«الضابط العثماني»: سينما أمريكية ـ تركية تحلم بالجنة وتراعي التوازن!

الاثنين 31 يوليو 2017 02:07 ص

مثلما تدخل تركيا قوة ضمن السياق العالمي الحالي، فتصبح رقمًا اقتصاديًا لا يُستهان به في المنظومة المالية والاقتصادية العالمية، وكذلك تفعل في السياسة إذ تعمد إلى أن تكون قوة صاعدة تُراعى في السياق العالمي الحالي، وفي المنتصف بين هذا وذاك لا تغفل تركيا اليوم السعي إلى أن تحقق مكانة سينمائية مناسبة، ورغم جودة أفلام تركية تعرضنا لها هنا بالنقد والتحليل إلا أن الاعتراف العالمي بالسينما التركية ما يزال متأخرًا.

للسبب السابق عمد مجموعة من المُنتجين الأتراك إلى الدخول رأسًا في شراكة مع هوليود لإنتاج فيلم (The Ottoman Lieutenant) أو «الضابط العثماني» في سابقة أولى في التاريخ الأمريكي والتركي على حد سواء، وهو فيلم تم الإعداد له منذ 3 سنوات ليتم إصداره في الولايات المتحدة في مارس/أذار الماضي، وفي تركيا في مايو/أيار.

الأرمن والحرب بين السياسة والفن

لقوة تركيا السياسة تم طرح الفيلم الذي أخرجه الأمريكي «جوزف روبن»، وألفه مواطنه الممثل والمؤلف «جيف ستوكويل؛ وتم تصويره بين تركيا وبراغ بديكورات تقارب الحقيقية في ولاية «وان» التركية الواقعة في «الأناضول» شرقي تركيا في عام 1914 و1915م..

انشغل النقاد الأمريكيون واليساريون الأتراك عند مشاهدتهم الفيلم بالمبادرة بالهجوم عليه، حتى أُطلقتْ عليه ألقاب مثل رجعي وإنكاري (!) وتمت مقارنته بالفيلم الأمريكي «الوعد» (The Promise) ـإنتاج 2016؛ ورات مجلة «هوليود ريبورتر» أن الفيلمين يخوضان صراعًا على خلفية الحرب الأرمينية.

إننا أمام عمل ملحمي يحاول التوازن وعدم ظلم طرفي الحرب العالمية الأولى؛ وإن جنح إلى الجهر بإجرام الروس تراجع عن إنكار ما يسميه الأرمن بحرب إبادة يقدرون أنه مليون ونصف المليون منهم، فيما صرح رئيس الوزراء التركي السابق «أحمد داود أوغلو» منذ فترة قائلًا: «إننا مرة أخرى نتذكر باحترام ونشاطر آلام أحفاد وأبناء العثمانيين الأرمن، الذين لقوا حتفهم خلال الترحيل في عام 1915». ولكنه أنكر تبعات الأمر وقال «اختصار كل شيء في كلمة واحدة، وإلقاء المسؤولية كلها على الأمة التركية وحدها من خلال التعميم يثير إشكالًا قانونيًا وأخلاقيًا».

أغلب وقت الفيلم تعرض لما فعله الأرمن بالأتراك .. ورد فعل الأخيرين حتى إن مُعادين للفيلم اتخذوها ذريعة ومنطلقًا للهجوم عليه رافضين تصنيفه بالكلاسيكي الرومانسي أو حتى الحربي العسكري في محاولة لذمه.

قصة حب تخرق المحظورات

يتناول الفيلم الفتاة الأمريكية المثالية الحالمة «ليليان روب» (الممثلة الآيسلندية هيرا هيلمر) التي تفشل في تحقيق رغبات الآخرين (فيها)، فتتخرج مجرد ممرضة في مجتمع لا يعترف إلا بالمال والقوة، ولما تفشل في علاج أسود ينزف؛ تبدأ رحلة البحث عن «جنة الرب أو العالم المثالي، فتلتقي «جود» (الممثل الأمريكي الشهير جوش هارتنت)، الذي يتعرض على مسيحيات متدينات فكرة مساعدة المستشفى الأمريكي في «وان بالأناضول أمام طوفان أمراض جعل الطب حلمًا صعب المنال لفقراء الأرمن قرب .

ووراء الجنة التي تحلم بها تذهب «ليليان» لتلتقي قدرًا الفتى العسكري «إسماعيل» التركي المُلازم المُجيد للإنجليزية في افتراض بالغ التفاؤول من صُنّاع الفيلم (قام بالدور الممثل الهولندي ميشيل هيوزمان) فيتعلق قلبها به؛ وتنسى صاحب الفكرة مواطنها المسيحي مثلها «جود»، وعبر مغامرات أقرب لأفلام الحركة المعتادة ينقذها «إسماعيل» من الموت، من يد عصابة من الأرمن، من المسيحيين، فتزداد إعجابًا به، لكنها لما تصل إلى المستشفى الأمريكي تكتشف أن مؤسسه «جوت بريشت» (الممثل الأمريكي الحائز على أوسكار بن كينسغلي) يتعامل مع لصوص الأرمن ويدعمهم بالمال، بل يستخدم الطبيب الأمريكي الشاب، كنيسة المستشفى، بعلم مؤسسها مخزنًا لسلاح الأرمن (!).

