استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

المسلمون بين سردية «المظلومية» ودور «الضحية»

الثلاثاء 12 سبتمبر 2017 05:09 ص

ثمة واقعٌ صعبٌ يعيشه المسلمون في هذا العالم. وثمة ضغوطٌ عملية عليهم، تصدر عن نظامٍ عالمي يتلبسهُ النفاق، تحكمه الانتهازية وازدواجية المعايير، ويتأكد فيه ضياع بوصلة الأخلاق الإنسانية، في حدّها الأدنى، باضطراد، بخاصة في مثل هذه القضايا. هذا واقعٌ لا يجدي، منطقياً، إنكاره. لكن ما قد يكون أسوأ من تلك الضغوط التعاملُ المُفرطُ مع هذا العالم من مدخل «المظلومية»، مع شغفٍ متزايد بدور «الضحية».

مؤخراً، انتشرت في شكلٍ ملحوظ، على وسائل التواصل الاجتماعي، صورةٌ لامرأة ترتدي البرقع في مجلس الشيوخ الأسترالي، وتحتها تعليقاتٌ من النوع التالي «سياسية أسترالية تسخر من الزي الإسلامي»، «رئيسة حزب سياسي في أستراليا تهزأ بالمسلمين»، «زعيمة سياسية أسترالية تقترح إلغاء البرقع».

إلى هنا، وبغض النظر عن رأيك بالبرقع أصلاً، وقناعتك بأنه لا يمثل زياً إسلامياً، تبدو الصورة استفزازيةً ومرفوضة. فالقناعة أقوى بحرية الإنسان في اختيار لباسه، حتى لو كان البرقع، وبأن تغييره بالإكراه لا ينسجم مع قيم الحرية والتعددية والحق في الاختيار، بخاصة حين يكون الدافع عنصرياً وإقصائياً، لا علاقة له بالحوار في جوانب أخرى، ممكنة، للمسألة.

لكن الموضوع يتجاوز تلك الصورة، كما تبينَ بعد أيام. إذ انتشر، هذه المرة بدرجةٍ أقلّ، مقطع فيديو يحكي القصة بمعطياتٍ مختلفة. في هذا المقطع، تظهر بولين هانسن، رئيسة حزب «أمة واحدة» الأسترالي لعشر ثوانٍ تخلع خلالها البرقع قائلةً إنها سعيدةٌ بخلعه، وأنها لبسته رمزياً في إطار دعوتها لمنعه رسمياً في أستراليا.

يحدثُ هذا وسط صيحات استهجان واضحة من أعضاء المجلس. بعدَها مباشرةً، يُعطي رئيس مجلس الشيوخ الكلمة لوزير العدل الأسترالي الذي يجيب عليها بلهجةٍ صارمة ومطولة ورافضة للممارسة نفسها، ولكل معانيها، ولطلبها بمنع البرقع. وتنتهي الكلمة وسط تصفيق مطول مع الوقوف من قبل أعضاء مجلس الشيوخ، استخدمت الصحف الأسترالية والبريطانية والأميركية في وصفه كلمة مشهورة بالإنكليزية (standing ovation).

اهتم كثيرٌ من المسلمين بصورة هانسن وعلّقوا عليها مشتكين من العنصرية، والكراهية للإسلام والإساءة إليه. لكن الاهتمام كان نادراً بكلمة وزير العدل، إذ لم أجد، على رغم عملية بحثٍ طويلة، من يُعلّق عليها ممن سمعها ونشرها.

هكذا، يحاصر المسلمون أنفسهم، قبل أن يحاصرهم أحد، باستخدام عقلية «الضحية» لتأكيد سردية «مظلوميتهم»، بكل ما في الممارسة من دلالات نفسية وعملية.

وإذ تعود إلى تجارب وأحداث سابقة تحمل إيحاءات «إساءة» للمسلمين، أو للإسلام ورموزه، يتكرر النمط المذكور في شكلٍ واضح. تبدو النتيجةُ ذاتها سواء تعلّقَ الأمر بتصريحاتٍ لبابا الكنيسة الكاثوليكية أو برسومٍ كرتونية نُشرت في جريدةٍ أوروبية أو بخبرٍ سيئٍ آخر يقع ما بين هذين الخبرين. فالمسألة هنا تتعلق بطريقةٍ في التفكير سائدة في العالم الإسلامي، وفي العالم العربي خصوصاً.

نحن هنا بإزاء عقليةٍ تلبّست صورة «الضحية»، وأصبحت ترى ذاتها وترى العالم، وتتعامل مع الإثنين، عبر تلك الصورة. لهذا، نادراً ما تجد محركاً للفعل البشري في هذه الثقافة يستطيع كسر ذلك التلبّس، والخروج من حصاره الخانق. أكثر من هذا، نلمح، أحياناً، أننا بإزاء روحٍ قلقة مسكونة بهاجس البحث في أحداث العالم الواسع عن كل ما يؤكد الشعور بأنها ضحية. فتلك روحٌ تحتاج إلى مؤشرات تخلق وتؤكد بين أصحابها إحساسا، فريداً، بالهوية والانتماء!

«كلنا ضحايا ومظلوميتنا واحدة، وواضحة، وجامعة». فوق هذا، تُصبح الاستقالة عن الجهد والتخطيط والعمل سهلةً ومُغريةً ومُبرَّرة. لماذا لا، مع طغيان صورة الإسلام والمسلمين كضحيةٍ يستهدفُها العالمُ بكل قوته الجبارة، عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وإعلامياً وفنياً وثقافياً.

