هل انتهى شهر العسل بين «ترامب» و«السيسي»؟

الاثنين 11 سبتمبر 2017 02:09 ص

جاء انتخاب «دونالد ترامب» رئيسا للولايات المتحدة بمثابة فرصة للرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» وبعد أن تخلى الرئيس «ترامب» عن التدخل في مسألة حقوق الإنسان والديموقراطية ووعد بعلاقة جديدة من شأنها أن تقدم مصالح الأمن القومي الصارمة. أما بالنسبة للسيسي، فقد أشار انتخاب «ترامب» إلى رفض واشنطن لما كان يعتقد أنه حماقات إدارة «أوباما» واستبدال ذلك بالترحيب بفضائل الحسابات الجيوسياسية الصعبة التي تقف فيها مصر كقلعة للاستقرار ومكافحة الإسلام السياسي.

وبعد سبعة أشهر فقط من رئاسة «ترامب»، وضع القانون الأمريكي رأسه ليفسد الفهم أو التوقع المصري الذي كان قائما حتى الآن للعلاقات المستقبلية بين مصر والولايات المتحدة. ففي خطوة مفاجئة، ألغت إدارة «ترامب» أكثر من 95 مليون دولار في المساعدات المخصصة سابقا لمصر وأخرت تسليم 195 مليون دولار أخرى للمساعدة العسكرية «بسبب عدم إحراز تقدم في احترام حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية». حيث ينص القانون العام 114-113 لسنة 2016 وقانون المخصصات الموحدة، على أنه يتعين على الإدارة حجب 15% من المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية إلى مصر والبالغة 1.3 مليار دولار (أي 195 مليون دولار). ولا يمكن للخارجية أن تصادق على تقدم الحكومة المصرية في مجال حقوق الإنسان.

وبالنظر إلى تعليقاته السابقة حول الرئيس «السيسي»، قد يكون الرئيس «ترامب» قادرا على التحايل على هذا القرار والواقع أن مكالمته للسيسي في 24 أغسطس/آب قد تضمنت وعدا بإعادة تقييم المسألة. لكن إدارة «ترامب» لا يمكن أن تتخلى عن القانون المعمول به أو تتجاوز سلطة الكونغرس على الرغم من أهمية العلاقة الأمريكية المصرية والدور المحوري الذي تلعبه مصر في التخطيط الجيوستراتيجي الأمريكي. وفي هذا السياق وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية تشعر واشنطن بخيبة أمل لأن مصر تحتفظ بعلاقات طيبة مع كوريا الشمالية على الرغم من أن واشنطن تقود حملة دولية لعزل بيونج يانج أثناء تطوير برامجها النووية والصواريخ الباليستية.

حقوق الإنسان في مصر

وقد سبق أن وثق التدهور العام لظروف حقوق الإنسان في مصر منذ الانقلاب العسكري الذي قام به «السيسي» في عام 2013 ضد الرئيس السابق والقيادي في جماعة الإخوان المسلمين «محمد مرسي».

وأدى قانون مكافحة الاحتجاج في نوفبر/تشرين الثاني 2013 وقانون مكافحة الإرهاب في أغسطس/آب 2015، إلى جانب ممارسات الدولة العميقة التي تغذت منذ العصر الناصري، إلى تحول خطير في السياسة والمجتمع المصريين. وتشمل الإساءات الاعتقالات التعسفية والتعذيب والقيود المفروضة على التنقل وتكوين الجمعيات وحرية التعبير وإغلاق منظمات المجتمع المدني وحظر المظاهرات العامة وإعلان جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية وحل حزب الحرية والعدالة و أمور أخرى.

