الجزائر.. فقدان السيطرة على مركز القرار ومُحيط بوتفليقة يُدير الدولة

الأربعاء 23 أغسطس 2017 10:08 ص

دلَ القرار المفاجئ بعزل رئيس الحكومة الجزائرية عبد المجيد تبون، بعد أقل من ثلاثة أشهر على تسميته في هذا المنصب، على أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (80 عاما) أصيب بأعراض مرض بورقيبة، الذي بات في أواخر سنوات حُكمه، يُعين رؤساء وزارات ووزراء، ثم لا يلبث أن يعزلهم. 

والأرجح أن بوتفليقة الذي أصيب بجلطة عام 2013 فقد على إثرها القدرة على الحركة، لم يعد قادرا على مباشرة مهامه الرئاسية، وأن المقربين منه باتوا الماسكين الحقيقيين بزمام القرار، تماما مثل حال بورقيبة الذي ترك حاشيته تُدير الدولة باسمه، فيما هو غارق في شبه غيبوبة. 

كما يدلُ اختيار أحمد أويحيى خلفا لتبون على أن المربع المحيط بالرئيس استكمل وضع مركز القرار في قبضته، إذ كان أويحيى يشغل منصب مدير الديوان الرئاسي، وهو حليف قوي لشقيق الرئيس سعيد بوتفليقة. ويجوز القول إن هذا المربع استطاع التخلص من رئيس الحكومة الأسبق عبد المالك سلال، بعدما خشي من أن تكون لديه طموحات رئاسية، ثم تخلص من تبون، الذي فتح معركة الفساد، مُتعمدا قصقصة أجنحة رجال الأعمال المقربين من غريمه سعيد بوتفليقة، وفي مقدمهم رئيس منظمة أرباب العمل علي حدَاد. 

ويبدو أن الثنائي سعيد بوتفليقة – أحمد أويحيى اتخذ قرار الاطاحة بتبون في اليوم الذي فرض فيه الأخير على حداد أن يُغادر القاعة في مناسبة كان مقررا أن يحضراها معا. ويأخذ تبون على حداد أن شركته تسلمت مبالغ كبيرة من الحكومة لتنفيذ مشاريع بنية أساسية، لكنها لم تُنجزها. وتحت شعار الفصل بين المال والسياسة، أطلق تبون معركة على الفساد، بدت تحديا لشقيق الرئيس، الذي تربطه علاقات حميمة مع حداد ورجال أعمال آخرين يُشتبه بضلوعهم في الفساد.

لذا صُدم الجزائريون بإقالة تبون بعدما حصد بعض الشعبية، على إثر إطلاقه تلك الحملة، خاصة أن تسميته في رئاسة الوزراء تزامنت مع إشادة الرئاسة بخصاله، التي أهلته لنيل ثقة الرئيس مثلما قيل آنذاك. 

وقبل سلال وتبون حقق المُربع الرئاسي نصرا حاسما على منافسيه عندما أقال الجنرال محمد مدين المشهور باسم «توفيق»، من قيادة جهاز المخابرات القوي، بعدما تولى إدارته على مدى أكثر من عشرين سنة، حتى أنه كان يوصف بالرجل الأقوى في الجزائر أو «صانع الرؤساء». وبعد الإطاحة بتوفيق تم ربط جهاز المخابرات برئاسة الجمهورية، وتعيين عثمان (بشير) طرطاق، أحد خصوم توفيق، على رأسه. 

ورغم تزايد الحركات الاحتجاجية الشبابية في عدة مدن جزائرية، طلبا لفرص عمل كريمة ورفضا لـ»الحُقرة» (الإهانة)، يبدو أعلى هرم الحكم غارقا في معركة خلافة بوتفليقة. وتُشبه هذه المناخات الأجواء التي استثمرها رئيس وزراء بورقيبة الجنرال زين العابدين بن علي للاستيلاء على الحكم وتنحية الرئيس الخرف في 1987.

واعتمد بن علي على شهادة من أطباء بورقيبة (87 عاما) أقرَت بعجزه عن تسيير شؤون الدولة، ليضعه في إقامة محروسة، ويصعد هو إلى سدة الرئاسة، طبقا لبند في الدستور يقضي بأن يحل رئيس الحكومة محل الرئيس في حال العجز الجزئي أو الكلي. 

واشتدت حدة المنافسة بين الساعين إلى خلافة بوتفليقة، بعد تدهور وضعه الصحي وعجزه عن استقبال كبار زوار الجزائر، عدا حالات قليلة. وعلى عكس الأعراف المتداولة في العلاقات بين فرنسا ومستعمراتها السابقة، لم يتمكن رئيس الوزراء الفرنسي برنار كازنوف، من اللقاء مع بوتفليقة أثناء زيارته الجزائر في أبريل الماضي، ما عزز التكهنات باحتمال ألا يستمر في الحكم حتى نهاية ولايته في 2019.

بلد شاب وقيادات مُسنة

مع بقاء بوتفليقة على رأس الدولة منذ 1999، ترهلت القيادات التي يثق بحنكتها ولا يقبل العمل مع سواها، ما أدى إلى قطيعة بين مؤسسات الدولة والشارع، خاصة الشباب الذي يحمل شهادات جامعية، ولا يحصل على مورد رزق دائم. 

