الخطوط الجوية القطرية.. إلى أي مدى تأثرت بالأزمة الخليجية؟

الأربعاء 16 أغسطس 2017 04:08 ص

شكلت أزمة قطر الحالية سلسلة من المعضلات التي تواجه الإمارة العربية الصغيرة، وكانت ثلاث دول من مجلس التعاون الخليجي، البحرين، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى مصر، قد فرضت حصارًا بريًا وجويًا وبحريًا على قطر، ما دعاها لإجراء تعديلاتٍ كبيرة للحفاظ على البلاد مفتوحة للعمل مع العالم الخارجي، ومن الجدير التساؤل حول ما يعنيه هذا الشقاق بين دول مجلس التعاون الخليجي لأحد أكبر اللاعبين الاقتصاديين في قطر، الخطوط الجوية القطرية.

وقد منعت السعودية الخطوط الجوية القطرية من استخدام مجالها الجوي لجميع الرحلات الجوية من وإلى قطر، ودفع هذا الشركة القطرية إلى إعادة توجيه رحلاتها عبر تركيا وإيران، ودفع بالدوحة أكثر نحو طهران، وقال «روب واتس»، العضو المنتدب لشركة إيروتاسك، وهي شركة استشارية عالمية للطيران، أنّ الخطوط الجوية القطرية تخسر نحو 50 رحلة، يوميًا، و18 وجهة، في حين تبقى حوالي 18% من قدرات الشركة بدون عمل.

وفي تقريرٍ صدر مؤخرًا، قال مركز «كابا» للطيران: «إن الحظر المفروض على الرحلات الجوية له تأثير أكبر على الخطوط الجوية القطرية التي تقوم بتشغيل المزيد من الرحلات (في طرقٍ طويلة ومكلفة) أكثر من جميع شركات الطيران الأخرى مجتمعة».

وفي رد فعلٍ على الأزمة، أضافت الخطوط الجوية القطرية رحلاتٍ جديدة إلى جمهورية التشيك وفرنسا ومقدونيا وعمان، حيث سيتم تنفيذها بحلول نهاية عام 2017، كما أعلنت خدماتٍ جديدة لأستراليا والبرازيل وتشيلي والولايات المتحدة تبدأ في عام 2018، ويبدو أنّ قطر تحاول مضاعفة الوجهات الجديدة لمواجهة آثار فقدان جزء كبير من رحلاتها الخليجية.

وبالإضافة إلى ذلك، من أجل الحفاظ على طائراتها في وضع التشغيل، وافقت الخطوط الجوية القطرية على استئجار الخطوط الجوية البريطانية تسع طائرات إيرباص A320 بطواقمها لمسافاتٍ قصيرة لمسارات الصيف بين 1 يوليو/تموز و16 يوليو/تموز، واستُخدمت طائرات شحن الخطوط الجوية القطرية أيضًا لنقل 4 آلاف من الماشية إلى قطر من أستراليا والمجر والولايات المتحدة على 60 رحلة.

وقد تولى «معتز الخياط»، رئيس مجلس إدارة الشركة الدولية للطاقة، مهمة إنشاء مزرعة وتقديم حليب طازج إلى قطر، ليحل محل المنتجات التي كانت تأتي من السعودية قبل 5 يونيو/حزيران.

تنويع المحفظة الاستثمارية

وتسعى الخطوط الجوية القطرية لشراء 10% من الأسهم، بقيمة تتجاوز 81 مليون دولار، في شركة «أميركان إير لاينز»، ويشير ذلك إلى إدراك قطر مع هذه الأزمة احتياجها إلى محفظة متنوعة، وأنّه لا يمكنها الاعتماد فقط على شركائها في مجلس التعاون الخليجي.