وتقول منظمات حقوق الإنسان إن نحو 60 ألف شخص سجنوا في مصر منذ عام 2013. وفي السنوات الخمس الماضية، قامت مصر ببناء 19 سجنا، منها 16 سجنا منذ تولي الرئيس «السيسي» السلطة في حزيران / يونيو 2014؛ في أعقاب رئاسة مؤقتة لمدة عام واحد بعد الانقلاب من قبل «عدلي منصور». وقد أثرت حملة «السيسي» على جميع قطاعات المجتمع المدني والناشطين المؤيدين للديمقراطية الذين كان لهم دور أساسي في إسقاط دكتاتورية الرئيس السابق «حسني مبارك». ولا تقتصر الحملة على الإسلاميين المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين المنحلة، بل شملت أيضا «نشطاء ليبراليين وعلمانيين». وهذا يشكل انتهاكا لدستور البلاد لعام 2014.

وتعيش البلاد اليوم في ظل حالة الطوارئ التي أعلن عنها في أبريل/نيسان 2017 لمدة ثلاثة أشهر بعد الهجمات على الأقلية المسيحيين القبطية في جميع أنحاء البلاد، وجددت في يونيو/حزيران 2017 مع استمرار الحكومة في جهودها لمواجهة التهديدات الأمنية. وطبقا للقانون رقم 162 الصادر عام 1958 خلال فترة الثورة المصرية، فإن حالة الطوارئ تمنح أجهزة الدولة صلاحيات واسعة مثل إنشاء محاكم خاصة يمكن للرئيس أن يعين ضباطا عسكريين فيها، وتقييد الحريات والحركة؛ والإشراف على جميع أشكال الإعلام والاتصال. ويمكن لنظام «السيسي» - مثل مبارك قبله بين عامي 1981 و2011 - أن يستخدم حالة الطوارئ في أي وقت لوقف جميع الحقوق وممارسة أي سلطة يراها ضرورية لفرض نظامه على المجتمع المصري.

وما أدى تحديدا إلى تعليق المساعدات الأمريكية في 22 أغسطس/آب هو قانون مصري يحكم عمليات تمويل المنظمات غير الحكومية أقره البرلمان المصري في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 ووقع عليه «السيسي» في مايو/أيار 2017. ويؤثر القانون على 47.000 مجموعة مصرية و100 مجموعة أجنبية من خلال الحد من حريتهم في ممارسة أنشطتهم وفرض عقوبة السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات وغرامات كبيرة لعدم الامتثال. كما ينشئ «سلطة وطنية» تضم ممثلين عن الجيش المصري وأجهزة المخابرات «للإشراف على التمويل الأجنبي للمنظمات المصرية غير الحكومية وأنشطة المنظمات الأجنبية غير الحكومية» في مصر.

وعلاوة على ذلك، أشارت تقارير صحفية إلى أن المسؤولين الأمريكيين «قللوا» من احتمال إقرار مصر للقانون بعد تأكيدات المسؤولين المصريين خلال زيارة الرئيس السيسي لواشنطن في أبريل/نيسان 2017 أنه لن يصبح قانونا على الأرض.

بالإضافة إلى المخاوف بشأن قانون المنظمات غير الحكومية، هناك مخاوف بشأن جوانب أخرى من حالة حقوق الإنسان في مصر، على الرغم من أن الخطوة الأخيرة لإدارة «ترامب» لم تعالجها. على سبيل المثال، في عام 2016، وضع قانون يجبر وسائل الإعلام على تبني ما تقوم به الحكومة من تقارير حول الحوادث الأمنية ، مما يهدد بإلغاء تراخيص وسائل الإعلام وفرض غرامات عند عدم الالتزام . وفي يونيو/حزيران 2017، قامت الحكومة بإغلاق 64 من هذه الوسائل وفي وقت سابق من العام، أغلقت الحكومة مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف ومركز نازرا للدراسات النسوية، وكلاهما مختص في العمل ضد التعذيب والاعتداء الجنسي.

