أزمة القيادة.. الصراع السني الشيعي نتيجة مباشرة لانقسامات السنة

الأربعاء 26 يوليو 2017 09:07 ص

بعد أن أجبر تنظيم الدولة الإسلامية على الخروج من الموصل، يبدو أن زعماء السنة والقادة التاريخيين قد بدئوا يخرجون من تحت الظلال. فقد عقد الزعماء العراقيون السنة مؤتمرا فى 15 يوليو/تموز في بغداد لبحث مستقبل مجتمعهم. وكان من بين الحاضرين عدد من الكتل السياسية وزعماء القبائل والنواب والوزراء والمسؤولين. من المتوقع أن القوى السياسية الشيعية التي تسيطر على الحكومة كانت قلقة بشأن هذا التجمع. ولكن الأهم من ذلك هو أن الاجتماع ألقى الضوء على الانقسامات داخل المجتمع السني العراقي.

إن هناك حالة عدم اتساق بين العرب السنة، الذين يشكلون غالبية سكان الشرق الأوسط، والذين يقطنون في قلب فوضى المنطقة. وقد اتسعت الشقوق منذ انتفاضات 2011 في المنطقة وأتاحت المجال لظهور جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية. وطالما أن العرب السنة يتعارضون مع بعضهم البعض، فإن الشرق الأوسط سيكون في صراع.

الأغلبية الضعيفة

منذ أن خلق البريطانيون العراق كدولة ذات سيادة في عام 1920، سيطر العرب السنة عليه. وجاء أولا النظام الملكي الهاشمي الذي أطيح به في عام 1958 وحل محله نظام جمهوري يسيطر عليه حزب البعث والجيش. وعلى الرغم من أن الشيعة يشكلون غالبية السكان في العراق، فإن هذا النظام الذي يقوده السنة تمكن من البقاء على قيد الحياة لأنه قمع السياسة الدينية من جميع الأنواع حتى عام 2003. وقد انتهى النظام القديم عندما أطاحت الولايات المتحدة بحزب البعث و«صدام حسين».

وصعد الشيعة والأكراد بدلا من نظام «صدام» الساقط ليتولوا السيطرة على النظام الديمقراطي الجديد الذي سعت واشنطن إلى بنائه. وقاوم السنة في البداية الجمهورية الجديدة، ولكن المقاومة انقسمت وانهارت على نفسها. ولم يعودوا متحدين في ظل حزب البعث، وأصبح انقسام السنة على خطوط قبلية، أيديولوجية وحزبية. وقد سمح الخلاف للشيعة بتعزيز السلطة، ولكن مجموعة أخرى استفادت بشكل كبير مما حدث و هم الجهاديون. ومع مرور الوقت، نما الجهاديون بقوة وأصبحوا أكثر قوة بين العراقيين السنة.

وقد ساعدت جماعات الجهاديين الجهات الشيعية في استغلال الخلافات الداخلية بين العراقيين السنة. وانضم بعض السنة إلى النظام السياسي الذي يهيمن عليه الشيعة، في حين عارضه آخرون. وأدت الجهود الشيعية لتهميش السنة إلى تقويض القوى الرئيسية داخل المجتمع. وقد ساهم أسلاف الدولة الإسلامية في تعميق الفراغ، وسبب مشروع الخلافة شرخا بين السنة، مما أطاح بالقوى السياسية التقليدية التي كانت لا تزال تأمل أن تكون جزءا من الحكومة الوطنية العراقية.

وكانت الظروف مماثلة في سوريا عندما اندلعت الانتفاضة الشعبية. وكان المعارضون في الغالب من السنة، ولكنهم انقسموا بشكل عميق في كل الطرق باستثناء رغبتهم في إسقاط حكومة «بشار الأسد». لكن جانبا من التقسيم السني السوري الذي لا يحظى باهتمام كبير هو أن عددا كبيرا من السنة لم يرفضوا الانضمام إلى التمرد فحسب، بل ما زالوا يدعمون «نظام الأسد»، الذي يهيمن عليه أقلية علوية، وهي جماعة من الشيعة.