وتمثل الرحلات الجوية الأمريكية 8% من رحلات الخطوط الجوية القطرية، وهناك خطط للتوسع بأكثر من 20% بحلول العام المقبل، ولا يبدو أنّ الخطوط الجوية القطرية قد استسلمت لردود الفعل السعودية، وأفادت صحيفة «دبلن رويترز» أنّ الرئيس التنفيذي الأمريكي «دوغ باركر» قد أخبر الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الجوية القطرية «أكبر الباكر» أنّه لا ينوي شراء نسبة تتيح له تولي مجلس الإدارة، بل ينوي شراء 4.75% فقط كمساهمة أقلية، معربًا عن أمله في أن يعلي هذا الشراء من قيمة الخطوط الجوية القطرية، على الرغم من قرار «أميركان إيرلاينز» بوقف اتفاقيات التسويق معها ومع طيران الاتحاد في 24 مارس/آذار من هذا العام.

وردًا على سؤالٍ حول المزيد من الاستثمارات، ربما في أوروبا، أفادت بلومبرغ أنّ «الباكر» قال إنّ «الجنرال لا يخبر أبدًا عن خططه في المعركة مسبقًا»، وتشير كل البيانات إلى أنّ قطر تنظر إلى التنويع كخطوة دفاعية في مواجهة «دول الحصار».

وتعلم العديد من دول مجلس التعاون الخليجي حاجتها إلى تنويع اقتصاداتها في أعقاب انهيار أسعار النفط، وقد تكون خطوة الخطوط الجوية القطرية لشراء الأسهم في الخطوط الجوية الأمريكية قد أصبحت حاجة ملحة في ظل الأزمة الحالية، وقال «الباكر» لـ «سي إن إن» إنّ شركة الطيران قد شهدت انخفاضًا في الحجوزات، لكنّه انخفاضٌ «يمكن التحكم فيه».

وعلى الرغم من رفع الحظر إلى حدٍ كبير الآن، فقد شهدت شركات طيران الإمارات وطيران الاتحاد والخطوط الجوية القطرية جميعها تراجعًا في الحجوزات من الولايات المتحدة مع حظر الإلكترونيات في منتصف رمضان، موسم ذروة الحجز.

وعلى الرغم من مشاريعها التجارية الأخيرة، غير أنّ العلاقة جافة للغاية بين الخطوط الجوية مع شركات الطيران الأمركية، وتواصل الولايات المتحدة انتقاد شركات الطيران الخليجية بسبب المنافسة غير العادلة من خلال استخدام الإعانات الحكومية.

وفي الآونة الأخيرة، انتقدت الخطوط الجوية القطرية «دلتا» للطيران بانتقاد عمر المضيفات بها، وبعد تدخل «أميركان إير لاينز»، اعتذر «الباكر» عن وصف مضيفات «دلتا» بالجدات.

وقبل بضعة أسابيع، أصدرت «دلتا» شريط فيديو مدته 15 دقيقة لموظفيها يصف بالتفصيل المنافسة غير العادلة والدعم الحكومي الذي ضم الشركة القطرية، وتم دعوة موظفي «دلتا» وأسرهم وأصدقائهم من خلال الفيديو للضغط على الكونغرس من خلال التغريد إلى حساب الرئيس وكتابة رسالة إلى أعضاء الكونجرس المحليين لإنفاذ اتفاقية الأجواء المفتوحة والحفاظ على عدالة السماوات المفتوحة.

وتدعو اتفاقية السماوات المفتوحة إلى «نظام طيرانٍ دولي يقوم على المنافسة بين شركات الطيران في السوق مع الحد الأدنى من التدخل الحكومي والتنظيم». ولا يذكر الاتفاق صراحةً أنّ شركة الطيران لا يمكنها الحصول على إعانات من الحكومة.

وفي أوائل يوليو/تموز، أعلنت شركة «إيرباص» أنّ الخطوط الجوية القطرية قد ألغت شراء 4 طائراتٍ من طراز A350، بقيمة 1.2 مليار دولار من الطلبات، بسبب تأخر التسليم، وعادةً ما كانت «إيرباص» تتأخر في التسليم أو تغير موعد التوريد، ولم يكن ذلك يسبب مشكلة لدى الخطوط القطرية.

