«جيروزاليم بوست»: لماذا لا تحتاج السعودية إلى علاقات رسمية مع (إسرائيل)؟

الأربعاء 1 مارس 2017 11:03 ص

مثل لغزٍ يتكوّن من قطعتين فقط، صرّح اثنين من الوزراء تصريحات الأسبوع الماضي بشكلٍ منفصل، منحت الجمهور الإسرائيلي لمحة عن واقع ميزان القوى في الشّرق الأوسط.

كان الأوّل هو وزير الدفاع «أفيغدور ليبرمان»، والذي وصف العناصر الرئيسية في أنشطة إيران الاستخباراتية في الشرق الأوسط، أثناء كلمته في مؤتمر ميونيخ للأمن يوم الأحد.

وتضمّنت ملاحظاته تعبيرًا عن القلق من تلك الدولة التي لا تتمتّع بعلاقاتٍ دبلوماسية مع (إسرائيل). وقال «ليبرمان»: «إنّهم يحاولون صنع الفوضى في كل مكان. وهدفهم الرئيسي هو السعودية».

منذ متى يهتمّ وزير الدفاع الإسرائيلي بما تواجهه السعودية من مشقّة؟ جاءت الإجابة في اليوم التالي على لسان زميله في الحكومة وزير الاستخبارات «يسرائيل كاتس»، قائلًا: «نعم، يوجد تعاون بين (إسرائيل) وهذه البلاد، الأمر الذي لا يمكن مناقشته بالتفصيل. هذا التعاون في طريقه ليكون على مستوى أعلى، لأنّ الولايات المتّحدة تستعدّ لقيادته. والهدف الأول من هذا التعاون هو التصدّي لإيران ودحرها إلى خارج المنطقة».

الوزيران على حقّ، فجهود إيران ضدّ (إسرائيل) قد وصلت مؤخّرًا إلى معدّلاتٍ قياسية. وقد أعلن الإيرانيون، مدفوعين بنجاحهم في الحفاظ على «نظام الأسد» على رأس السلطة، حربًا هادئة على (إسرائيل). ويتكوّن نهجها من شقّين. في غزة، يزوّدون الجناح العسكري لحماس بالأسلحة والمال. وعلى الحدود الشمالية، فإنّهم يعملون بلا كللٍ لملء مستودعات حزب الله بالأسلحة والصواريخ الدقيقة، والتي تجعل القوّات الدفاعية والجوّية الإسرائيلية عرضةً للضرر في ساحة المعركة. وبعد أكثر من 10 أعوامٍ على حرب لبنان الثانية، فقد تمّ إعداد حزب الله ليصبح قوّةً تنافس الجيش الوطني.

وقال نائب أمين عام حزب الله، «نعيم قاسم»، في مقابلةٍ تلفزيونية الأسبوع الماضي: «هناك الكثير من الأمور التي لا تعرفها (إسرائيل) عن قدرات وإمكانات المقاومة. وهذه الإمكانات مختلفة وأفضل ممّا كانت عليه أيّام حرب لبنان الثانية».

وقبل نحو عامين، حاولت إيران حتّى إقامة مقرّات عسكرية للعمليات ضدّ (إسرائيل) على جبهة ثالثة، وهي هضبة الجولان. وكان مسؤولون إيرانيون بارزون قد قتلوا في غارةٍ جوّية بالقرب من الحدود الإسرائيلية السورية في غارةٍ جوّية، أفادت تقارير أجنبية أنّ (إسرائيل) هي التي نفّذتها. وقال «ليبرمان» أثناء كلمته بمؤتمر ميونيخ: «أمامنا 3 مشكلات للتعامل معها، إيران وإيران وإيران».

ويتم وضع إيران في حالة العدو النشط في الخطاب العام الإسرائيلي. وعلى الجانب الآخر، فإنّ السعوديين يذكرون في صورة معتدلة، كقادة لكتلة الخير. وفي الواقع فإنّ الرياض ليست عدوًّا معلنًا لـ (إسرائيل) ولا تدعم بشكل مباشر الجماعات التي تسعى لإلحاق الأذى بالدولة اليهودية. ومع ذلك، فإنّ تقديم الصورة باللونين الأبيض والأسود ليست دقيقة تمامًا.

