فيلم «دونكيرك»: في الحرب كما السينما تختلط الملامح والحقائق!

الخميس 27 يوليو 2017 09:07 ص

في الحروب الكبرى من تاريخ البشرية تظهر المعاناة في أقسى صورها؛ فتظهر ملامح الأعداء المتصارعين بالغة التشابه؛ الجميع من بعيد يلهث لتدمير الآخر؛ وفي النهاية حينما يقترب الموت من أحدهم يسرع حتى إلى عدوه طالبًا النجدة.

فيلم الليلة «دونكيرك«Dunkirk  للمخرج  البريطاني الشهير «كريستوفر نولان» مثير للجدل إلى حد كبير، وهو ما اضطر مجلة «فورين بوليسي» منذ فترة بسيطة لإفراد تقرير خاص عن مخالفة أحداث الفيلم، المُهتم بالتقنيات الحربية والسينمائية، وهو ما لم يمنع كون الفيلم مرشح لأوسكار 2018م بقوة، والمعنى الضمني هنا مثل الظاهري.. فإن مزيفي الأحداث والتاريخ سينمائيًا في عصرنا شركاء للسياسيين على حد سواء، ويكفي أن تجتمع أمريكا مع بريطانيا وفرنسا وهولندا على إنتاج فيلم ببصمة مخرج كبير ليتم تصوير «ألمانيا هتلر» على أنها المُخطئة الوحيدة في الحرب العالمية الثانية، وكانت هناك خطايا في الحرب بالطبع لكن متبادلة من الجميع، لتبصم السينما على الاتهام ويتم تزييف الحقائق مجددًا .. كما زيف فاشيو البشر من الاتجاهين قيمة الحياة الحقيقية بدفع الملايين من جنودهم إلى الحرب؛ تزيف السينما ما تبقى من حقائق .. وتترشح لـ«الأوسكار»!

البلدة البلجيكية والمغني البريطاني

أخذ فيلم الليلة اسمه من بلدة ساحلية بلجيكية حدثت فيها أكبر واقعة إجلاء جنود في التاريخ؛ إذ تم إنقاذ قرابة ربع مليون جندي بريطاني وفرنسي وهولندي من حصار ألماني محكم كان من المقرر أن يقضي عليهم سوًا أكانوا بالبر أو البحر أو الجو؛ وهو نصف الكوب الفارغ من القصة الحقيقية الذي تعرض الفيلم لها؛ وحاول« نولا»ن إقناع المشاهد بصحة الوقائع التي بنى الفيلم عليها!

يبدأ الفيلم بنجاة بطله، على كثرة الأبطال المجهولين والمعلومين في الفيلم، فـ«هاري أستيلز»، المغني البريطاني ذي الجماهيرية، أو «إليكس» في الفيلم جندي بلجيكي ينجو على البر من الموت بأعجوية، وفي البحر يحاول ركوب سقينة تجليه عن الشاطئ فيسرع لحمل جندي جريح، «سيليان ميرفي»؛ ولما يصل به إلى السفينة يتم طرده، فيختبأ متلصصًا على القادة ومنهم: «داوسن» أو «مارك رايلانس»، والكولونيل «وينانت» أو «جيمس دارسي»، ومنهما يعرف حقيقة الوضع المزري لقوات الحلفاء، ليعاني من محاولة النجاة في كل مكان عبر شبح الموت الذي يُطارد الجميع والقطع المتوازي للقطات الفيلم لإبراز أن الجميع من المحاربين يكاد يكون بلا ملامح، وهم يسمعون كلام القادة فيمعنون في قتل العدو بل يشتبهون في بعضهم البعض؛ كذلك يفعل الطيار في السماء مع زميله لما يحاول الأخير الفرار؛ ويفعل الجنود عند الغرق، وفي النهاية يلتهم الموت الجميع، ويظل القادة مرفهون يحكون للجرائد وقائع على النقيض تمامًا من الواقع!

وضع «نولان» عينه على «أستيلز» ليقوم بدور «أليكس» البطل منذ البداية للنهاية، أو فلنقل أكثر أبطال الفيلم ظهورًا على الشاشة .. سواء منفردًا أو وسط الجمع من الجنود، وظهر المغني الشهير بملامح متجمدة قاسية لا تعبر عن معاناة للحرب ولا يستشف المشاهد منها فرحة بالنجاة.

