مصر.. الأرض الخصبة لعصابات «تجارة الأعضاء البشرية»

الجمعة 25 أغسطس 2017 07:08 ص

أعلنت السلطات المصرية، الثلاثاء الماضي، إلقاء القبض على 12 شخصًا في محافظة الجيزة، المتاخمة للعاصمة القاهرة، يشكلون شبكة للإتجار بالأعضاء البشرية، وذلك بعد أيام قليلة من انتشار تحقيق صحفي ألماني على شبكات التواصل الاجتماعي يكشف عن بعض كواليس «مافيا تجارة الأعضاء» في مصر، ما أحدث صدمة في الأوساط الاجتماعية بالبلاد.

ورغم نفي وزارة الصحة المصرية صحة ما جاء في التحقيق الصحفي الألماني، إلا أن تقارير أممية أشارت إلى «ازدهار» هذه التجارة في مصر خلال العقد الأخير.

وأعلنت القاهرة اعتقال 12 شخصًا بينهم أطباء وممرضين من داخل أحد المستشفيات الخاصة بمحافظة الجيزة لاتهامهم بتشكيل شبكة للإتجار بالأعضاء البشرية.

وأوضحت وزارة الداخلية أنها أوقفت بعض المشتبه بهم أثناء إجرائهم جراحة استئصال كلى وأجزاء من أكباد مواطنين مقابل 10 آلاف دولار للواحد منهم.

ووفقًا للموقع الإلكتروني لقناة «فرانس 24»، ربط بعض المراقبين في مصر بين تلك الاعتقالات وتحقيق صحفي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، الأسبوع الماضي، تمكن خلاله صحفي ألماني من اختراق أوكار تلك التجارة، التي ازدهرت بشكل صادم في مصر خلال الأعوام القليلة الماضية.

حيث أوضح التحقيق الذي أعده الصحفي الألماني «تيلو ميشكي»، لقناة «بروشايبن - proSeiben» الألمانية، المراحل التي تقوم على أساسها عملية «تجارة الدم» كما سماها في تقريره.

تبدأ هذه العملية بإقناع العميل ببيع أحد أعضائه، ليليها إجراء التحاليل الطبية اللازمة للتأكد من سلامة «الزبون»، ومن ثم يقوم بالإقرار كتابيًا أنه يتبرع بأحد أعضائه دون مقابل، للالتفاف على القانون الذي يجرم بيع الأعضاء البشرية بمقابل مادي.

ويكشف التحقيق أن شبكات التجارة بالأعضاء أصبحت أكثر تنظيمًا في العقد الأخير، واكتسبت شكلًا احترافيًا بدءًا من الوسيط الذي يكون في أغلب الأحيان، حسب التحقيق، سوداني الجنسية وانتهاء بالطبيب المصري الذي يجري عملية الاستئصال.

ويتكفل «الوسطاء» أو «السماسرة» بكافة الإجراءات، ويلجؤون في بعض الأحيان إلى استقدام سودانيين من بلادهم بعد منحهم تأشيرات دخول لمصر.

«انتزاع» 

وتقدر الأرقام الرسمية للمفوضية العليا للاجئين أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء السودانيين في مصر بنحو 26 ألف شخص، لكن الأرقام الفعلية ربما تكون أكثر من ذلك بكثير بسبب دخول العديد إلى البلاد بصورة غير شرعية.

ووفقًا للتحقيق، لا تتم دائما عملية البيع بالتراضي مع «الزبون»، وإنما يتم أحيانا «انتزاع الكلية من الضحية دون موافقته عن طريق عصابات إجرامية مسلحة»، كما يروي أحد الضحايا السودانيين في التحقيق الذي استعان خلاله الصحفي بكاميرات خفية للتصوير.

أما عن المقابل المادي، فيصل إلى 7 آلاف دولار عن كل عضو. بينما تشير التقديرات إلى أن تجارة الأعضاء تحقق أرباحًا عالمية تتجاوز المليار يورو.

ويختتم الصحفي الألماني تحقيقه بالقول إن «الإنسان في مصر يتم استغلاله كمخرن لقطع الغيار البشرية وشبكات الإتجار بالأعضاء تحصد المكاسب. ويبقى الإنسان ليس له ثمن هناك».

إنكار وزارة الصحة المصرية

وفي أول رد مصري رسمي على التحقيق الصحفي، نفت وزارة الصحة، في 20 أغسطس/آب الجاري، صحة ما جاء فيه، مشيرة إلى أن «الغرض من الفيلم هو الإضرار بالسياحة العلاجية في مصر في إطار خطة ممنهجة للإضرار بالأمن القومي للبلاد».

وأكدت الوزارة في بيانها أن عمليات زراعة الأعضاء في مصر تتم في إطار قانوني وفي المستشفيات المرخص لها بذلك بعد تسجيل «المتبرع» لعقد تنازل رسمي في الشهر العقاري للتأكد من عدم وجود شبهة للإتجار.

ليس التقرير الأول عن الظاهرة

التقرير الألماني لم يكن الأول من نوعه، فمنذ بضع سنوات حاولت عدة تقارير دولية ومحلية كشف عصابات مافيا الإتجار بالأعضاء البشرية في مصر، والتي تقدر تحقيقات أعدتها مراكز أبحاث مصرية، كـ«المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية»، وجامعة الاسكندرية، بأنها تتجاوز آلاف العمليات سنويًا.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة ومنظمات صحية عدة إلى أن مصر تندرج ضمن الدول العشر الأولى ذات الرواج الأكثر لتجارة الأعضاء.

