«الصدر» يناور إيران بعلاقة مع السعودية.. وعلى الرياض ألا تبالغ في توقعاتها

الأحد 13 أغسطس 2017 04:08 ص

في خطوة فاجأت العديد من المحللين، قام «مقتدى الصدر»، وهو رجل دين شيعي عراقي وزعيم سياسي مثير للجدل، بزيارة الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، في أواخر الشهر الماضي. وجاء ذلك بعد تحسنٍ ملحوظ في العلاقات بين بغداد والرياض خلال العام الماضي، مما سمح بتفاؤلٍ مشوب بالحذر تجاه مستقبل الدبلوماسية العراقية بين بعض المراقبين العراقيين.

وقد جرت عدة زياراتٍ دبلوماسية بين البلدين فى الشهور الأخيرة. وفي فبراير/شباط، زار «عادل الجبير»، وزير الخارجية السعودي، العراق. وفي يونيو/حزيران، زار رئيس الوزراء العراقي «حيدر العبادي» الرياض، تلاه وزير الداخلية العراقي «قاسم الأعرجي» بعد شهر.

وكان ولي العهد السعودي الجديد «محمد بن سلمان» قد استضاف «مقتدى الصدر» في 30 يوليو/تموز، الأمر الذي أدى إلى تكهناتٍ كثيرة حول مدى ارتباط الزيارة مع السياسة العراقية والمنافسة الطائفية الإقليمية، وقبل كل شيء، التنافس السعودي الإيراني.

وعلى الرغم من أنّه كان يُعرف سابقًا باسم «رجل الدين الناري»، داخل المجتمع الشيعي وجموع المقاتلين في العراق، يقدم «الصدر» نفسه اليوم كبطل وطني معتدل من أجل التغيير.

رسالة إلى الشيعة في العراق

وكانت زيارة «الصدر» رسالة إلى منافسيه في المشهد السياسي الشيعي العراقي المتفتت على نحوٍ متزايد. ومع زيارة الرياض وحقيقة استضافة «الصدر» من قبل أعلى مستويات المؤسسة السعودية، سيؤكد ذلك على أهميته الدولية، ويرسخ مكانته كرجل دولة عراقي. ويعد هذا النوع من اللباس السياسي مفيدًا بشكلٍ خاص لأمثال «الصدر» ومنافسيه، قبل الانتخابات العراقية العام المقبل.

رسالة إلى إيران

وأظهرت زيارة «الصدر» لإيران ووكلائها من خصومه السياسيين في العراق، أنّه ليس لديه خياراتٍ فحسب، بل يمكنه أيضًا أن يقف ضد إيران، ولديه القدرة على الإضرار بالمصالح الإيرانية في العراق. ويمكن ذلك «الصدر» من تقديم نفسه كوجه للشيعة العراقيين (غير الموالين لإيران).

ويتردد صدى هذا الموقف داخل القاعدة الشعبية لرجل الدين الشيعي، على الرغم من أنّ مدى قبولهم لاحتضانٍ سعودي لا يزال لم يتضح بعد. وبعد أن أعلن بالفعل تحالفًا سياسيًا مع «إياد علاوي»، وهو شخصية معادية للشيعة، ستزيد هذه الزيارة من تلميع أوراق اعتماد الصدر كشخصية سياسية قومية يمكن أن ترتفع فوق سياسة الطائفية والإثنية.

والأهم من ذلك، التهديد الضمني الوارد في الزيارة حول قدرة «الصدر» على أن يسلم قاعدته، ذات الشعبية الكبيرة في السياسة العراقية، إلى السعودية، وهو ما يعطي السعوديين فتحًا عراقيًا لم يكن بإمكانهم إلا أن يحلموا به حتى الآن .

ومع ذلك، فمن المرجح في هذه المرحلة أن يكون «الصدر» في وضعٍ يهدف إلى تحقيق أقصى استفادة من كل من إيران والمملكة العربية السعودية، بدلًا من الحديث حول توديع الصدر للعلاقات مع إيران، كما أشارت بعض التقارير.

