«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: تركيا تبحر بـ«براغماتية» في فوضى الشرق الأوسط

الأحد 27 أغسطس 2017 08:08 ص

في العام الماضي، كانت تركيا في خضم أزمة هذه المرة، وكان فصيل من الجيش قد حاول الإطاحة بالحكومة، وكان قريبا من تحقيق ذلك، لكن فشل الانقلاب، واستغل الرئيس «رجب طيب أردوغان» الفرصة لتطهير البلاد من المعارضين الحاليين والمحتملين لحكمه، ولم تتوقف عمليات التطهير، ولا تزال تركيا في حالة طوارئ رسمية، لكن الأزمة الأسوأ قد مرت، وبدأت تركيا في الاستقرار.

والآن، لا توجد الفوضى في تركيا، ولكن حولها، وواحدة من أقوى العلامات على أن تركيا على وشك الوقوف على قدميها من جديد، هي الطريقة التي تواجه بها الفوضى.

منظور أنقرة

دعونا نأخذ نظرة على العالم من وجهة نظر أنقرة، ناحية الجنوب، يتم سحق تنظيم «الدولة الإسلامية» على مهل، في العراق، يكاد التنظيم يخسر معاقله الأخيرة، وفي سوريا، يتعرض للضرب من قبل القوات السورية المدعومة من الولايات المتحدة ونظام «الأسد» المدعوم من روسيا، وترغب تركيا في أن ترى هزيمة «تنظيم الدولة»، لكنها لا تحب من يفعلون ذلك.

فقوات الدفاع الذاتي تتكون من الأكراد السوريين، الذين هم مجرد مجموعة إرهابية مثل «تنظيم الدولة» بالنسبة لتركيا، وتعد تركيا عدو «نظام الأسد» قبل فترة طويلة من بدء الحرب الأهلية السورية، وناحية الجنوب الشرقي، يبدو أن حكومة إقليم كردستان، وهي منطقة كردية مستقلة شمال العراق، عاقدة العزم على المضي قدما في استفتاء حول الاستقلال في 25 سبتمبر/أيلول.

وقد دعت تركيا بالفعل حكومة إقليم كردستان لإلغاء الاستفتاء، لأنها تخشى من أن يشجع التصويت من أجل الاستقلال ملايين الأكراد الذين يعيشون في تركيا أو على الحدود معها للإقدام على خطوة مماثلة.

وفي الجنوب، يتنافس كل من إيران والمملكة العربية السعودية ويهددان بعضهما البعض، وتتداخل تركيا في هذا الشأن، بطرح إمكانية التعاون المحدود مع إيران في بعض المجالات ذات الاهتمام المشترك، وفي الوقت نفسه، في الشمال، لا تزال العلاقات التركية مع روسيا معقدة، وترتبط ارتباطا وثيقا بالعلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا. وتتعاون روسيا والولايات المتحدة بهدوء في سوريا في الكفاح ضد «تنظيم الدولة»، لكنهما في خضم تنافس في كل مكان آخر، وعبر البحر الأسود من تركيا إلى أوكرانيا، تضيق الولايات المتحدة الخناق على روسيا، فضلا عن التوترات في البلقان والقوقاز، وتأمل تركيا في توسيع نفوذها في هذين المكانين، وهي بالفعل لاعب رئيسي في الأخير، وسيؤثر النشاط الروسي في أي من هاتين المنطقتين على تركيا، ويجب أن يكون الأتراك مستعدين لذلك.

وأصبح رد تركيا على هذه التحديات نموذجيا بالنسبة للسياسة الخارجية التركية، فهي تحاول تحقيق التوازن بين جميع الأطراف المختلفة دون أن تلزم نفسها ناحية طرف ما بقوة، وارتفع كثيرا عدد الزيارات رفيعة المستوى التي استضافتها تركيا في الأسابيع الأخيرة.