وصنفت المنظمة الدولية عام 2010 مصر في المركز الخامس عالميًا.

وأرجعت المنظمة اضطرار مئات المصريين لبيع أعضائهم لاسيما الكلى والكبد إلى الفقر والديون.

وذكر تقرير للمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في 2012 إلى أن الكثير من المهاجرين الأفارقة يقتلون في صحراء سيناء شرق مصر لتسرق أعضائهم.

إغراء أو إكراه أو سرقة

وفي 2016، نشرت مجلة «علوم الإجرام» التابعة لجامعة أوكسفورد البريطانية، دراسة حول تجارة الأعضاء البشرية في مصر، اعتبرت فيها أن تلك التجارة انتشرت بصورة ملحوظة بعد عام 2010، وأن اللاجئين السودانيين، خاصة غير الشرعيين يشكلون قسمًا كبيرًا من الضحايا؛ حيث يخاف أغلبهم الإبلاغ إذا وقع لهم سوء بعد العملية، وحتى في حالة الشكوى لا تعتبرهم السلطات المصرية ضحايا.

وسلطت الدراسة هي الأخرى على مراحل «عملية البيع» بدءًا من السمسار الذي يبحث عن ضحيته، ثم التفاوض على المقابل المادي الذي يتراوح بين 5 آلاف و30 ألف دولار.

وبعد ذلك يأتي دور معمل التحليل للتأكد من مطابقة الأنسجة بين البائع والمريض، ثم في النهاية التواصل مع الطبيب والمستشفى لإتمام «الصفقة».

تقرير آخر أعدته منظمة «cofs» الأمريكية غير الحكومية ومقرها واشنطن، يعود إلى عام 2011، استطاع الحصول على شهادات 57 سودانيًا باعوا أعضائهم، من بينهم 5 أطفال دون سن الـ18.

ويشير إلى استخدام السماسرة ثلاثة سبل للإيقاع بالضحية، وهي الإغراء أو الإكراه أو حتى السرقة.

ويروي أحد الضحايا في التقرير: «حين عُرض علي بيع كليتي رفضت في بادئ الأمر، لكن في النهاية لم يكن أمامي خيارا آخر للحصول على المال وتأمين حياتي أنا وأخي الأصغر مني الذي كان برفقتي».

وتحكي امرأة أخرى كيف تم إكراهها على بيع كليتها قائلة: «وافقت في بادئ الأمر، لكن يوم العملية شعرت بالخوف، وأبلغتهم أنني لا أريد إتمام الصفقة، لكنهم قالوا إن الوقت أصبح متأخرا، ولم يعد بإمكاني التراجع الآن، ثم أعطتني ممرضتان حقنة مخدرة بالإكراه ولم أشعر بشيء بعدها إلا في اليوم التالي وقد تمت العملية».

الأطفال «صيد سهل وثمين»

وبالإضافة إلى اللاجئين السودانيين، يشكل الأطفال «سلعة رائجة في تجارة الأعضاء».

وتم الكشف في مصر مؤخرًا عن عصابات متخصصة في هذا المجال، حيث تقوم «بتوريد» الطفل المخطوف إلى رجال أعمال وأطباء، وفقًا لاعترافات طفل يبلغ من العمر 15 عاما قبض عليه ضمن شبكة للإتجار بالأعضاء في أبريل/نيسان الماضي.

ويمثل أطفال الشوارع صيدا سهلا لهذه التجارة.

كما يُعد خطف الأطفال وقتلهم لسرقة أعضائهم أكثر ربحًا للتجار؛ حيث أن سرقة الأعضاء في هذه الحالة لن تقتصر على كلية واحدة وإنما «سيظفر التاجر» بصيد ثمين من كليتين وقلب وكبد وقرنيتي عينين.

الفقر الدافع الأساسي

وتشير دراسة أعدها «المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية» في مصر عام 2010 شملت 150 حالة بيع طواعية للأعضاء، إلى أن جميع البائعين ينتمون إلى مستوى اقتصادي منخفض، ويمرون بأزمات مالية ملحة.

ويُعتبر الفقر أحد أهم العوامل المؤدية إلى ازدهار تلك التجارة غير القانونية في مصر، فالسماسرة يقتنصون ضحاياهم من الأحياء الشعبية؛ حيث ينتشر الفقر والجهل، فيصبح الإنسان فريسة سهلة لبيع أجزاء من جسده بعد إغرائه ببضع آلاف من الدولارات.

وفي مواجهة تلك الجريمة التي أصبحت مع مرور الوقت «مافيا منظمة» وفقًا لـ«فرانس 24»، أصدر البرلمان المصري القانون رقم 5 لعام 2010 بشأن زرع الأعضاء البشرية، مانعًا نقل الأعضاء إلا بين الأقارب، أو بعد موافقة لجنة من وزارة الصحة، ومشددًا على أن يكون ذلك دون أي مقابل مادي.

لكن وفقًا لدراسة مجلة «علوم الإجرام» المذكورة، فإن القانون لم يساهم في الحد من تلك التجارة غير المشروعة، بل زاد من رواجها في السوق السوداء.

المصدر | فرانس 24

  كلمات مفتاحية

مصر تجارة الأعضاء

تجارة الأعضاء حولت حياة آلاف الأفارقة بمصر إلى جحيم