«كارنيغي»: آلية انتقال السلطة داخل العائلات الحاكمة

الأربعاء 13 سبتمبر 2017 05:09 ص

ترافق تعيين محمد بن سلمان مؤخراً ولياً للعهد في السعودية مع تغيير في آلية انتقال السلطة في البلاد. عندما أزاح محمد بن سلمان ابن عمه محمد بن نايف، وحلّ مكانه ولياً للعهد، سلّط التغيير الضوء على أنه يجب أن يخلف كلَّ واحد من الملوك فردٌ ينتمي إلى فرع مختلف من فروع العائلة.

قد يبدو أن هذا التغيير القانوني ينطوي على مفارقة. فواقع الحال أن محمد بن سلمان رفس السلّم الذي يُفترَض به صعوده للارتقاء إلى العرش، نظراً إلى أنه يتّجه الآن لخلافة والده. لكن إذا كانت هذه الخطوة شاذّة، فالهدف من التعديل كان إدارة سياسات العائلة بأسلوب ذكي – لكنه قد يفتقر أيضاً إلى المصداقية في نهاية المطاف. وحتى لو انتقلت السلطة بسلاسة إلى محمد بن سلمان – وهو مايبدو مرجَّحاً – لا تزال البلاد تفتقر إلى آلية سليمة لانتقال السلطة، التي يسعى إلى إرسائها الملوك السعوديون وسواهم من الملوك في شبه الجزيرة العربية.

ظهرت الأنظمة الملَكية في شبه الجزيرة العربية، في شكل عام، بين القرن الثامن عشر ومطلع القرن العشرين (على الرغم من أن لبعضها جذوراً تاريخية أعمق). في منطقة تشهد اضطرابات شديدة، يبدو أن لهذه الأنظمة قدرة لافتة على البقاء (وحدها الملَكية في اليمن اختفت عن الخارطة).

لكن إذا أظهرت الأنظمة الملكية قدرة ملحوظة على الاستمرار، فالملوك الأفراد ليسوا دائماً في مأمن، ويمكن أن تنشأ نزعات مشاكِسة داخل عائلاتهم. فقد تعاقَب أربعة أمراء على قطر منذ استقلالها في العام 1971؛ وأُطيح اثنان منهم، وتنحّى ثالث من منصبه. ربما تمكّنت السعودية من الإبقاء على الخلافة ضمن أبناء عبد العزيز، غير أن العائلة أقدمت على خلع أحد الملوك، واغتيل آخر على يد ابن أخيه.

كذلك، أطاح سلطان عُمان بوالده؛ وترافق انتقال السلطة الأخير في الكويت، في العام 2006، مع إجراء معقّد، حيث خُلِع ولي العهد ما إن تسلّم منصبه، بعدما اعتُبِر مريضاً جدّاً وبالتالي عاجزاً عن إدارة شؤون الحكم.

لقد حاجج مايكل هيرب بأن الأنظمة الملَكية في شبه الجزيرة العربية تشكّل نوعاً مختلفاً من الأنظمة، هو عبارة عن أسرة حاكمة على نطاق واسع. في هذه الأنظمة، يتولّى أفراد من الأسرة الممتدّة عدداً كبيراً من المناصب الرفيعة في الدولة. تمارس العائلة نفسها وصاية شديدة على الخلافة على العرش، إلا أنه يتم تجنّب اعتماد آلية واضحة للخلافة (مثل انتقال السلطة إلى الابن البكر).

والنتيجة هي ضمان بقاء الجزء الأكبر من القيادة في البلاد منخرِطاً بعمق في المنظومة القائمة، مع إقصاء حفنة قليلة من السلطة بشكل دائم. حتى آليات الخلافة غير المحدّدة المعالم، ولو كانت تُطلق العنان للخصومات، تُعطي أملاً بأن المهمَّشين في مرحلة معيّنة يمكن أن يعودوا في مرحلة لاحقة.

هذه الحجّة مقنعة في مايتعلق بالأنظمة الملكية في حدّ ذاتها، لكن لاتزال هناك مؤشرات بأن السياسات المشاكِسة داخل الأسرة المالكة مثيرة للقلق، حتى لو لم تكن هذه السياسات تهدّد الأنظمة نفسها. السياسات مرتبطة بصعود الشخصيات وسقوطها.

ويمكن أن تُحدّد الانقسامات العميقة بين أفراد الأسرة هيكليات الدولة التي يرأسونها في مواجهة بعضهم البعض. ويمكن أن تخرج خلافات شخصية غير لائقة إلى العلن. مايجب التوقف عنده في شكل خاص هو مشكلة يواجهها الحكّام: فهم غالباً مايحرصون على بقاء الخلافة ضمن فروعهم العائلية، أو حتى في صفوف المتحدّرين مباشرةً منهم، لكنهم يجدون أنفسهم في معظم الأحيان يبحثون عن أدوات كي يضمنوا أن خياراتهم ستظل قائمة بعد وفاتهم.

حاولت الأنظمة الملكية في المنطقة، والملوك الأفراد، إدارة هذه المشاكل بطرق عدة. فقد تسلّم أمير قطر الراهن العرش عندما عثر والده على طريقة لفرض خياره عبر التنحّي عن السلطة وهو على قيد الحياة.

وعيّن سلطان عُمان خلفاً له – لكنه أبقى ذلك التعيين سرّاً حتى تصبح هناك حاجة إليه. وقد أضفت الأسرة الحاكمة في الكويت طابعاً دستورياً على المسألة عبر قيام الأمير بتعيين ولي للعهد – مع الإصرار على عرض الخيار على مجلس الأمة، وعلى إقدام الأمير الجديد على حلف اليمين أمام هذا المجلس.