المبادرة السعودية

يشترك النظام السعودي في سلوكٍ تخريبي في الشرق الأوسط بدرجة ليست أقلّ من الإيرانيين. وفي لبنان، فإنهم يدعمون السنّة وممثّلهم البارز، رئيس الوزراء «سعد الحريري»، الذي يحمل الجنسية السعودية. ولهم كلمة في كل تطوّر سياسي هام في بيروت، ليس أقل من إيران كذلك. وفي اليمن، فقد وقعوا في شرك الحرب الدامية لعامين ضدّ الميليشيات الحوثية الشيعية. وهي معركة تدور فقط عبر الجو، وغالبًا ما تسقط الضحايا من المدنيين الأبرياء.

وفي العراق، فإنهم دعموا القاعدة من البداية، وهي مجموعة نشأت من بقايا الداعمين لـ«صدام» من الشعب ونظام البعث، في محاولة لخلق وزن مضادّ للنفوذ الإيراني. والسعوديون نشطون أيضًا في البحرين، حيث تتحكّم أقلّية ملكية سنّية في الأغلبية الشيعية التي تعامل معاملة الدرجة الثانية في البلاد، والتي تتحدّى القيادة بتشجيعٍ من إيران. وقد تدخّلت السعودية لمساعدة حليفها الملك «حمد بن عيسى آل خليفة» لمواجهة المعارضة الشيعية، وقدّمت الدعم الاستخباراتي والعسكري.

ومع ذلك، فقد ذهبت عشرات المليارات من الدولارات التي أنفقتها السعودية على الأنشطة الخارجية في السنوات الأخيرة إلى سوريا. والسعودية هي المشعل الأساسي للحرب الهادفة للإطاحة بـ«بشار الأسد». وفي صيف عام 2011، بالقرب من بداية الحرب الأهلية، قرّر السعوديون الإطاحة بالنّظام السوري، بغض النظر عن العواقب. ولفعل ذلك قاموا بإنشاء الميليشيات والفصائل الموالية من بين الشعب السوري وزوّدوهم بالأسلحة والتدريب العسكري.

ووضع رجال المخابرات السعودية خطّة السياسة التشغيلية لوكلائهم في قتال «الأسد». وفي وقتٍ لاحق، انضمّت بلادٌ أخرى لجهود دعم المتمرّدين، ومن بينها قطر وتركيا والإمارات. وإذا لم يكن هناك إعلان حرب من قبل الائتلاف السنّي، لم يكن «بشّار» ليدافع عن نفسه بهذه الطريقة التي لا هوادة فيها، ولم يكن مئات الآلاف من السوريين الأبرياء قد قتلوا أو أصبحوا لاجئين.

وفي المراحل الحرجة من الحرب السورية، ظهرت الرياض وكأنّ خططها قد نجحت، وأنّ نظام البعث في طريقه للانهيار. ومع ذلك، تدخّلت إيران وحزب الله للدفاع عن «الأسد»، وأراقوا الدماء لحمايته، وانضمّت لهم روسيا في وقتٍ لاحق، لإنقاذ دمشق من الانهيار الكامل، حتّى الآن على الأقل.

وخلال تلك السنوات، حاولت السعودية وشقيقتها قطر تصوير «الأسد» دائمًا على أنّه طاغية يقتل شعبه قتلًا ممنهجًا من خلال القنوات الفضائية الناطقة بالعربية التي يسيطرون عليها. وبالفعل لقد أشعل النظام السوري المستبدّ حربًا للدمار على شعبه، والذي انقسم إلى فصائل، وشمل ذلك هدم مبانٍ كاملة على رؤوس ساكنيها. ومع ذلك، فقد أغفلت الصورة الإعلامية التي قدّمتها السعودية وقطر دورهم الرئيسي في إنشاء وتمويل جماعات المتمرّدين، والتي دفعت «الأسد» للقتال دون أيّ تنازلات.

