وهي معلومات لا يبخل الفيلم علينا بأغلبها، ولكنه لا يخبرنا على الإطلاق أن «فيلهام الثاني» زار في الفترة من أكتوبر/تشرين الأول حتى نوفمبر/كانون الثاني 1898م الدولة العثمانية آنذاك، بل خرجت الجماهير المسلمة لاستقباله في الشام كحليف للسلطان «عبد الحميد الثاني»، كما أنه بارع في الخطابة جذب المسلمين، وزار قبر الراحل «صلاح الدين الأيوبي»

كانت أصداء سياسة ألمانيا الإسلامية وصداقتها تجاه الدولة العثمانية قد سبقت وصول «فيلهلم الثاني» إلى بر الشام. لذا، لذلك خرجت الجماهير لاستقباله، وقد عرف الامبراطور بفن كيف يجذب إليه المسلمين. فخطابه في دمشق حرك مشاعر الافتخار بأن هناك أمة أجنبية تساند الخلافة الإسلامية. من هنا، اعتقد بعضهم بأن اندفاع العاهل الألماني لدعم السلطنة في مواجهة المطامع الأوروبية حتى  قالت جريدة «أبابيبل» البيروتية بإمكانية إسلامه.

وللحقيقة فلم يكن الرجل كما تمنت الجريدة العربية ولكنه في المقابل لم يكن الإنسان المُجرد من الضمير الساعي إلى العودة إلى حكم ألمانيا بأي ثمن كما صوره الفيلم.

إننا أمام فيلم يبدو تآمريًا بامتياز يلتقط حدث عزلة القيصر الألماني «فيلهلم الثاني» (كريستوفر بلامر) ليبالغ في إظهار ضعفه وخيانته لبلده، حتى على حساب التاريخ وحقائقه فزوجته «هرمين» (أنيت ماكتير) انفصلت عنه لسبب أو لآخر عام 1921م، لا كما قال الفيلم أنها كانت تعينه على الشرور عام 1940.

ويتمادى الفيلم في السير خلف ألا منطق بعد التاريخ إذ إن الخادمة الجديدة «ميكي دو غونغ» (ليلي جيمس) تستطيع استمالة القيصر، ومفتش الغوستابو «ديترخيت» أو (مارك ديكستر)، ولكن الجاسوسة تُوقع قائد حرس الإمبراطور في علاقة جنسية مطولة منذ لقائهما الأولى ليتحول الفيلم للمشاهد الفضائحية المُبالغ فيها المُحببة لبعض الشباب لتصوير الصهيونية بالفاتنة النزقة.

الجميع .. قذر

ولأن الأمر يتعلق بالصهيونية فيجب أن يظهر الجميع بالقذارة، فمرشد «ميكي» لقتل الأمبراطور القس في كنيسة القرية المجاورة، و«براندت» قائد الحرس الخاص بالأمبراطور يعرف ذلك، والأمبراطور يفخر بخياناته لزوجته مع سيدات من جنسيات أخرى في شبابه، والعقيد «سيجورد فون إلزيمان» (بن دانيال)، أقرب خاصة الأمبراطور يعرف كل هذا ويصمت، ورئيس الحزب النازي المُتورط في قتل زوج ووالد «ميكي» في هولندا يأخذ عشيقته معه حين يزور الأمبراطور محاولًا خداعه لولا تنبيه «ميكي» له، وإبلاغه دعوة «ونستون تشرشل»، رئيس وزراء بريطانيا آنذاك لزيارته، وهو ما يجعل الأخير يحمي الجاسوسة بنفسه ويساهم في قتل قادة «الغوستابو» من أجلها، ثم هي تذهب بحملها غير الشرعي ليكرمها «تشرشل» في لندن بعد انتهاء الحرب!

فيلم «الاستثناء» يقول إن الضابط الخائن القاتل المخادع للألمان «براندت» هو الاستثناء الطاهر فيهم لمناصرته الجاسوسة الصهيونية البريطانية .. فما وافقت السياسة فعل أحدهم صار بطلًا، وإن ضُبط متلبسا بالزنا (بحسب الفيلم نفسه)، والقتل والجاسوسية!

جاءت الموسيقى التصويرية للفيلم معبرة عن أحداثه، وتعمد مخرجه إبراز مشاهد الجنس والطبيعة لتحبيب المشاهد بخاصة المقبلين على الشباب في أحداثه، وجاء المونتاج في مجمله جيدًا إلا قليلًا من الأخطاء نظرًا لترهل مدة عرض الفيلم (107 دقيقة) .. وتجمع الأحداث المهمة قرب نهايته حيث برزت تلك الأخطاء.

فيلم «الاستثناء» دليل على أن الأفلام الغربية المُحايدة المُنصفة المحترمة للسياق التاريخي هي الاستثناء!

المصدر | الخلــيــج الجـــديـــد

  كلمات مفتاحية

فيلم سينما بريطانية وعد بلفور استباق تمجيد