تكلّلت هذه الآلية بالنجاح، على الرغم من المشاحنات العلنية التي ازدادت حدّةً وصخباً بين أفراد الأسرة الحاكمة، وهو ماتجلّى في الانتقال غير الأنيق إنما الفعّال للسلطة في العام 2006. تحوّلت البحرين نحو تسليم السلطة إلى الابن البكر، وهو تبدّل خطير بحسب حجة هيرب (لأنه يستثني فروعاً كاملة في الأسرة الحاكمة من الأمل بالحكم)، إلا أنه يضمن أيضاً للحاكم الراهن بقاء العرش في عهدة المتحدّرين منه.

أجرت السعودية محاولات عدة لإضفاء الطابع الدستوري على انتقال الحكم منذ إقرارها النظام الأساسي في العام 1992. أتاحت تلك الوثيقة للملك تعيين ولي العهد من بين المتحدّرين من عبد العزيز آل سعود، مؤسِّس المملكة العربية السعودية وملكها الأول. كان نص القانون مقيّداً بقاعدتَين غير مذكورتين. أولاً، كانت لأبناء عبد العزيز أفضلية واضحة على الأجيال الأصغر سناً. وثانياً، في حين عهدَ النظام الأساسي بمهمة الاختيار إلى الملك، من الواضح أنه كان للأسرة ككل دور استشاري قوي ولو لم يكن مدوَّناً.

جرى تعديل النظام الأساسي في العام 2007 لإضفاء طابع رسمي على درجة معيّنة من درجات الدور الاستشاري الذي تؤدّيه العائلة المالكة، وذلك من خلال تأسيس هيئة البيعة التي تتألف من أفراد من العائلة. كان الهدف من إنشاء هذه الهيئة تعيين أولياء العهد (إنما ليس ولي العهد المعيّن وقتها) بموجب أنظمتها الخاصة، التي أوضحت، عند صدورها، بأنه يتعيّن على هيئة البيعة العمل بالتشاور والتنسيق مع الملك.

غير أن تلك الخطوة لم تساهم في تسوية الأمور. ففي العام 2014، أصدر الملك عبدالله آنذاك قراراً عيّن بموجبه أخاه غير الشقيق مقرن ولياً لولي العهد. وتضمّن نص القرار بنداً يحظر تعديله. بهذا المعنى، بدا أنه يهدف إلى حصر الخلافة بأبناء عبد العزيز. عندما توفّي عبدالله في العام التالي، وأصبح سلمان ملكاً على البلاد، عُيِّن مقرن ولياً للعهد – لبضعة أشهر فقط. ثم أزاحه ابن أخيه، محمد بن نايف، وأخذ مكانه. في تلك المرحلة، أصبح محمد بن سلمان ولياً لولي العهد. وبعد عامَين، عُزِل محمد بن نايف من منصبه، عبر تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد.

ترافقت ترقية محمد بن سلمان مع خطوتَين كان الهدف منهما جعل هذه الترقية أكثر استساغةً بالنسبة إلى الأسرة الحاكمة. أولاً، صادقت هيئة البيعة على الترقية، لكن تلك الخطوة ربما تسبّبت بتقويض مكانتها، إذ يبدو أن مبايعتها محصورة فقط ضمن النطاق الذي تسمح به السياسة الملَكية.

ثانياً، جرى تعديل النظام الأساسي، كما وصفناه سابقاً، لمنع محمد بن سلمان (وخلفائه) من اختيار أفراد من فرعهم العائلي ليكونوا خلفاءهم المحتملين. وبدا أن الرسالة الموجّهة إلى الأفراد الأصغر سناً في الأسرة الحاكمة هي أن العائلة المالكة السعودية ككل لاتزال تمسك بزمام الحكم. سيكون محمد بن سلمان الأول بين أبناء جيله الذي يتسلّم سدّة العرش، لكنه لن يورثه إلى سلالته.

إن مشكلة النمط السعودي في استخدام المستندات الدستورية والقانونية لإدارة انتقال السلطة هي أنها تبدو مائعة للغاية. فلاتُوجّه هذه المستندات الخيارات بقدر ماتعكسها، في حين يتبيّن أنها مؤقّتة وليست دائمة كما تدّعي. يُعتبر تعديل النظام الأساسي في العام 2017 بالتحديد مؤشّراً على الحاجة إلى طمأنة أفراد العائلة المترامية الأطراف إلى أن محمد بن سلمان لايزال ينظر إلى الحكم على أنه شأن عائلي وليس مسألة شخصية محضة.

غير أن التعديلات قابلة للتعديل. وعلى النقيض من الدستور الكويتي – المرتبط بمجلس الأمة الذي يمكن أن تكون له إرادة مستقلة – تُمثِّل المراسيم الدستورية والقانونية السعودية الإرادة الملَكية في مرحلة زمنية معيّنة.

ولا يبدو أن ارتقاء محمد بن سلمان إلى سدّة العرش مهدَّد. بيد أن المحاولات الآيلة إلى استنباط طريقة لتنظيم عمليات انتقال الحكم في المستقبل لا تندرج فعلياً في إطار السعي إلى إرساء آلية حقيقية، بل هي أشبه بإجراءات مؤقّتة تدّعي أنها دائمة.

* د. ناثان براون أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن وزميل باحث بمركز كارنيغي للشرق الأوسط.

  كلمات مفتاحية

دول الخليج مسألة الخلافة الأنظمة الملكية السعودية محمد بن سلمان آلية انتقال السلطة إزاحة محمد بن نايف فروع العائلة المالكة إدارة سياسات العائلة الملوك السعوديون ملوك شبه الجزيرة العربية