وقد تم حظر حتى حق العمال في الإضراب. وصدر حكم من المحكمة الإدارية العليا في أبريل/نيسان 2015 بتجريم إضرابات العاملين العموميين. ووفقا لنشطاء في مجال العمل وحقوق الإنسان، انتهك القانون الدستور المصري 2014 والتزام مصر باتفاقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأمم المتحدة التي صادقت عليها في عام 1981. ولكن العمال يتحدون أحيانا هذا الحكم، على سبيل المثال، حدث آخر إضراب في منتصف أغسطس/ آب عندما أضرب الآلاف من عمال النسيج في شركة مصر للغزل والنسيج المملوكة للدولة في المحلة بسبب نزاع على الأجور. بالإضافة إلى ذلك، هناك زيادة في القلق بين المصريين حول مرور ممكن لقانون يتم كتابته حاليا من قبل أحد مؤيدي النظام في البرلمان «يهدف إلى طرد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من الوظائف العامة». ومثل هذا القانون، في حال إقراره، فإنه قد يستخدم بشكل مؤكد ضد خصوم النظام من جميع المشارب.

خيبة الأمل الأمريكية

ويشير قرار تخفيض المساعدات الأمريكية، رغم أنه قد لا يستمر لفترة طويلة، إلى تضارب خطير بين المسؤولين الأمريكيين حول كيفية التعامل مع مصر. وقد أعلنت إدارة «ترامب» عن اعتزامها إقامة علاقاتها مع الحكومات الأجنبية على أسس الأمن القومي وعدم السماح لتأثير الفروق الدقيقة في حقوق الإنسان والممارسات الديمقراطية. ولكن الواقع هو أن الإدارة تواجه العديد من العوائق التي لا يمكن الهروب منها مثل، التدقيق في الكونغرس على القوانين واعتبارات السمعة الدولية.

ومع ذلك، تمكن الرئيس ترامب من استخدام علاقته الشخصية مع الرئيس المصري خلال زيارة الأخير لواشنطن لضمان الإفراج عن «آية حجازي» وزوجها، والعاملين في مجال المساعدات المصرية الأمريكية الذين اعتقلتهم السلطات المصرية في عام 2014. وكانت إدارة «أوباما» قد عملت بجد لضمان الإفراج عنهم، لكنها فشلت بسبب ضعف العلاقات بين الرئيسين أوباما والسيسي. ومن ناحية أخرى، فإن مثل هذه الشفاعة الشخصية مشكوك فيها لتكون طريقة عمل في العلاقات الثنائية، وخاصة بسبب القيود القانونية والمؤسسية على السياسة الخارجية الأمريكية. وبعد اجتماع مع وزير الخارجية المصري «سامح شكري» في ديسمبر/كانون الأول 2016، أعرب أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين عن اعتقادهم بأن مصر بحاجة إلى العمل الجاد لإصلاح وتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات. وكانت هذه المشاعر والحتميات وراء قرار وزارة الخارجية الأخير بشأن المساعدات المقدمة لمصر.

ومع ذلك، يجد مسؤولو السياسة الخارجية الأمريكية أنفسهم يحاولون السير بدقة وحذر في تقييمهم للعلاقات مع مصر وتطبيق القوانين الأمريكية وتوجيهات الكونغرس. وكما كان الحال منذ أواخر السبعينيات، تعتبر الولايات المتحدة مصر حليفا لا غنى عنه في الشرق الأوسط، على الرغم من أن العلاقة الجيوستراتيجية الثنائية تعاني من البيئة المتغيرة في المنطقة ومن ضعف موقف الدولة المصرية. فالقوات المسلحة المصرية هي من الأصول المهمة في الموقف الاستراتيجي العالمي الأمريكي. ولا تزال قناة السويس هي المسار الذي لا جدال فيه الذي يربط بين المسارح المختلفة ويضمن الهيمنة الأمريكية.

ومن المرجح أن تكون هذه الاعتبارات غير خافية على صانعي السياسة المصرية، على الرغم من أنها قد لا تكون في أولوية المسائل الهامة بسبب حاجة مصر إلى المساعدة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية. وربما تكون هذه القضية قد أعادت العلاقة الثنائية إلى محنة أوباما. ليس فقط بسبب الاختلافات الفلسفية حول الحقوق والحريات ولكن أيضا لأن «دونالد ترامب» قد لا يكون قادرا على الهروب من الذراع الطويلة للقانون الأمريكي وقوة الكونغرس.