كان الجهاديون في العراق في وضع جيد لاستغلال الانقسامات بين الأغلبية السنية في سوريا. وبالنظر إلى أن الدولة الإسلامية في العراق كانت أكثر خبرة وتنظيما من أي من فصائل المتمردين السوريين، فإنها سرعان ما استولت على الأراضي في شرق سوريا. وبحلول عام 2013، حولت الدولة الإسلامية في العراق البلدين المجاورين إلى ساحة قتال واحدة؛ وغيرت اسمها إلى الدولة الإسلامية في العراق وسوريا لتعكس الواقع الجديد. في العام التالي، و باستخدام عمقها الاستراتيجي عبر الحدود والفوضى داخل الطائفة السنية العراقية، استولت الجماعة على الموصل، وأعلنت إعادة تأسيس الخلافة وأعادت تسميتها «الدولة الإسلامية».

وبعد ثلاث سنوات، تم طرد تنظيم الدولة الإسلامية من الموصل وعاد إلى مواقعه الصحراوية الريفية. وليست هذه هي المرة الأولى التي يضعف فيها الجهاديون في العراق، ولكنهم يواصلون العودة، وعادة ما يعودون أكثر قوة. وذلك لأن الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي سمحت لتنظيم الدولة الإسلامية بالظهور في المقام الأول لم تتغير.

والواقع أن هذه الظروف مهيأة لتزداد سوءا. إن الطوائف الدينية والعرقية في الشرق الأوسط تنمو أكثر فأكثر بسبب الاستقطاب. وكانت تكلفة تحرير الموصل هي أنه للمرة الأولى في تاريخ العراق تكون المدينة الأكثر سنية تحت سيطرة القوة العسكرية الشيعية في الغالب.

إن التنافس الشيعي السني يقوم بعمل جيد لشرح سبب وجود مشكلة في لمنطقة الأوسع. لكن الصراع الشيعي - السني نفسه هو نتيجة مباشرة لانقسامات السنة. فهناك حقيقة أن الشيعة أقلية في العالم العربي. والطريقة الوحيدة التي يمكن للشيعة - بقيادة قوة فارسية عرقية، كإيران - أن يعززوا ثرواتهم الجيوسياسية هي فقط إذا كان العرب السنة ضعفاء ومقسمين و لقد كان هذا هو الواقع لفترة طويلة الآن، وهو يقترب من نقطة الانهيار.

لا يوجد مركز ثقافي سني عربي. المملكة العربية السعودية، أغنى لاعب، تحاول تصدر القيادة. لكن مصدر قوتها وهو النفط يجري صرفه كل يوم وسعره الآن منخفض. حتى لو لم يكن الأمر كذلك، فقد اعتمد السعوديون تاريخيا على الولايات المتحدة لضمان أمنهم القومي. وكيف يمكن لهذه الدول أن توفر الأمن الإقليمي وحماية المصالح العربية السنية إذا لم تتمكن من حماية نفسها؟ وتعتبر الحرب التي تقودها السعودية في اليمن مثالا بارزا على عجز الرياض عن فرض النظام في الفناء الخلفي لها. ولكن ربما المثال الأكثر وضوحا هو قطر، وهي دولة عربية خليجية صغيرة ترفض التخلي عن سيادتها لصالخ السعودية.

مصر هي القوة العربية السنية الرئيسية الأخرى. ولها دولة أكثر قوة من السعودية وجيشا هائلا. لكن الاقتصاد المصري ضعيف، وهو يعتمد فعليا على السعوديين وحلفائه من العرب الخليجيين الآخرين.

لكن المشكلة الأكبر هي أن هذه الدول لا تقدم نموذجا سياسيا واقتصاديا قابلا للتطبيق في العالم العربي السني. وهذا وهو ما سمح لتنظيم الدولة ببيع نموذج الخلافة للعديد من العرب السنة في المنطقة، ولأغلبية واضحة منهم من الشباب. وعلى الرغم من أن قواته المقاتلة في تراجع الآن، فإن تنظيم الدولة الإسلامية سيبعث نفسه في شكل ما.

في حين أن العالم العربي السني يشكل القاعدة الرئيسية للدولة الإسلامية من حيث المقاتلين والدعم والقوة الأيديولوجية للجماعة، فإنه سوف يفشل في تجاوز الملكية المتدينة القديمة والأنظمة الجمهورية العلمانية.

  كلمات مفتاحية

العراق سوريا السعودية مصر الصراع السني الشيعي