لم يخطر في بال أحد البحث ليجد أن حزب السياسية المذكورة حصل على 1.3 في المئة من أصوات الناخبين الأستراليين خلال الانتخابات الأخيرة في آب (أغسطس) من العام الماضي. هذا على رغم ركوبها موجة العنصرية والشعوبية التي سادت في أميركا وأوروبا خلال نفس الفترة مع صعود ترامب في أميركا والأحزاب اليمينية في أوروبا.

لم يهتم واحدٌ من آلاف المنتقدين للصورة المذكورة أعلاه بتحليل دلالات تلك النتيجة، ليخرج بشعورٍ (إيجابي) عندما يعلم هو، ويُخبر المسلمين، أنها، بعنصريتها ورأيها المتطرف، تمثل أقل من 2 في المئة من المواطنين الأستراليين.

ولا يعلم المسلمون أن الحزب يواجه الآن تحقيقين منفصلين من الحكومة الأسترالية بتهم فساد. أما هانسن ذاتها فقد قضت عدة أشهر في السجن عام 2003 لاتهامات بالتلاعب في الانتخابات. هذا فضلاً عن أنها مشهورةٌ في أستراليا بهوسها بالمواقف الاستعراضية والمثيرة للجدل، وبأن سياساتها القديمة كانت تتمحور حول معاداة آسيا والآسيويين، ومحاربة «خطر أن تُصبح أستراليا (آسيويةً)»، ثم إنها انتقلت، بعد فشلها سياسياً وفق تلك الرؤية، إلى معاداة الإسلام وهجرة المسلمين ومنع الطعام الحلال في أستراليا!

كان يمكن للمعرفة بأن هذه هي خلفيةُ ونوعية من «إساء للإسلام والمسلمين» أن تكون أمراً «مُنعِشاً»... لكن هذا لا يبدو مهماً عندما تتعامل الثقافة السائدة في أوساط غالبية المسلمين مع مثل هذه القضايا.

لم يُتعب أحدٌ، ممن تناقلوا مقطع الفيديو ذاته، بطرح تعليقٍ (إيجابي) حول الرد القوي الذي صدرَ عن الوزير المسؤول عن قطاع القانون والعدل والحقوق رسمياً في الدولة الأسترالية، وهو بالمناسبة ممثل الحكومة الرسمي في مجلس الشيوخ، حيث وقعت الحادثة.

واستطراداً، لم يتساءل من نشروا الصورة والمقطع، ومن شاهدهما، عن موقف أعضاء البرلمان الآخرين، أو عن رأي الشعب الأسترالي أو الإعلام الأسترالي، أو العالمي، بخصوص ما جرى. فعلى سبيل المثال فقط، قالت صحيفة «التلغراف» البريطانية في تعليقٍ لها: «قد تكون حيلُها وقحةً وقليلة الأدب، لكنها نادراً ما امتنعت عنها بسبب النقد. تسببت حيلة البرقع بموجةٍ من الاستنكار في أستراليا».

وبطريقةٍ تغلب عليها السلبية في تناول القصة، وتُورد شهادات أعضاء مجلس الشيوخ الآخرين القوية ضد ممارسة هانسن، ومعها شهادات ناشطين ومواطنين أستراليين، جاء مضمون صحف The Australian والديلي تلغراف/ النسخة الأسترالية، ومعها صحف ومواقع عالمية مثل الغارديان والإندبندنت البريطانية والنيويورك تايمز الأميركية وشبكة CBC الكندية وغيرها.

مرةً تلو أخرى، يلوح في خلفية الصورة نمطٌ في التفكير يتجنب رؤية «الإيجابيات» الممكنة في هكذا موقف. وربما، الخوفُ منها، لأنها تُخفف كمون زخمٍ نفسي، هو في النهاية، رافعةُ رواية «المظلومية».

نعم. هناك وفرة أخبار سيئة بالنسبة للمسلمين في العالم. لكن نظرةً أكثر شمولاً لهذا العالم نفسهِ تُظهر فيه، أيضاً، كثيراً من الأخبار الجيدة. وفي حال الإصرار على دور الضحية وسردية المظلومية بين الناس. ومع تقصير النُّخب الفكرية والإعلامية في أداء دورها، تعريفاً بالأخبار الإيجابية وإيضاحاً لدلالاتها، وأخذاً لزمام المبادرة في التعامل الإيجابي معها، فهذا واقعٌ لن يعني فقط استمرار المشكلة، وإنما خلقَ ظروف ومبررات لمزيدٍ من الأخبارٍ السيئة فقط.

مفارقةٌ أخيرة لا تحتاج سوى للدهشة. ففي حالةٍ نادرة، نشر أحدهم رد الوزير الأسترالي في مقطع الفيديو المذكور أعلاه، وعلق قائلاً: «اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين»!

* د. وائل مرزا كاتب وأكاديمي سوري

  كلمات مفتاحية

المسلمون سردية «المظلومية» دور «الضحية» نظامٍ عالمي منفاق الانتهازية وازدواجية المعايير ضياع الأخلاق الإنسانية قيم الحرية والتعددية العنصرية والإقصاء