«و.بوست»: لماذا قاومت دول شمال أفريقيا ضغوط تحالف الحصار لمقاطعة قطر؟

الأحد 10 سبتمبر 2017 08:09 ص

كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر قد حاولت عزل قطر منذ بدء الحصار في يونيو/حزيران الماضي. ولكن في شمال أفريقيا، فشلت في إيجاد المؤيدين بشكل ملحوظ. وعلى الرغم من الاستثمارات الكبيرة لمجلس التعاون الخليجي هناك، حافظت معظم بلدان شمال أفريقيا على موقف محايد بدلا من الانحياز مع أي من المعسكرين. فلماذا لم تفعل؟

وفي حين يرى الكثيرون هذا القرار كدبلوماسية حياد تقليدية، يظهر بحثي أن هذه الاستراتيجية مدفوعة بالمخاوف من توسع الهيمنة وإغراء الاستثمارات القطرية. وقد رأت أنظمة شمال أفريقيا في التحالف الرباعي تهديدا متزايدا للأمن الإقليمي، ومن ثم توازنت بشكل غير مباشر مع اللاعب الأضعف، قطر.

استثمارات خليجية

ومنذ عام 2011، تنافست السعودية والإمارات وقطر على النفوذ السياسي والمالي في شمال أفريقيا. وكان تأثير قطر قد بلغ ذروته في العامين الأولين بعد الانتفاضات العربية، حيث قاد حلفاؤها، ومعظمهم من الإسلاميين السياسيين، التحولات في مصر وليبيا وتونس والمغرب.

لكن دورها قد تقلص بعد عام 2013، بعد الانقلاب العسكري في مصر الذي أطاح بحكومة الإخوان المسلمين، وانسحاب حزب النهضة الإسلامي من السلطة في تونس، وشبه انهيار الدولة في ليبيا.

وفي الوقت نفسه، وسعت السعودية والإمارات جهودهما في شمال أفريقيا. وضختا المليارات إلى مصر بعد الانقلاب، وتعهدتا بالاستثمار في تونس والجزائر والمغرب. وقد تدخلت حكومة الإمارات عسكريا في ليبيا ولديها وكلاء هناك.

المغرب: حليف للسعودية يبحث عن الحياد

وربما كان موقف الرباط هو الأكثر إثارة للدهشة. فالمغرب هي أقرب حلفاء السعودية في شمال أفريقيا، ولدى المغرب علاقات اقتصادية قوية مع كل من المملكة والإمارات. ومع ذلك، لم يعلن المغرب حيادها فحسب، بل أرسل أيضا شحنات غذائية إلى قطر. فلماذا فعل ذلك؟

لقد كان ذلك، جزئيا، لمصلحة ذاتية. حيث قامت قطر مؤخرا بزيادة استثماراتها في المغرب. كما دعمت المغرب في التوسط في اتفاق الصخيرات بشأن ليبيا. وعلاوة على ذلك، يتمتع حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم بعلاقة جيدة ​​مع قطر. وقبل أيام، أعلنت قطر رفع متطلبات التأشيرة عن المغاربة.

ويواجه المغرب أيضا خلافات مختلفة مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى التي وعدت بالاستثمار بكثافة في المملكة، بل دعت إلى انضمام المغرب إلى مجلس التعاون الخليجي، ولكن لم يتحقق من ذلك إلا القليل. وقد انضم المغرب إلى الحرب في اليمن وغيرها من المبادرات التي تقودها السعودية، ولكن مع نتائج محدودة.

وفي الوقت نفسه، يخشى المغرب تاريخ دولة الإمارات في دعم الكيانات الانفصالية، مثل صوماليلاند وشرق ليبيا وجنوب اليمن، حيث لدى المغرب حساسية في مسألة الصحراء الغربية.

ومن خلال البقاء على الحياد، يظهر المغرب استياءه لحلفائه. ومع ذلك، فإن قرار العاهل السعودي بقضاء عطلته في شهر أغسطس/آب في طنجة يظهر استمرار قوة هذه العلاقة.

الجزائر تخشى توسع الهيمنة

وكان البيان الرسمي الصادر عن الجزائر محايدا أيضا، ودعت من خلاله إلى الحوار. وعلى الرغم من ذلك، شكل 31 عضوا من أعضاء البرلمان الإسلاميين لجنة برلمانية تضامنا مع قطر، وعقد سفير قطر في الجزائر اجتماعات علنية أسبوعية مع مسؤولين رفيعي المستوى.

وعلى الرغم من أن السعودية قد تعهدا أكثر من مرة بالاستثمار بكثافة في الجزائر، إلا أن الجزائر تختلف معها حول استراتيجية إنتاج النفط التي ينبغي أن تعتمدها منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك). وتعد ليبيا نقطة خلاف أخرى، حيث يدعم المحور الإماراتي المصري الحل العسكري الذي تعتقد الجزائر أنه قد يعرض أمنها للخطر. كما تخشى أن يكون انتصار هذا المحور في ليبيا إيذانا بوجود حليف جديد للسعودية في أوبك.