ويشبه التدخّل المدمّر للسعودية في كلّ هذه المناطق صورةً منعكسة لتورّط إيران في الإرهاب وخطواتها لإضعاف الأنظمة في المنطقة. ومع ذلك، فالسعوديّون أكثر ثراءً من الإيرانيين، ويحظون بتوافق الغرب مع أفعالهم. لذا فإنّهم يميلون للتصرّف بهدوء، وذلك بالتحكّم في اللعبة عن بعد عن طريق المرتزقة.

يوجد الكثيرون في (إسرائيل) يعتقدون أنّه من خلال الحرب الأهلية السورية فإنّ (إسرائيل) تكسب من وراء ذلك. لكنّ الواقع يثبت عكس ذلك. على (إسرائيل) أن ترسل الورود لكل هؤلاء الذين تدخّلوا للدفاع عن النظام. فلو كانت دول الخليج، أصدقاؤنا، كما يحب الوزير «كاتس» أن يصفهم، قد نجحوا في الإطاحة بحكومة دمشق، لأصبحت هناك عراق ثانية على عتبة باب (إسرائيل)، ولم يكن أحدٌ وقتها ليمنع تنظيم الدولة من الوصول إلى الجولان ومهاجمة (إسرائيل).

إضافةً إلى ذلك، فإنّ الهجوم المستمر من الوزراء الإسرائيليين على أوضاع حقوق الإنسان في إيران، لهو إهانة لذكاء المستمع الإسرائيلي. فلم نشهد حتّى الآن وزيرًا إسرائيليًا يهتمّ حقًّا بأوضاع حقوق الإنسان بين المواطنين الإيرانيين. وإذا كانت أوضاعهم تؤلمهم حقًا، لكان عليهم الشعور أيضًا بالأوضاع الإنسانية الصعبة في السعودية. فبنظرة واحدة للمملكة نجد أنّها تدار منذ عقود على يد نفس العائلة وكأنّها ملكًا عقاريًا لهم.

تمثّل إيران في الواقع الخراف السوداء في الغرب، لكنّ الحقيقة المرّة هو أنّه لو كان للمواطنين السعوديين حق الاختيار، لاختاروا أن يكونوا جزءًا من الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

تجربة «نتنياهو»

لا يسمح لـ (إسرائيل) فقط القيام باتّصالات سرّية مع البلدان التي قد تساعد للدفاع عنها، بل تصبح ملزمة بذلك. ويمكننا القول أنّ كل أنواع الأعمال يمكن القيام بها بالتعاون مع النظام السعودي. ومع ذلك، لا بد أنّ تصبح هذه الاتّصالات جزءًا من الخطاب العام في (إسرائيل)، ليس لإشباع فضول الصحفيين، لكن لتجنّب الفشل والخسائر مثلما حدث مع مصر.

ولأربعة عقود أذعنت (إسرائيل) لطلب القاهرة بتطبيع العلاقات مثل تلك التي بين الرجل وعشيقته. ولم تتحوّل تلك العلاقات أبدًا إلى اتّفاق سلام حقيقي، والذي كان ليصبح بمثابة هديّة للأجيال القادمة. لكنّا بدلًا من ذلك بقيت تحالفًا ضعيفًا. وفي لحظة صدق، كادت تلك العلاقة أن تنهار. (الصورة: رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وسامح شكري وزير الخارجية المصري)

ومع السعودية، من السابق لأوانه مناقشة أمر السلام، لكن ليس هناك سبب يجعل دولة ديمقراطية قوية قد تغطّي في المستقبل على علاقتها مع نظام استبدادي تحتاج إليه. والسعودية ليست مجرّد قوّة عسكرية ودبلوماسية هامة. بل هو النظام الأكثر تمرّسًا في المنطقة، والذي يكافح للبقاء منذ وجوده. ولن نعرف أبدًا الخريطة الكاملة لمصالحه الاستراتيجية. يمكنك سرقة حصان مع السعوديّين، لكن لا مشكلة لديهم أن يقوموا في ذات الوقت بسرقة حصان من الإسطبل الخاص بك.