كما عمد المخرج وكاتب السيناريو إلى كاميرات «الإيماكس» لتصوير الفيلم، وهي الكاميرات التي تصور الواقع وكأنه يعبر عن تجربة روحية غائمة، وهي تقنية تصوير متبعة في الأفلام الأقرب إلى الفلسفية؛ وهو ما ترك انطباعًا لدى المشاهدين أن المخرج يريد الزج بهم في خضم التجربة وإقناعهم بالوقائع كما يصورها لهم!

«فورين بوليسي» والحقيقة

هذا التناول السينمائي الناقص أو الذي ركز على نصف الكوب دفع الموقع المذكور لإعداد تقرير ترجمه موقع «ساسة بوست» مؤخرًا وفيه يتناول الوقائع التي بدأت في  27 من مايو/أيارحتى 4 من يونيو/حزيران 1940م بالتدقيق مقرًا بأن «ونستون تشرشل – رئيس وزراء بريطانيا وقت الحرب – قد تعرض لاختبار صعب بعد أسابيع قليلة من توليه المنصب، على إثر حصار القوات البريطانية وجنود الحلفاء في بلدة دنكيرك من طرف الألمان. كان نحو ربع مليون جندي (400.000 بحسب أفيش الفيلم الترويجي) معرضين للأسر، وكان الجيش البريطاني معرضًا للفناء، مما سيمثل ضغطًا هائلًا على لندن في محادثات السلام، وكان من الممكن أن يجبر هذا تشرشل على التخلي عن منصبه».

ويكمل الموقع: «لكن ما حدث هو أن الألمان لم يهجموا، وإنما وقفت تسعة فيالق من وحدة بينزر على حدود البلدة، وهو ما أثار دهشة طرفي الصراع على حد سواء؛ إذ قال جنرال بريطاني في مذكراته: لم تتقدم القوات الألمانية المتنقلة لسبب غير معلوم».

أي أن «هتلر» النازي المتورط في قتل الملايين من شعبه وأعدائه كان له هدف من ترك هؤلاء، قيل إنه دفع البريطانيين لمائدة المفاوضات وإبعادهم عن الفرنسيين، وقيل أنه كان ينتظر فرقة ما أكثر إخلاصًا له كي تتدخل وهو ما تأخر، والمؤكد أن «هتلر» لم يرد إفناء هؤلاء كما صور الفيلم أو حتى تأخر متعمدًا في تحقيق الأمر.

مصداقية وغياب

مع التجني على قيادات الألمان افتقد الفيلم كذلك المصداقية الفنية في تصوير الجانب الألماني الذي يضرب بلا رحمة بالطيران المدنيين في الفيلم؛ فنحن نرى الطيارين الألمان يَقذفون بالقنابل لكن من بعيد ثم نرى بعض الجنود أسرى، ولكن ماذا عن انفعالاتهم؟ .. ولماذا يفعلون ذلك؟  لم يهتم المخرج بالأمر، كما اهتم بجنود وقادة الحلفاء في المقابل،  مثلما لم ينتبه من الأساس إلى التركيز على عمليات الإجلاء في نهاية الفيلم، وهي الأهم في الحدث والفيلم معًا، كما ركز «نولان» على الحصار الذي رفض تصويره إلا أن يتم عبر مدمرات حربية حقيقية.

حاز الفيلم في أسبوعه الأول قرابة 50 مليون دولار؛ وهو ما يعادل ضعف أجر المخرج مرة ونصف المرة؛ ولم ينتبه الكثيرون إلى السياق التاريخي المتعثر، وكالعادة من المحتمل بقوة موصلة الفيلم نجاحه وصعوده في ازدواجية مؤلمة عالميًا بين السينما والحقيقة!

المصدر | الـخليــــج الجــديــد

  كلمات مفتاحية

أمريكا فرنسا بلجيكا هولندا ألمانيا هتلر تشرشل فيلم الحرب العالمية الثانية أوسكار

المنسيون.. بي بي سي توثق بطولات مئات الجنود المسلمين بمعركة دونكيرك بالحرب العالمية الثانية