ويبدو رئيس الحكومة المخضرم أويحيي (65 عاما) شابا قياسا بسائر قيادات البلد، مثل رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح (76 عاما) ورئيس مجلس النواب سعيد بوحجة (79 عاما) ورئيس المجلس الدستوري مراد مدلسي (74 عاما) ورئيس اركان الجيش أحمد قايد صالح (80 عاما). ويُقدر متوسط سن المسؤولين الكبار في الدولة والجيش بـ76 عاما، ما جعل الجزائر تُشبه الجمهوريات السوفييتية السابقة، قبل انهيار جدار برلين. 

وكثيرا ما عبر شباب جزائريون عن استغرابهم من شيخوخة قياداتهم السياسية، بينما هم يلحظون أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يتجاوز التاسعة والثلاثين، وأن نظيره الكندي جوستين ترودو في الثانية والأربعين من عمره. وإذا ما علمنا أن أكثر من 70 في المئة من الجزائريين تقلُ سنُهم عن الأربعين، نُدرك أسباب تعمُق الهوة بين قيادات الدولة من جهة والمجتمع من جهة ثانية. 

إجراءات غير شعبية وسيتعين على أويحيى اتخاذ قرارات اقتصادية غير شعبية لمجابهة انخفاض إيرادات البلد من صادرات النفط والغاز، ومن تلك الاجراءات خفض الدعم الذي تُقدمه الدولة للمحافظة على استقرار أسعار المواد الأساسية والتقليل من الاستيراد، إلا أن تحديد الاستيراد سيُؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار السلع المُستوردة، لاسيما مع تدهور قيمة الدينار الجزائري. 

غير أن هامش المناورة المُتاح لأويحيى سيكون أضيق من ذاك الذي أتيح لعبد المالك سلال، الذي كان يلجأ إلى ما يُسمى «الرشوة السياسية» لإسكات الاحتجاجات الاجتماعية بواسطة عطاءات مالية. وانخفضت إيرادات الدولة من 60 مليار دولار عام 2014 إلى 27.5 مليار في 2016، ما دفع الحكومة السابقة لتجميد مشروعات عدة ووقف التعيين في قطاع الخدمة المدنية.

وفيما تنظر قيادات الحزبين الشريكين في الائتلاف الحاكم حزب «جبهة التحرير» و«التجمع الوطني الديمقراطي» إلى أويحيى بوصفه عامل استقرار، يُخشى مع ارتفاع حرارة الاحتجاجات والاحتقان الاجتماعي، خاصة في مدن الجنوب، أن تُشكل عودتُه إلى رئاسة الحكومة للمرة الرابعة، منطلقا لقلاقل سياسية واجتماعية جديدة، في ظل استمرار مرض الرئيس. 

كان بورقيبة يُعين الوزير اليوم وعندما يستقبله في اليوم التالي يفاجئُهُ بالسؤال: من أنت؟ متى عيَنتُك وزيرا؟

صحيحٌ أنه لم تُرو عن الرئيس بوتفليقة مثل هذه الوقائع، إلا أن غيبوبته المديدة ستُلهب معركة الخلافة، وتُحول بعض فرسانها إلى حطب، أسوة بالأمين العام السابق لـ«جبهة التحرير» عمار سعيداني ورئيس المخابرات السابق محمد مدين. على أن الخطر الاجتماعي والسياسي الأكبر يتمثل بارتفاع نسبة البطالة بين الشباب الذين يُراوح سنهم بين 16 و24 سنة إلى 30 في المئة طبقا لإحصاءات رسمية، ما يعني تعطُل أحد المحركات الرئيسة للإصلاح الاقتصادي. 

في أكتوبر 1988 أبصرت الجزائر انتفاضة عنيفة، في أعقاب تراجع إيراداتها من تصدير المحروقات واللجوء إلى تدابير اجتماعية غير شعبية، ما اضطر النظام السياسي للانفتاح والسماح بإجراء أول انتخابات حرة وتعددية وشفافة.

ولم يتغير منذ ذلك التاريخ الطابع الريعي للاقتصاد، المُعتمد على تصدير النفط والغاز، ما عزز الترابط بين مستوى أسعار النفط في الأسواق العالمية والاستقرار السياسي والاجتماعي الداخلي.

والأرجح أن أويحيى لا يملك عصا سحرية لحماية البلد من الانعكاسات السلبية لتراجع عائدات النفط والغاز.

رئيس وزراء أربع مرات

حطم أحمد أويحيى الرقم القياسي العربي بترؤسه الحكومة الجزائرية أربع مرات، في عهدي الرئيسين اليمين زروال وعبد العزيز بوتفليقة. كانت الأولى بين 1995 و1998 في ظل رئاسة زروال، والثانية من 2003 إلى 2006 بعد وصول بوتفليقة إلى سدة الرئاسة، والثالثة بين 2008 و2012، التي أقيل من مهامه بعدها، في أعقاب اندلاع ثورات الربيع العربي، من دون إعطاء تفسير لقرار العزل. وعاد أخيرا إلى هذا المنصب مجددا، لكن بعد المرور من قصر المُرادية (مقر الرئاسة) في فترة دقيقة أبصرت احتداد الصراع على خلافة بوتفليقة. 

* رشيد خشانة كاتب صحفي تونسي 

  كلمات مفتاحية

الجزائر عبدالعزيز بوتفليقة عزل رئيس الحكومة الجزائرية عبد المجيد تبون أعراض مرض بورقيبة أحمد أويحيى الحملة ضد الفساد عبد المالك سلال