الدروس المستفادة

ومن المرجح أن يتم حل المعركة الحالية التي تربط المساعدات الأمريكية لمصر بالتزامها بتحسين أوضاع حقوق الإنسان مع توجيه رئاسي لوزارة الخارجية حول الشهادة المطلوبة. ومن المؤكد ان الاغلبية الجمهورية فى مجلس الشيوخ الامريكى مع السيطرة على لجنة العلاقات الخارجية ستساعدان في هذا . ومن شأن هذا التطور أن يتماشى مع مناسبات مماثلة سابقة في العلاقة الثنائية القائمة منذ أربعة عقود. ولكن قرار وزارة الخارجية يعرض لتحذيرات هامة لا تستطيع الإدارات الأمريكية والمصرية أن تتجاهلها.

أولا، فإنها تذكر إدارة «ترامب» مرة أخرى بأن البيت الأبيض يجب أن يعيد التفكير في فهمه لسيطرته على قرارات السياسة الخارجية وقدرته على تنفيذها. في القضية المصرية، قد يرغب الرئيس ترامب في مكافأة «السيسي»، لكنه لن يكون قادرا على الذهاب بعيدا إذا تجاهل تماما العوائق القانونية والمؤسسية أمام العلاقات الكاملة وغير المشروطة.

ثانيا، لا تزال سمعة الولايات المتحدة تتوقف على التزامها بتعزيز الحقوق المدنية وحقوق الإنسان في الخارج وتشجيع الممارسات الديمقراطية من جانب الحكومات الصديقة. ومن ثم، فإن إدارة «ترامب» هي المسؤولة عن إعادة صياغة سياستها الخارجية ومن شأن ذلك أن يعزز المصداقية الأمريكية في الخارج ويزيد من فعاليتها مع الحكومات التي تتجاهل الحقوق والديمقراطية.

ثالثا، من شأن الرئيس «السيسي» ونظامه أن يستوعبوا فكرة أن الرئيس الأمريكي هو أولا الذي يتفرد بصنع السياسة الخارجية الأمريكية وأنه خال من جميع القيود القانونية. وعليهم أن يفهموا أن الرئيس الأميركي يختلف عن نظيره المصري الذي يرأس مؤسسة سياسية خارجية مترامية الأطراف تنتظر الأوامر فقط.

رابعا، إن الحكومة المصرية - بل جميع الحكومات العربية - تولي اهتماما بسيناريو تعرض «دونالد ترامب» للإطاحة به من منصبه بسبب تحقيقات التواطؤ مع روسيا خلال الحملة الرئاسية التى جرت العام الماضى. وينبغي أيضا أن يعرفوا أن هذه التحقيقات في مرحلة متقدمة: استدعاء الشهود وسجلات الاستدعاء والوثائق. ومن ثم فإن على «السيسي» وحكومته أن يفهموا حقيقة أن عليهم أن يتعاملوا مع إدارة مستقبلية قد لا يثق رئيسها بالرئيس المصري.

خامسا، وأخيرا، فإن الحكومة المصرية ستعمل جيدا لإعادة التفكير في قانون المنظمات غير الحكومية الذي كان السبب في قرار وزارة الخارجية الأخير. وفي بلد مثل مصر، يعاني من مشاكل سياسية واجتماعية واقتصادية عديدة، تعتبر المنظمات غير الحكومية حافزا للخدمات التي لا توفرها الحكومة. وعلاوة على ذلك، إذا كان قانون المنظمات غير الحكومية قد تسبب في حدوث الفوضى الحالية بين مصر والولايات المتحدة، ربما سيكون على الرئيس «السيسي» أن يفكر عدة مرات قبل أن يوقع على قوانين أخرى شائنة مثل التشريع الذي يجري كتابته حاليا لإقالة موظفي الخدمة المدنية المتهمين بالانتماء إلى الإخوان المسلمين.

  كلمات مفتاحية

السيسي ترامب المساعدات الأمريكية العلاقات المصرية الأمريكية