وفي المقابل، استثمرت قطر في مشروع ضخم بقيمة 2 مليار دولار في الجزائر. كما أنها تواصلت مع الجزائر في أوبك للتوصل إلى اتفاق للحد من الإنتاج. وتخشى الجزائر من انسحاب قطر من الصفقة، مما يؤثر على أسعار النفط. وعلاوة على ذلك، لدى البلدين وجهات نظر مماثلة بشأن ليبيا. بالإضافة إلى كون الجزائر هي أقرب شريك لإيران في شمال أفريقيا، بينما تقف إيران مع قطر في هذه الأزمة.

تونس: توازن دقيق للديمقراطية

ومنذ عام 2011، كانت تونس موقعا للمنافسة الخليجية على النفوذ الإقليمي. إلا أن وزير الخارجية التونسي قد أكد على حياد بلاده في الأزمة الحالية. وقد كانت حركة النهضة، التي يوجد تقارب لقيادتها مع كل من قطر والسعودية، وراء هذا الموقف.

وفي يونيو/حزيران، أرسلت الإمارات مبعوثين إلى تونس. كما أرسلت قطر وزير الدولة للشؤون الخارجية. وكذلك توقف وزير خارجية إيران في تونس خلال جولته في شمال أفريقيا لبحث الأزمة. وفي يوليو/تموز، سافر وزير التجارة والاستثمار السعودي إلى تونس بوفد مكون من 50 فردا، مؤكدا تعهدات المملكة لدعم رؤية «تونس 2020» بمبلغ 800 مليون دولار، وإضافة عقود قيمتها 200 مليون دولار.

ومع ذلك، غالبا ما يتعرض «النموذج التونسي» للانتقاد في وسائل الإعلام المصرية والإماراتية. ومع ذلك، لا تزال قطر هي أكبر مستثمر عربي في تونس وهي شريك دبلوماسي هام أيضا.

ليبيا: آفاق النفط وتحالفات الحرب

وتجدر الإشارة إلى أن ليبيا قد عانت حربا أهلية مستمرة منذ عام 2011، إضافة إلى التنافس المستعر بين الحكومات المختلفة غرب البلاد وشرقها.

وفي غرب ليبيا، لا تزال قطر لاعبا رئيسيا في تحالفات قوية في طرابلس ومصراتة. غير أن حكومة الوفاق الوطني في طرابلس قد اتخذت مؤخرا خطوات نحو قطر في محاولة للتوصل إلى اتفاق سلام مع شرق ليبيا. ومع ذلك، في حين أنه يقلل من اعتماده على قطر، لا يمكن للجيش الليبي الوقوف ضدها دون المخاطرة بنزاع داخلي كبير في منطقة سيطرته. وسوف يحتاج أيضا إلى الدوحة لتعزيز دوره التفاوضي (مع الحكومة في الشرق).

وقد امتنعت طرابلس حتى الآن عن إصدار أي بيان حول الصدع الخليجي.

وعلى النقيض من ذلك، شارك القادة الليبيون الشرقيون في الحملة المناهضة لقطر. وقد اتهموا قطر بدعم الإرهاب وإثارة الانقسامات في ليبيا. وفي الواقع، تدير الإمارات مطارا عسكريا بالقرب من بنغازي منذ عام 2015، في حين تعمل المقاتلات المصرية والإماراتية أحيانا في سماء ليبيا. وغالبا ما ينظر إلى شرق ليبيا على أنه وكيل مصري إماراتي، مما يجعل موقفه متوقعا.

مستقبل العلاقات

وقد أدى الضغط المباشر من قبل دول الحصار والنفوذ الاقتصادي الذي تمارسه قطر على بلدان شمال أفريقيا الكبرى إلى تبني مواقف حيادية. ولكن كما يظهر في شرق ليبيا، فإن هذا ليس موقفا ثابتا في المنطقة. كما أن موريتانيا، وهي عضو صغير في اتحاد المغرب العربي، قد أعلنت أيضا موقفا مناهضا لقطر، وكذلك معظم البلدان التي تشكل الحزام الجنوبي لاتحاد المغرب العربي (تشاد والنيجر والسنغال).

وبعيدا عن اتباع سياسة افتراضية، قام كل بلد بإجراء حساباته الفريدة التي أدت إلى اختيار الحياد. ولكن هذا يعني أيضا أن قراراتها قد تتغير إذا زادت دول الحصار من الضغط، الأمر الذي يضعها مرة أخرى أمام الخيارات المختلفة.

المصدر | يوسف شريف - واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

قطر أزمة قطر المغرب الجزائر ليبيا تونس