وفي المقابل يبدو «إسماعيل» مسلمًا علمانيًا متمردًا على دينه، رغم تذكيره للمشاهد أنه مسلم لمرات، يقبل إقامة علاقة جنسية متدرجة مع الممرضة الأمريكية، ويبكي لما يقتل أرمنيًا معاديًا أمام أطفاله، ويحرص على معرفة المعتدي من الأرمن من رئيسه الكولونيل «هليل» (هالوك بيلغينر).

الثالوث السينمائي الأصعب

«إسماعيل» و«جود»؛ المسلم المتسامح حتى على حساب دينه يقاتل «جود»؛ المسيحي المتطرف القاتل بإدخار السلاح للأرمن وبينهما «ليليان، ثالوث السينما الأشهر في العالم منذ عرف الفن السابع، العاشق والعزول والمعشوقة، لكن الإيدلوجية هذه المرة لها أحكام .. فمهما كان «إسماعيل متسامحًا إلا أنه ليس كذلك لا في الحرب ولا الحب؛ فيما «جود» أكثر تطرفًا.

إنها حسابات القوة والتوازن في العمل السينمائي، الأمريكي بنكهة تركية، لأن الإنتاج للأخيرة؛ وهي تمثل قوة عالمية، وإن كانت صاعدة إلا أنه لا يستهان بها، وهو ما عبر عنه «غونيش تشليكجان» أحد المنتجين بأنه جاء الأوان لإنتاج فيلم محايد عن الحرب العالمية الأولى والمعاناة التركية والأرمينية من أجل إقرار أن السلام (الجنة) في الفيلم هو الأفضل.

لكن أجواء الجنة والحياد لم تمنع المواجهة الشرسة في الفيلم بين العاشق المسلم والعزول المسيحي مرة بالنقاش الحاد، وأخرى تحدث المسلم فيها عن «شرف الحبيبة الذي لم ينتهكه بعد» في لفظ أبعد ما يكون عن سياق الفيلم الناعم المتشح بالطبيعة وجمال البطلة كدليل على وجود رب صالح جيد للكون (!)، بحسب الفيلم، وإن ضج العالم بالأشرار الروس والأرمن والمسلمين المقصرين في حق حضارتهم.

وتبلغ الفجاجة في الفيلم قمتها بخطبة الكولونيل العسكري التركي (هالوك بيلغينر) في «بن كسينغلي» (صاحب المستشفى الأمريكي) وأنه سيظل المسيطر حتى على المستشفى والكنيسة ما دام الغرب ما يزال في القرون الوسطى، وذلك في تضاد واضح مع موقف الدولة العثمانية قرب سقوطها.

على أن أغرب مشاهد الفيلم هو ذلك الذي تطلب فيه  «ليليان» من حبيبها «إسماعيل» عدم تفتيش الكنيسة، لئلا يجد السلاح، فيقبل الملازم المسلم تاركًا البارود ينتقل إلى قرى الأرمن ليذهب قاضيًا عليهم في أحد مشاهد الحركة الاسطورية المُطولة.

لم ينتصر الفيلم للأرمن ولا للأتراك؛ بل اظهر فظائع فعلها الجنود الأتراك مع الأرمن والنقيض، ومقتل «إسماعيل» عندما حاول تخليصهم ومات في سبيل أن يعيشوا.

الجنة ليست على الأرض

وبوفاة «إسماعيل» في قارب في مشهد خيالي جامح، مثل مهارة البطلة والبطل المدعاة في ركوب الخيل، عبر استخدام الكومبارس والمونتاج، لكن دون تبرير درامي؛ بوفاة «إسماعيل» ودفن «ليليا»ن له في البحر، في مشهد مشابه لما فُعِلَ مع الراحل «أسامة بن لادن»، تصير «ليليان» جزء من المنظومة الأمريكية في تركيا، تعالج الجميع من روس وأرمن وأتراك .. وتقبل تخزين السلاح داخل الكنيسة وحرم المستشفى.

فيلم «الضابط العثماني» إنتاج أمريكي تركي حاول توضيح أن الجنة ليست في الحروب؛ ولا في المسيحية بالتالي أو الإسلام .. وإنما هي في التعايش العلماني المشترك بين الجميع لكن بلا تعاليم دينية، مع عدم إنكار وجود الرب!

  كلمات مفتاحية

أمريكا تركيا الأناضول الأرمن المسلمون المسيحيون السينما الحرب