وربما كان من المفترض أن تؤدي التغييرات المتكررة إلى تأخير الإنتاج لفترة كافية بحيث لا يُنظر إلى التحرك الاقتصادي على أنّه انعكاسٌ للخطاب الدبلوماسي، وذكرت وكالة رويترز أنّ «جميع شركات الطيران الخليجية تدرك أنّها قد طلبت عددًا كبيرًا من الطائرات عريضة الجسم، وليس لها مجال خاص بها، خاصةً الآن»، بحسب ما قاله مسؤولٌ في صناعة تمويل الطائرات في حديثٍ حول انخفاض أسعار النفط والأزمات الحالية وسياسات الحظر الإلكتروني الأمريكية، وينفي الباكر أن يكون الخلاف الخليجي متعارضًا مع نمو الخطوط الجوية القطرية أو تسلم الطائرات.

وبصرف النظر عن موقع قطر فيما يتعلق بتأثير الأزمة، فمن الناحية العملية، من المؤكد أنّ هناك تأثيرا ضارا على الاقتصاد في وجود ممرٍ جويٍ أكثر ضيقا، وكما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست»، فإنّ «الخطوط الجوية القطرية هي شركة طيران عالمية عملاقة، ولديها 197 طائرة، معظمها موجه للرحلات الجوية الطويلة إلى أكثر من 150 وجهة حول العالم، من مركزها في العاصمة القطرية الدوحة، وهي لاعبٌ رئيسي في تحالف طيران «ون وورلد»، الذي يضم «أميركان إير لاينز»، وقد اجتازت هذه الطائرات المجال الجوي السعودي بصورة منتظمة قبل الأزمة، واستخدمت جميع الرحلات الجوية إلى أفريقيا، وكذلك الرحلات إلى «ساو باولو» وما بعدها إلى «بوينس آيرس»، المجال الجوي السعودي، واستخدمت المجال الجوي الإماراتي الذي يقع في شرق قطر كثيرًا، باتجاه بقية آسيا والمحيط الهادئ».

وتتمثل الآثار العملية الواقعة على قطر في أنّها يجب عليها أن تعيد توجيه رحلاتها لتطير حول «الفضاء الجوي المحظور».

مشكلة كبيرة

لماذا تعد هذه مشكلة كبيرة؟ تعمل الخطوط الجوية بالاعتماد على هوامش ربحية دقيقة، مع حقيقة أنّها تعتمد على الأرباح التي تولدها درجات رجال الأعمال والمقاعد من الدرجة الأولى، ما يساهم في تغطية تكاليف التشغيل، وقد أعلنت الخطوط الجوية القطرية خسائر تشغيلية قدرها 703 ملايين دولار للسنة المالية المنتهية في 2017، وكان ذلك بعد تلقي ما يقرب من 500 مليون دولار في شكل إعانات.

والقضية الرئيسية هنا هي أنّ هذا الأداء المالي الباهت كان قد حدث قبل حظر الأجواء السعودية والإماراتية، ويجعل هذا الحظر السفر الجوي أكثر تكلفة بكثير لشركة الخطوط الجوية القطرية اليوم.

كيف ذلك؟ تميل سلطات الطيران المدني إلى اعتماد شروطٍ مماثلة، إن لم تكن متطابقة، لشركاتها الجوية التي تعكس المعايير والبروتوكولات الدولية (وذلك أساسًا لضمان السماح لشركات الطيران المحلية بالوصول إلى الفضاء الجوي لبلدٍ آخر، ويميل التأمين إلى فرض اعتماد أفضل المعايير في النظام للحصول على أسعار تأمينٍ تنافسية للشركة على أصولها).

وتتعلق القاعدة الرئيسية بمراقبة ساعات التشغيل وما يتصل بها من الطواقم الجوية، وبمجرد أن تتجاوز الرحلة الحد الأقصى المسموح به من ساعات العمل، يعمل طاقم الطائرة وفقًا للوائح التي تُلزم بوجود طاقم جوي جديد، وفي الرحلات المباشرة من «لوس أنجلوس» إلى «سيدني» على سبيل المثال، يعني هذا وجود طاقم طيران احتياطي على متن الطائرة، يتولى العمل من الطاقم الأول في منتصف الرحلة، ويعني هذا بدوره طواقم إضافية، والمزيد من غرف الفنادق، وهو ما يضيف تكلفة إضافية.