وفي واحدة من خطابات رئيس الوزراء «نتنياهو»، أثناء استعداده للانتخابات قبل فترته الحالية، أوضح أنّ (إسرائيل) تشهد ثورة في علاقاتها مع دول المنطقة. تلك الأنظمة، التي كانت دائمًا في تسامحٍ نسبي مع (إسرائيل)، تتطلّع إلى المصالح المشتركة في المنطقة حيث تحيط بهم الفوضى من كل مكان.

ولا يشجّع على ذلك فقط العدو المشترك ممثلًا في إيران، لكن أيضًا اثنتين من الاحتياجات الإنسانية البسيطة، إيجاد شخصٌ ما للاعتماد عليه وقت الحاجة، واحتمالات التجارة. (إسرائيل) ليست فقط قوّة عسكرية، لكنّها في في الأساس قوّة دبلوماسية وتكنولوجية وتجارية. وليست فقط الحكومات هي التي تسعى للتقارب مع (إسرائيل)، لكن أيضًا السياسيين العرب الذين يتواصلون معها سرًّا، وكلّ رجال الأعمال وغيرهم من الأفراد. جميعهم يتطلّع إلى ما يفقده، من تصريح عمل أو لجوءٍ سياسي أو تعاونٍ استخباراتي، بالإضافة إلى إنشاء قاعدة للعلاقات المستقبلية والصفقات التجارية بمليارات الدولارات.

وقد دفع هذا الاتّجاه المتنامي «نتنياهو» لأن يأمل في أنّ التقدّم في عملية السلام مع الفلسطينيين قد يمهّد الطريق لسلامٍ شامل مع العالم العربي كلّه. لكن أعتقد أنّ التقدّم في العلاقات مع العالم العربي، هو ما قد يساعد في الوصول إلى سلامٍ واقعي ومستقر مع الفلسطينيين.

بعبارةٍ أخرى، اتّخد رئيس الوزراء مسار السلام عبر رام الله. وكان ذلك بالون اختبارٍ مثير للاهتمام، مبني على التفكير الإبداعي وكان هدفه إنقاذ (إسرائيل) من العزلة الإقليمية وتفكيك تاريخي للمقاطعة العربية. ومع ذلك، بعد كشف رئيس الوزراء لتفكيره، رفضت العواصم العربية، تقودها الرياض، الفكرة. وفي المحادثات بين رئيس السلطة الفلسطينية «محمود عبّاس» والقادة العرب، منحوه بوليصة تأمين. وأخبروه: «لن نبيعك»، وأعلنوا رفضهم لعمل سلام مع (إسرائيل) دون حلّ مشكلّة القضية الفلسطينية.

لكن لماذا لا تسارع المملكة العربية السعودية «المعتدلة»، وقائد العالم السنّي، للحصول على العرض المغري؟ السؤال الصحيح هو، لماذا تقدم على ذلك؟ للأسف، السلام مع (إسرائيل) لن يقدّم شيئًا للسعوديين. وكذلك لا يثير اهتمام أشقائهم في الإمارات. هم يشعرون بالقلق من قبل تهديدين وجوديين، إيران والتطرّف الإسلامي. وأيّ سلام مع (إسرائيل) لا يسوّي مشاكل الفلسطينيين، سيعطي هذين العدوّين الشرعية للقتال ضدّ السعوديين. وبالنّسبة للسعوديين فهذا ليس فقط صداعًا مؤقّتًا، بل خطرٌ حقيقي.

ويوجد أيضًا سببٌ آخر لرفضهم صنع سلامٍ مع (إسرائيل)، فالسّعوديّون وجيرانهم في دول الخليج يحصلون بالفعل على كل ما يحتاجونه من (إسرائيل)، دون أن يضطروا لدفع ثمن إقامة علاقات رسمية معها، وهذا يكفيهم على الأقل في الوقت الراهن.

المصدر | جيروزاليم بوست

  كلمات مفتاحية

السعودية (إسرائيل) القضية الفلسطينية العلاقات السعودية الإسرائيلية