التصعيد المصري ضد السودان.. لماذا؟

الأربعاء 9 أغسطس 2017 11:08 ص

عمدت السلطات المصرية، أخيراً، إلى التصعيد ضد السودان، خصوصاً في منطقة مثلث حلايب وشلاتين الذي ترفض الخرطوم الاعتراف بتبعيته لمصر، وتطالب بالتفاوض الثنائي بشأنه، أو إحالته إلى التحكيم الدولي، كما تتقدم، من حين إلى آخر، بشكوى إلى مجلس الأمن، لعدم الاستجابة المصرية لفكرة الحوار.

وقد تمثل هذا التصعيد، وفق وجهة النظر السودانية، في زيادة تحركات الجيش المصري في المثلث الذي يضم مناطق حلايب وشلاتين وأبو رماد، وفي إزالة ممتلكات سودانية، بينها مرافق حكومية تابعة للخرطوم، فضلا عن منازل تابعة لقبيلة العبابدة السودانية.

ناهيك عن إعلان قيادات من الإدارة الأهلية في محلية حلايب السودانية اعتقال السلطات المصرية 222 مواطناً سودانيا وتقديمهم للنيابة، فضلا عن طرد 330 آخرين من العاملين في مجال التعدين من المنطقة.

وهذه خطوات غرضها، من وجهة نظرهم، "تمصير" المثلث ونزع الهوية السودانية عنه. ويبدو أن هذه التصرفات المصرية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد سبقها نقل التليفزيون المصري، للمرة الأولى، شعائر صلاة الجمعة من حلايب، كما أن محافظ البحر الأحمر الذي يقع المثلث في إطاره أعلن، أخيرا، عن خطة للاهتمام بتطوير المثلث وتحديثه بقيمة مليار ومئة مليون جنيه مصري (60 مليون دولار)، وتشمل إقامة مناطق سكنية جديدة وميناءين في أبو رماد وشلاتين. 

وقد جاء هذا التصعيد، وكذلك الاهتمام المصري، بعد فترة من الهدوء وامتصاص القاهرة التصعيد السوداني الذي برز في عدة مؤشرات، منها اتهامات الرئيس السوداني، عمر البشير، مصر، في مايو/ أيار الماضي بدعم متمردي إقليم دارفور بالسلاح، وجاء الرد من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بالتأكيد على عدم تدخل بلاده في شؤون دول الجوار، باعتباره مبدأ ثابتا في سياسة بلاده الخارجية، الأمر الذي أكدته الخارجية المصرية في بيان لها.

وهناك موضوع تمديد عقوبات حظر السلاح على السودان، حيث كان النفي والرد المصري على الاتهام المباشر لوزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، للقاهرة بأنها وراء الإبقاء على العقوبات المفروضة على الخرطوم منذ أكثر من 11 عاما.

ونفى المتحدث باسم الخارجية المصرية ذلك، وقال إن "مجلس الأمن قد أصدر بالفعل القرار 2340 في 8 فبراير/ شباط 2017 بتمديد تلك العقوبات عاما، وكانت مصر من أكثر الدول التي قامت بدور فعال في اعتماد قرار متوازن يحافظ على المصالح العليا للشعب السوداني الشقيق".

وقال المتحدث المصري إن سفارة بلاده في الخرطوم أوضحت للأخوة السودانيين بما لا يدع مجالا للشك تبني مصر المواقف الداعمة لمصلحة الشعب السوداني، بل طالبهم بتحرّي الدقة واستفاء المعلومات من البعثة المصرية في الأمم المتحدة مباشرة. 

إذن، يحتاج هذا التحول في الموقف المصري من التهدئة إلى التصعيد تفسيرا. وهنا يمكن القول بوجود أربعة أسباب متداخلة ومتشابكة قد تصلح في هذا الشأن: 

الأول: رغبة مصر في فرض مزيد من سياسة الأمر الواقع في المثلث، أو تمصيره وفق المنظور السوداني لقطع الطريق على أي نداءات سودانية بشأن الحوار حول وضع المثلث، خصوصاً بعد تسليم مصر جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ورغبة الخرطوم في تسوية أمر المثلث بالطريقة نفسها، وهو ما يفسر أسباب تكرار دعوتها القاهرة إلى الحوار من ناحية، وتقديم شكاوى متكرّرة لمجلس الأمن من ناحية ثانية.

وفي ظل عدم الاستجابة المصرية، قد تكون سياسة الأمر الواقع هي الفضلى، لاسيما أن القاهرة تدرك جيداً أن السودان لن يستطيع استردادها بالقوة، وإلا لكان فعل ذلك منذ طرد قواته منها عام 1995، كما أنها تدرك أن المسار القانوني "التحكيم" لن يتحقق إلا من خلال قبول الطرفين به، وبالطبع هي لا توافق عليه حتى هذه اللحظة. 

السبب الثاني، حالة الفتور الراهنة في العلاقات السعودية السودانية، لاسيما بعد أزمة الخليج وحصار قطر، ورفض الخرطوم الانضمام لمحور الحصار، والتأكيد على سياسة الحياد، الأمر الذي تم تفسيره انحيازا ضمنيا لقطر. وبالتالي، حدث نوع من التباعد بين الخرطوم والرياض التي كانت تعوّل عليها الأولى للوساطة بينها وبين القاهرة بشأن المثلث. 

ثالث الأسباب هو الخاص بتأجيل رفع العقوبات الأميركية عن الخرطوم، وهو ما قد يشغلها بعض الشيء عن التصعيد ضد القاهرة، خشية أن يكون ذلك ذريعة لاستمرار هذه العقوبات، لاسيما في ظل العلاقات الوطيدة بين الرئيسين، الأميركي دونالد ترامب والمصري عبد الفتاح السيسي. 

السبب الرابع ملف سد النهضة، وما أثير عن قرب بدء إثيوبيا عملية ملء خزان السد. وهو الموقف الذي ترى فيه القاهرة تهديداً لها، على عكس الخرطوم التي لا ترى أضرارًا سلبية للسد. وبالتالي تقترب من الموقف الإثيوبي في هذا الشأن. 

ومن ثم، ربما ترغب القاهرة من عملية التصعيد الضغط على الخرطوم لتغيير موقفها، أو على الأقل ضغط الخرطوم على أديس أبابا، لإرجاء عملية الملء إلى حين صدور دراسات المكتبين الاستشاريين الفرنسيين، أو إطالة سنوات الملء من أجل تقليل حجم الخسائر التي تعود عليها في المجالات كافة.

* د. بدر شافعي باحث سياسي مصري يكتب في الشؤون الأفريقية والعربية

المصدر | د. بدر شافعي | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر السودان عمر البشير التحكيم الدولي دونالد ترامب سد النهضة السيسي مثلث حلايب وشلاتين العقوبات الأمريكية العلاقات السعودية السودانية