وتستطيع طائرات «طيران الإمارات» الطيران إلى أثينا والعودة باستخدام نفس طاقم الطائرة، لأنّ ساعات العمل في الجو تقل عن الحد الأقصى المسموح به لساعات العمل، وكانت قطر تفعل ذلك، ولكن الآن، اضطرت إلى إضافة خمسة وأربعين دقيقة إضافية في الهواء، بسبب «الدوران حول» المجال الجوي السعودي وإعادة التوجيه من تركيا، وبذلك أصبحت الساعات الإجمالية إلى «أثينا» للذهاب والعودة الآن تتجاوز الحد الأقصى لساعات العمل المسموح بها، وأصبحت بحاجة إلى طاقم إضافي على الطائرة.

وإذا كانت الخطوط الجوية القطرية تكافح من أجل تحقيق أرباح تشغيلية قبل الأزمة، فهي الآن في وضعٍ أصعب، مع المزيد من الوقت والتكلفة الذي تقضيه طائراتها في الجو بالإضافة إلى حقيقة الاضطرار إلى إضافة المزيد من أطقم الطيران إلى «رحلاتها المحلية» إلى أفريقيا، ما يُبشر بسنة مالية أسوأ في عام 2018.

ومثل «طيران الإمارات»، تساهم الخطوط الجوية القطرية بشكلٍ كبير في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. كما تعتبر برامج السفر المعفاة من الرسوم الجمركية والسفر جزءًا من استراتيجية لتطوير السياحة والخدمات اللوجستية والفوز بنصيب الأسد من ركاب السفر الجوي، ولكن يبدو أنّ استراتيجية ضمان الجودة لم تساهم في توليد الأرباح التشغيلية والنقد الأجنبي لقطر، بل إنّها في العام الماضي أخذت من النقد الأجنبي، فهل هذا الوضع مستدام؟ يعتمد ذلك على مدى رغبة قطر في الحفاظ على وجودها في السوق، مع تأثير الطلب على احتياطياتها من النقد الأجنبي.

ولا يبدو أنّ أيا من الجانبين سيتراجع. وفي أواخر يونيو/حزيران، قدمت «دول الحصار» لائحة مطالب من 13 نقطة، تشمل طرد القوات العسكرية التركية، وقطع العلاقات مع إيران، وإغلاق قناة «الجزيرة»، ودفع تعويضاتٍ لدول الحصار، والموافقة على التفتيش عليها بشكلٍ دوري من أجل ضمان الامتثال، ولم توافق قطر أو تمتثل لتلك المطالب خلال المهلة التي قدرتها دول الحصار بـ 10 أيام، ولم تكن الكتلة السعودية الإماراتية سعيدة تمامًا بهذا.

وقد شهدت قطر بعض الآثار الاقتصادية للأزمة، لكن لا يبدو أنّ الأمر بتلك الشدة التي أرادتها الكتلة، وتؤكد الخطوط الجوية القطرية أنّها تعوض رحلاتها المفقودة برحلاتٍ جديدة، وتعاقدت الحكومة مع شركاء جدد، وقد توصل الجانبان معًا إلى طرقٍ جديدة لتزويد البلاد بالأساسيات مثل الغذاء.

وقد تكون الخطوة التي اتخذتها السعودية وباقي الكتلة قد هدفت إلى حث قطر للتماشي مع سياسات المملكة، لكن يبدو أنّها، بدلًا من ذلك، قد أثبتت لقطر أنّها لا تحتاج إلى الذراع السعودية القوية للبقاء على قيد الحياة، لكن قد تكون المظاهر خادعة، وقد يكون من السابق لأوانه معرفة الأثر الحقيقي للأزمة.

المصدر | إنترناشيونال بيزنس تايمز

  كلمات مفتاحية

حصار قطر الخطوط الجوية القطرية الطيران الخليجي