وفي الأسبوع الماضي، كان رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية في أنقرة لإجراء محادثات، وفي وقت لاحق، زار رئيس أركان الجيش الروسي تركيا لمناقشة جهود التنسيق في سوريا، ثم وصل وزير الدفاع الأمريكي «جيمس ماتيس» إلى تركيا يوم 23 أغسطس/آب، في يوم شهد «ماراثون» من الاجتماعات مع المسؤولين الأتراك.

ومع إيران، وعدت تركيا بتعزيز التعاون العسكري، وهو أمر مفاجئ بالنظر إلى أن كلا من تركيا وإيران يطمح إلى القيادة الإقليمية على المدى الطويل، وتتباعد مصالحهما، في نهاية المطاف.

ومع روسيا، وافقت تركيا على التنسيق التكتيكي في سوريا، ونوهت بفهم موسكو لشواغل تركيا إزاء المخاطر التي يشكلها الأكراد السوريون، وكما الحال بالنسبة لإيران، فلدى تركيا خلافات استراتيجية أساسية مع روسيا على المدى القصير (مستقبل سوريا ومكان الأسد فيها) وعلى المدى الطويل (المنافسة في القوقاز وجنوب شرق أوروبا).

وربما كانت هناك طرق تكتيكية قد تسمح لهذه القوى بمساعدة بعضها البعض، مثل تعاون إيران وتركيا ضد الأكراد، وروسيا وتركيا ضد النفوذ الأمريكي في المنطقة، لكنها ليست تحالفات طويلة الأجل.

ثم هناك الولايات المتحدة التي تتدهور العلاقات التركية معها منذ أعوام، وكان قرار الولايات المتحدة ببدء تسليح الأكراد السوريين في مايو/أيار ضربة أخرى للعلاقات، ويبدو أن زيارة «ماتيس» كانت إلى حد كبير لتخفيف حدة آثار تلك المسألة، وفي الوقت الراهن، تبدو علاقة تركيا مع الولايات المتحدة أقل حدة بشكل ظاهر ​​مما كانت عليه منذ أشهر.

بين القوى العظمى

ويعد التوازن بين روسيا والولايات المتحدة هو ما يصعب على تركيا إحرازه الآن، وفي الأعوام القادمة، ستجبر الضرورات تركيا على التعدي على المناطق التي تعتبرها روسيا في نطاق نفوذها، وتركيا ليست مستعدة لهذا الصراع، وفي الوقت نفسه، تعد روسيا لاعبا حاسما في القوقاز، وقوة كبيرة في الشرق الأوسط.

وتتأرجح ضرورات تركيا بشكل أفضل مع رؤية الولايات المتحدة للمنطقة، لكن ليس بشكل مثالي، وتسعى الولايات المتحدة إلى توازن القوى في المنطقة، وتريد تركيا كحليف صغير، وترى تركيا نفسها كقوة صاعدة لا يجب أن تضطر إلى تقديم التنازلات لأحد، حتى لو كان للولايات المتحدة، لكن تركيا ليست قوية بما فيه الكفاية لمواجهة كليهما، والانحياز إلى طرف لا يعمل لصالح تعزيز المصالح التركية مع الطرفين، وبالتالي فهي علاقة معقدة مع كل منهما.

وكانت المحطة التالية لـ«ماتيس» بعد مغادرته أنقرة إلى كييف، ونقلت وسائل الإعلام الأوكرانية والروسية عن «ماتيس» قوله إن الولايات المتحدة وافقت على تسليم «معدات خاصة» بقيمة 175 مليون دولار، من شأنها تعزيز القدرة الدفاعية لأوكرانيا، ولم تذكر وسائل الإعلام الأمريكية في تقاريرها حول هذه المسألة أي تفاصيل، ومع ذلك، لا شك في أن لهجة اجتماع «ماتيس» مع رئيس أوكرانيا وتعليقاته بعد ذلك تخبر بالكثير، ورفض وزير الدفاع العدوان الروسي، وتعهد بأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع انتهاك روسيا للسيادة الأوكرانية.