الزيارة بالنسبة للرياض

يعد السؤال الأول الذي يجب بحث إجابته هو: أي الأنواع من العراق تريده السعودية؟ هل تسعى الرياض لحليفٍ أو عميل، أم أنّها تسعى إلى زعزعة استقرار العراق؟ وينسجم هذا السيناريو الأخير مع فكرة أنّ الرياض قد استضافت «الصدر» كجزءٍ من استراتيجية لزعزعة استقرار العراق ودحر النفوذ الإيراني بتشجيع حربٍ أهلية شيعية شيعية.

ويشير السيناريوهان الآخران إلى أنّ المملكة تعيد إحياء مساعيها الطويلة وغير المجدية حتى الآن من أجل شركاء عراقيين فاعلين. وبعد 14 عامًا، قد تكون الرياض قد تخلت عن الطبقات السياسية السنية في العراق، والتي كانت مخيبة للآمال حتى من قبل المعايير المروعة للسياسة العراقية في فترة ما بعد 2003، وتقوم الآن بما كان يمكن أن تفعله عام 2003. وهو على وجه التحديد، دعم مصالحها داخل النظام العراقي الجديد، بدلًا من دعم أولئك الذين حاولوا تقويض ذلك النظام. وفي مثل هذا السيناريو، هناك عددٌ قليلٌ من المرشحين لشغل هذا الدور أفضل من «الصدر».

ولكي تحصل الرياض على أقصى استفادة من العلاقة مع «الصدر»، سيتعين على السعوديين أن يعتدلوا في توقعاتهم، وكذلك فهم موقف «الصدر» وعقليته. وستشعر الرياض بخيبة أمل كبيرة إذا كانت تتوقع عميلًا طيبًا.

وإذا استطاع السعوديون التخفيف من توقعاتهم وفهم شروط «الصدر» على نحوٍ أفضل، فقد يحصلون على فرصة للاستفادة من الاستياء العميق الذي تشعر به شرائح كبيرة من المجتمع الشيعي تجاه التدخل الإيراني والتأثير الإيراني في بلادهم. ومع ذلك، يجب أن يرتكز ذلك على الحقائق اليومية الملموسة للتفاعلات العراقية الإيرانية، التي أدت إلى استياءٍ مناهضٍ لإيران، بدلًا من الاعتماد على وجهات النظر المعادية من قبل المملكة والشرق الأوسط تجاه إيران.

وقد وصلت المنافسة السياسية بين الشيعة في العراق إلى نقطةٍ لم يعد من المنطقي أن نتحدث فيها عن كتلة شيعية موحدة. وقد يكون موطئ القدم المحتمل للسعودية في السياسة الشيعية العراقية انقلابًا كبيرًا لصالح المملكة، خاصةً بالنظر إلى الطبيعة الشعبية الحقيقية الداعمة للصدر.

ومن جانبه، كان «الصدر» قد دافع باستمرار عن موقف العراق الأول من الناحية السياسية والاجتماعية والسياسية. ويريد كل من الرياض والصدر الحد من نفوذ إيران في العراق، وكلاهما يرى أنّ حلفاء إيران وطهران في العراق يشكلان تهديدًا. وهنا يكمن التقارب بين المصالح التي يمكن أن تشكل أساسًا للعلاقات العراقية السعودية الجديدة، وإعادة معايرة العلاقة الثلاثية بين العراق وإيران والسعودية.

ومع ذلك، لا تشير الاحتمالات إلى نتائج حميدة، وهناك الكثير من التحديات والعقبات في طريق العلاقة. فكيف سيتفاعل الصدر عندما ينافس خصومه السياسيين في نهاية المطاف (حتى ولو ضمنًا) على أوراق اعتماده الشيعية؟ وكيف ستتفاعل الطبقات الدينية الأصولية السنية المحافظة السعودية مع تعامل الرياض مع رجل دينٍ شيعيٍ بارز؟

وسوف يكون هناك الكثير من القوى في كلا البلدين وفي المنطقة لا ترغب في أي تحرك نحو التحسن في العلاقات العراقية السعودية. ومن ناحية أخرى، يجري دفع محاولة التقارب بين العراق والسعودية على أعلى مستوى في كلا البلدين. ولا يسع المرء إلا أن يأمل في أن تصمد النوايا الحسنة أمام التحديات المتزايدة في الفترة المقبلة.

المصدر | واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

العراق السعودية محمد بن سلمان مقتدى الصدر شيعة العراق