لم يتوقف «ماتيس» عن توصيل الرسائل، حيث قال إن الولايات المتحدة ما زالت تناقش ما إذا كانت ستزود أوكرانيا بأسلحة دفاعية مثل الصواريخ المضادة للدبابات، ومن شأن ذلك أن يتجاوز حدودا خطيرة من وجهة نظر روسيا.

وكانت هناك تلميحات مفادها أن الولايات المتحدة، على الأقل، مستعدة للحوار، وقد يكون اجتماعا مقبلا بين المبعوث الأمريكي الخاص إلى أوكرانيا ومساعد الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» خطوة نحو نزع فتيل الأزمة، ولكن بين لغة ماتيس القوية والعقوبات الأمريكية الأخيرة ضد روسيا، فإن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا خارج سوريا تتجه نحو عدم الثقة والعداء، وليس بوسع روسيا سوى انتظار المزيد من التحديات من قبل الولايات المتحدة قبل أن يبدأ «الكرملين» في إثبات أنه قوي بما فيه الكفاية لمنع الولايات المتحدة من الوقوف أمام المصالح الروسية.

صياغة رؤية

وتعد كل هذه المسائل مهمة لتركيا، ويحاول الأتراك الآن صياغة خطة متماسكة لمتابعة مصالحهم في حدود قدراتهم، وبالنسبة لجميع التهديدات التركية للتدخل في سوريا أو لمهاجمة مختلف الجماعات الكردية، فقد بقيت مجرد تهديدات بعيدة عن المعركة، كما استبعد وزير خارجية تركيا إغلاق الحدود مع حكومة إقليم كردستان إذا مضت قدما في استفتاء استقلالها.

ويعد الهدف الأساسي لتركيا هو تشويه صورة الأكراد السوريين الذين يتشاركون بشكل أكبر مع الأكراد في تركيا أكثر مما يفعلون مع معظم الأكراد العراقيين، وأن تستفيد من الدعم الذي يمكن أن تقدمه لروسيا والولايات المتحدة لمواءمة سياسات كل منهما مع المخاوف التركية المباشرة.

وأدت محاولة الانقلاب إلى إضعاف تركيا لفترة وجيزة، لكنها أعطت «أردوغان» الفرصة أيضا لتطهير سطح السفينة والسعي وراء طموحات أكبر، والآن، وبعد عام من النقاهة، تستضيف تركيا كبار قادة الدفاع في الولايات المتحدة وروسيا وإيران، وكل ذلك في غضون أسبوع ونصف، ليس ذلك فحسب، لكن هؤلاء الممثلون هم من يأتون إلى تركيا، وتركيا هي التي تحدد ثمن مساعدتها دون أن تلتزم بأية أجندة ما عدا أجندتها المباشرة، والتي تركز على الحفاظ على سلامتها الوطنية، وإعادة بناء جيشها واقتصادها، في حين تترك الجميع يضعفون أنفسهم من خلال قتال بعضهم بعضا.

وتريد تركيا البقاء في عين العاصفة طالما استطاعت، ولكن في نهاية المطاف، لا يمكن لتركيا السيطرة على كل ما يحدث من حولها، وكل ما يمكن القيام به هو جعل نفسها قوية بما فيه الكفاية، وتشكيل بيئتها الإقليمية بما يكفي لحماية مصالحها عندما تضطر إلى دخول العاصفة، والشيء الأهم هو أن تركيا قد عبرت علنا عن تلك الرؤية، بل كيفت علاقاتها ببراجماتية لتتمكن من تمرير تلك الرؤية.

  كلمات مفتاحية

تركيا روسيا سوريا الولايات المتحدة

تحالفات تركيا الجديدة.. لماذا تنخرط أنقرة مع منافسيها السابقين؟